عمر حلمي الغول
من الهام والضروري لأي
مفكر وباحث في الشأن السياسي، أو مسؤول سياسي بغض النظر إن كان في مطبخ صناعة
القرار أم خارجه ان يقرأ معطيات اي حدث من خارج الصندوق. لأنه ليس بالضرورة ان
يكون ما يجري تداوله من مواقف ورؤى بشأن حدث ما تعكس الواقع، فكثير من بالونات الاختبار،
والمواقف المعلنة هنا وهناك تهدف إلى ترويض العقل الجمعي، او بتعبير آخر إجراء
عملية غسل دماغ لعامة الشعب، وحتى للنخب السياسية، من خلال تعميم مدخلات ذات صلة
بالحدث، لكنها بعيدة فعليا عن ما يجري رسمه وترتيبه هنا او هناك من مخرجات هذا
الحدث او ذاك.
ومن عمل في حقل
السياسة، وأقترب نسبيا من مواقع صانع القرار يستطيع ان يدرك، ان لعبة السياسة
غالبا تظهر ما لا تبطن، وتعمم ما لا صلة له بما يجري تحت الطاولة، وهي بتعبير أكثر
خشونة بمثابة حقل الغام متحرك، تحتاج إلى فطنة عالية، وقراءات غير تقليدية
للتطورات الجارية على سطح الكرة الأرضية.
ولو انتقلنا من العام
إلى الخاص الفلسطيني، وحاولنا إعمال العقل في ما يجري الحديث عنه بشأن عملية الضم
الإسرائيلية لما يزيد عن ال30% من أراضي الضفة الفلسطينية في الأغوار، التي تشكل
فصلا أساسيا من صفقة العار الترامبية، وما يدور حولها من مواقف في الاتجاهين
الفلسطيني والإسرائيلي وامتداداتهما العربية والإقليمية والدولية، وتركنا جانبا
المواقف الرسمية المعلنة تجاه الضم، وذهبنا لفرضيات وسيناريوهات غير مألوفة لعمل
مقاربة بين الرفض والقبول، والممكن واللا ممكن، وأدخلنا مشرط الجراح السياسي في
دوامة الصراع الأطول في التاريخ المعاصر، والأكثر تعقيدا، والأشد خطورة على السلام
والأمن الإقليمي والدولي، وقبلهما على مستقبل دولة إسرائيل الكولونيالية، فإننا قد
نصل إلى استنتاج قد يكون مصيبا، وقد يكون العكس، مفاده، ان الضجيج الجاري، وما نجم
عنه من تداعيات في الجبهتين الفلسطينية والإسرائيلية قد يكون بمثابة تمهيد التربة،
وخلق مناخ سياسي ملائم للعبور باتجاه حل سياسي ما، قد لا يصل تماما لخيار حل
الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، ولكنه لا يبتعد عنه. بمعنى آخر،
ان ما يجري من ترويض للعقل السياسي في الساحتين يهدف لإنضاج حل سياسي ما، لن تكون
صفقة القرن المشؤومة قاعدته الأساسية، لكنها تعتبر أحد مفاتيحه، خاصة وانها تتحدث
عن الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، بيد ان طرحها للدولة الفلسطينية مشوها
ومربكا، لذا يمكن تعديل النص، وهو ما اعلنتة الإدارة الترامبية أكثر من مرة عن استعدادها
لمراجعة الصفقة، والأخذ بعين الاعتبار الرؤية الفلسطينية بعين الاعتبار.، وهذا
السيناريو قابل للحياة في ظل ولاية ترامب، في حال الفوز بالسباق الرئاسي لولاية
جديدة، التي عندئذ ستستخدم كل ما لديها من اسلحة الضغط والترهيب والترغيب في حال
لم تتراجع القيادة الفلسطينية، وستلقي إدارة ترامب وأدواتها في العالم والمنطقة
كافة أشكال وألوان الضغوط على كاهل
القيادة والشعب الفلسطيني في آن. مما سيفرض معادلة جديدة للصراع، لا تلغي الحل
السياسي، ولكن قد تستبدل الأحصنة، فضلا عن تجفيف المصادر المالية والغذائية
والحياتية عموما. وهو ما يعني وضع صانع القرار أمام خيارات أحلاها مر، احدها
الإقدام على فتح القوس أمام الاجتهاد بشأن الحل السياسي غير المسبوق.
وكنت سمعت في إحدى
الجلسات رأيا من احد الأصدقاء، جاء مفاجئا للوهلة الأولى، غير انه ليس مستغربا،
ولا مستهجنا في أوساط بعض النخب السياسية "الأكثر واقعية" يدعو إلى "التفكير
بما هو مطروح"، وكأن لسان حال الرجل يدعو لمزيد من المرونة "خشية" من
المجهول، الذي تعده أميركا وإسرائيل ومن والاهم من أهل النظام الإقليمي الواسع ضد
القيادة والشعب العربي الفلسطيني.
كما ان احد المؤشرات
الواجب التعامل معها بمسؤولية، هو التقارب الفتحاوي الحمساوي، الذي لم يأت
بالصدفة، ولا تراجعا من ممثلي كلا الحركتين عن خياراتهما بشأن الوحدة الميدانية أو
المصالحة. لكن حسابات الربح والخسارة، وحماية الحل السياسي من الانهيار، وعمليا
الحرص على إبقاء القضية الفلسطينية على مشرحة الحل، والخارطة الجيوبولتيكية
الجديدة، أو المتجددة، تضاعف من إمكانية وجود سيناريو من هذا القبيل.
غير ان الضرورة
الوطنية تملي على الكل الفلسطيني الانتباه لخطر الإنزلاق نحو متاهات حلولا سياسية
أدنى من خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967. لإن ذلك سيضعف في
مطلق الأحوال من مكانة القضية والأهداف الوطنية، وسيتم العمل على تقزيمها. كما ان
المنطق يحتم على كل قارىء للمعادلات السياسية والتطورات الجارية في المشهدين
الإقليمي والدولي، وحتى داخل أميركا نفسها رؤية التطورات الجارية، والتي تشي بشكل
واضح، بانها لا تصب في مصلحة الرئيس ترامب، ولا تخدم الرؤية الإسرائيلية، وبالتالي
لا يجوز التعجل والإندفاع نحو خطوات مجهولة المآل والآفاق. بالإضافة لذلك لم يعد
الفلسطيني مستعدا لقبول اي حل سياسي أقل من حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران
1967، او الذهاب للدولة الواحدة، وعلى أرضية المساواة الكاملة لكل مواطنيها شاء
نتنياهو أم أبى، وشاء اليمين الصهيوني الفاشي أم أبى، لان الشعب الفلسطيني لن يسمح
بتمرير خيار الترانسفير أو الوطن البديل مهما كانت التعقيدات والصعوبات والتحديات
المفروضة على كاهل القيادة والشعب.
alghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com
0 تعليقات