عمر حلمي الغول
جائحة الكورونا ألقت
بظلال كثيفة على مختلف مناحي الحياة في العالم، وحدت إلى حد كبير من التواصل بين
ممثلي الدول بشكل مباشر، وعمليا أعاقت فعليا من دينامية العلاقات السياسية والدبلوماسية
بين الدول والشعوب نتاج إجراءات الحمائية الوقائية، التي تبنتها الدول وعممتها
منظمة الصحة العالمية. ومازالت جائحة الوباء "كوفيد 19" تطارد البشرية،
وتفرض عليها حربا متعددة الجبهات، وباتت تلقي يوميا عشرات ومئات الآلاف من البشر
في شرك وحقول الغام الوباء في محاولة لوقف دورة الحياة.
رغم ذلك، فإن الشعوب
ومنظوماتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية شكلت خطوط
دفاعاتها المتعددة لصد الهجمات المتتالية للكورونا وتداعياتها، وأخذت تعزز من
حصانتها ومناعتها، ليس هذا فحسب، بل انها بدأت في الهجوم المضاد على جائحة
الفايروس الكوروني، وبالضرورة النصر سيكون حليف الإنسانية، التي تعلمت، وتمكنت من ابتداع
أساليب واليات المواجهة للحرب الضروس على طريق الانتصار، وإعادة الاعتبار للمنظومة
البشرية.
وفي هذا الخضم من
الحرب، قامت القيادة الفلسطينية في تحدي الكورونا وتداعياتها الصحية والاقتصادية
والتربوية والثقافية والاجتماعية كما أنها وقفت بصلابة وإرادة سياسية في مواجهة
الحروب الأخرى وخاصة حرب التصفية والضم التي يقودها الاستعمار الإسرائيلي
المتواصلة منذ ما يزيد على السبعين عاما، والتي تزداد شراسة وعنفا وإرهابا دولانيا
على الحقوق والمصالح الوطنية الفلسطينية نتاج الدعم غير المسبوق من قبل إدارة
الرئيس دونالد ترامب الأميركية، مما ضاعف من حدة وسخونة المعارك والتحديات
المطروحة على القيادة الفلسطينية.
لم تستسلم قيادة
منظمة التحرير لقيود وتعقيدات وتداعيات الحروب، وسعت منذ اللحظة الأولى لفتح ثغرات
في جبهات الأعداء المختلفة، ونجحت بتفوق في اختراق الجبهة الدبلوماسية، التي توجت
بالتواصل مع كل قادة العالم ومنظماته الأممية والقارية، وقبل كل شيء مع الأشقاء
العرب، وكان لمواقف الأنظمة العربية المعلنة من عملية الضم وصفقة القرن المشؤومة
أثرا إيجابيا في تعزيز مكانة ودور القيادة الفلسطينية، رغم النواقص والثغرات
الناجمة عن غياب وتضاؤل الهمة العربية في تأمين شبكة الأمان المالية حتى الآن،
والتي يمكن الرهان على إعادة بعض الأنظمة القادرة على تأمين شبكة الأمان المالية
النظر في خياراتها على هذا الصعيد.
ومع ذلك القيادة
الفلسطينية عموما والرئيس محمود عباس خصوصا، الذي يدير الملف بشكل مباشر مازالوا
يراهنوا على تمثل الأنظمة العربية مسؤولياتها ودورها في تقديم الدعم أو القرض
المطلوب لتتمكن القيادة من التصدي بشكل أفضل للتحديات الوبائية عموما ووباء الاستعمار
الإسرائيلي خصوصا. بيد ان هذه الظلال الرمادية في المشهد العربي لم تحل دون وجود
المواقف المتميزة للشقيقتين الأردن ومصر، التي تميزت بالثبات والدعم الكبير،
والوقوف خلف الموقف الفلسطيني. وكانت مواقف الملك الأردني، عبد الله الثاني تجاه
صفقة القرن وعملية الضم تحمل دلالات سياسية هامة، وشكلت فعلا رافعة للمواقف
الفلسطيني. وتوجت بزيارة وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي يوم الخميس الموافق 18/6/202
لرام الله ولقاء القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس عباس.
وكان يفترض ان يكون
وزير الخارجية المصري، سامح شكري سويا مع الوزير الأردني، إلآ ان ظروفا وإرتباطات
عدة حالت دون مشاركته آنذاك الزيارة. لكن الرئيس السيسي واركان القيادة المصرية لم
تتأخر عن الوقوف إلى جانب وخلف القيادة الفلسطينية ومواقفها السياسية. رغم ان مصر
المحروسة تشهد حروبا على جبهات متعددة لم تقف عند حدود جبهة الكورونا، ولا عند
أزمة مياه النيل وسد النهضة الأثيوبي، ولا حربها على جبهة الإرهاب الإخواني
الأسود، ولا حربها على الجبهة الليبية والتصدي للتدخل التركي المباشر، الذي يهدد
الأمن الوطني والقومي المصري والعربي، بل هناك حروبا معلومة وغير معلومة تخوضها
القيادة المصرية لتعزيز مكانة ودور مصر الوطني والقومي والأممي. وتعميقا للدور
المصري الريادي وصل أمس سامح شكري، وزير الخارجية إلى كل من عمان ورام الله،
والتقى الرئيس محمود عباس، وأكد على ثبات الموقف المصري في دعم وإسناد القيادة
الفلسطينية في رفضها صفقة القرن وعملية الضم. وهذا ما أكد عليه الرئيس عبد الفتاح
السيسي باتصاله المباشر مع الرئيس أبو مازن أمس. وهو موقف ليس جديدا على مصر
الشقيقة الكبرى، ويعكس عمق الروابط التاريخية بين الشعبين الشقيقين والقيادتين. واتصال
المشير السيسي مع شقيقه عباس يحمل أهمية خاصة في هذه اللحظة السياسية الصعبة
والمعقدة من الصراع الفلسطيني العربي الإسرائيلي.
من المؤكد لهذا الاتصال
بين الرئيسين لزيارة الوزير شكري كما لزيارة الوزير الصفدي الأثر الإيجابي سياسيا ودبلوماسيا،
وتعكس حرص الأشقاء العرب خاصة في دول الطوق على الشد من عزيمة القيادة الفلسطينية
في مواجهة حروب التصفية والضم الصهيوأميركية. وعلى أهمية مواقف الدول الشقيقة في
مصر والأردن. وقيمة وأهمية الموقفين للدولتين الشقيقتين انها تعطي الضوء الأخضر
للدول العربية وزعمائها ووزراء خارجيتها تمثل الدورين المصري والأردني لدعم مواقف
القيادة الفلسطينية.
غير ان الضرورة تملي
التأكيد على ان ديناميكية القيادة الفلسطينية في اتصالاتها مع أقطاب وحكومات
العالم والمنظمات الدولية، كان الرافعة لكل المواقف العربية والدولية. وما كان
يمكن للدول والزعماء من إتخاذ مواقف صلبة في مواجهة إسرائيل وإدارة ترامب إلآ في
ضوء تلمسها صلابة ومتانة وقوة الموقف الفلسطيني. وهذا ما عبر عنه الرئيس بوتين،
والمستشارة ميركل، والأمين العام للأمم المتحدة،غوتيرش، والرئيس الفرنسي ماكرون،
والقيادة الصينية ... إلخ من الزعماء العالميين، كما ساهمت المشاركة في اجتماعات
العديد من المنظمات الأممية عبر آليات الفيديو كونفرنس وتأكيد القيادة خلالها على
مواقفها الراسخة من تبني المواقف الداعمة للحقوق الوطنية، التي عكست روح الدينامية
التي تمثلتها الدبلوماسية الفلسطينية. نعم لم تنم القيادة الفلسطينية، ولم تستسلم
لقيود وارباكات جائحة الكورونا، بل انطلقت بقوة باتصالات مكثفة لتحشيد الدعم
لمواجهة وباء الاستعمار الإسرائيلي، ولهذا كان نتائج إيجابية، وتم توسيع وتعميق
عملية العزل السياسي لمواقف حكومة نتنياهو وإدارة ترامب، وتم تعطيل ولو مؤقتا
لسياسة الضم الصهيو أميركية. لإن العالم بقضه وقضيضه يقف خلف الموقف الفلسطيني
المنسجم مع الشرعية الدولية وخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران
عام 1967.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com
0 تعليقات