مصطفى الهادي.
لا توجد شخصية ابغض
للمسيحيين من شخصية يهوذا الاسخريوطي فهو في عقيدتهم المتسبب في صلب السيد المسيح
من خلال وشايته به لليهود والرومان كما يقول الإنجيل : (ثم إن يهوذا الإسخريوطي
مضى إلى رؤساء الكهنة ليُسلّمهُ إليهم).(1)
ولكن بشهادة الإنجيل
أيضا فإن يهوذا الاسخريوطي هو أحد الحواريين (التلاميذ) الاثنا عشر وأقدمهم : (يهوذا
الاسخريوطي وهو واحد من الاثني عشر).(2) هؤلاء كما يخبرنا الإنجيل كلهم مبشرون
بالجنة على لسان السيد المسيح فكيف يجتمع نص خيانة يهوذا والتسبب في مقتل نبي، ونص
كونه من المبشرين بالجنة؟
فقد وقف السيد المسيح
وسط حوارييه وبشرهم بأنهم كلهم يدخلون الملكوت معه ويجلسون معهُ على يمين وشمال
العرش (فقال لهم يسوع: الحق أقول لكم: إنكم أنتم الذين تبعتموني،متى جلس ابن
الإنسان على كرسي مجده، تجلسون أنتم أيضا على اثني عشر كرسيا).(3)
وهناك شهادة ثانية من
السيد المسيح شهد بها لحوارييه بالجنة ووراثة ملكوت الله ، فقد نظر إليهم يوما : (ورفع
عينيه إلى تلاميذه وقال: طوباكم أيها المساكين،لأن لكم ملكوت الله. طوباكم لأنكم
ستضحكون افرحوا في ذلك اليوم وتهللوا، فهوذا أجركم عظيم في السماء). (4)
وكذلك شهد بولص بأن
يهوذا صعد إلى الفردوس : (أعرف إنسانا في المسيح قبل أربع عشرة سنة ..اختطف هذا
إلى السماء الثالثة.وأعرف هذا الإنسان أنه اختطف إلى الفردوس).(5)
ومن المعروف أيضا أن
يهوذا كان من السباقين إلى إتباع السيد المسيح والإيمان به من دون تلكأ، وكان
السيد المسيح يأتمنه على أموال التلاميذ وأموال التبرعات و يتعهدهُ شخصيا ويحبه
ويعدهُ إعدادا خاصا وكأنهُ يهيئاه لمهمة خاصة.فهل عزب عن الله تعالى والوحي والسيد
المسيح بأن يهوذا الاسخريوطي سوف يخون السيد المسيح ويتسبب في صلبه ومقتله؟ وهل
تبشير يهوذا بالفردوس وجلوسه على يمين العرش في الملكوت الأعلى ثمنا لخيانته ونكثه
وغدره بسيده ونبيه؟ والغريب أن بولص جاء بعد رحيل المسيح بأربعة عشر سنة وعلم بكل
ما جرى للمسيح فلم يذكر أن أحدا من تلاميذه خانه بل اختص يهوذا من بين كل التلاميذ
وشهد لهُ بأنه اختطف إلى الفردوس.
الحقيقة هي أن يهوذا
الاسخريوطي كان مختارا من قبل الله ونبيه السيد المسيح ليحل محل السيد المسيح
كشبيه له ويُصلب بدلا عنه وهذا ما حصل ومن هنا فقد أتته البشارة بالفردوس والجلوس
مع السيد المسيح في الملكوت الأعلى مع بقية الحواريين.(7)لا كما يزعم النصارى من
أنه انتحر لأنه خان المسيح وتسبب بقتله فإن هذا الزعم يوجه الاتهام للسيد المسيح
بالجهل والكذب في بشاراته. لقد كان السيد المسيح مثالا للأمانة والصدق كما يصفه
يوحنا بقوله : (يُدعى أمينا وصادقا).(6) أمينا في التبليغ وصادقا في القول.
والمسيحية اليوم
مطلوبة لنا وللناس بتفسير عن سبب اختفاء يهوذا الاسخريوطي بعد رحيل السيد المسيح
مباشرة وكأن الأرض ابتلعته. فلم يذكروا له خبرا سوى أن التلاميذ تجمعوا بعد رحيل
المسيح لانتخاب شخص يحل محل يهوذا الاسخريوطي كما يقول الإنجيل فقاموا بترشيح
إثنين : (فاقاموا إثنين يوسف بارسابا ومتياس ثم القوا قرعتهم، فوقعت القرعة على
متياس فحسب مع الأحد عشر رسولا). (8) وهكذا أصبح الحواري الثاني عشر بواسطة القرعة
وليس بواسطة الوحي أو تعيين النبي.
المصادر :
1-إنجيل مرقس 14: 10
.ويهوذا تعني (رجل الحمد).وفي نص آخر بأن يهوذا باع السيد المسيح لليهود بثلاثين
قطعة من الفضة : (وقال :ماذا تُريدون أن تعطوني وأنا أسلمه إليكم؟ فجعلوا له
ثلاثين من الفضة). إنجيل متى 26: 15.
2- إنجيل يوحنا 6 : 71.
3- إنجيل متى 19: 28
. أما الحواريين الإثنا عشر فهم حسب نصوص الإنجيل(سمعان الذي يقال له بطرس
واندراوس اخوه. يعقوب بن زبدي ويوحنا اخوه. فيلبس وبرثولماوس. توما ومتى العشار. يعقوب
بن حلفى ولباوس الملقب تداوس. سمعان القانوي ويهوذا الاسخريوطي).وقول السيد المسيح
نرى له مثيلا في القرآن في مدح حواريي السيد المسيح ((يا أيها الذين آمنوا كونوا
أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن
أنصار الله).سورة الصفة آية : 14.
4- إنجيل لوقا 6: 16
.
5- رسالة بولس الرسول
الثانية إلى أهل كورنثوس 12: 4.يزعم بعض مفسري المسيحية أن هذا النص يقصد بولص فيه
نفسه التي اختطفت إلى الفردوس كما يقول القمص تادرس : (شعر بولص بأنه حُمل إلى
السماء الثالثة، لكن كيف؟ وبأي وضع؟ لا يعلم. لعله يقصد بالسماء الثالثة أنها وراء
السماء الأولى التي تطير فيها الطيور، وأيضًا وراء السماء الثانية التي بها
الأفلاك (الفضاء).سلسلة من تفسيرات وتأملات الآباء الأولين.تفسير رسالة كورنثوس
الثانية.
6- سفر رؤيا يوحنا
اللاهوتي 19: 11.
7- يقول المستشرق
والمحامي الانجليزي جورج سايل في ترجمته للقرآن وتعليقه على سورة آل عمران : بأن
يهوذا كان يشبه السيد المسيح وقال بأن المسيحيين الأوائل كانوا يؤمنون بأن يهوذا
هو الذي أعدم . تفسير المنار محمد رشيد رضا ج6 ص : 36. طبع بيروت دار الكتب
العلمية.وقول هذا المستشرق يؤيد ما يذهب إليه القرآن بقوله : (وقولهم إنا قتلنا
المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم).
8- سفر أعمال الرسل 1:
26.ولعل اصدق نص في الإنجيل والذي يتجاهله النصارى هو نص ارتفاع السيد المسيح إلى
السماء كما يقول : (ارتفع وهم ينظرون. وأخذتهُ سحابة عن أعينهم وفيما كانوا يشخصون
إلى السماء وهو منطلق، إذا رجلان بلباس ابيض قالا : ما بالكم واقفين تنظرون إلى
السماء؟ إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا
إلى السماء . رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما). سفر أعمال الرسل 1: 9 و : سورة
النساء آية : 158.
0 تعليقات