عز الدين البغدادي
رفض الطائفية يرجع
إلى أسباب كثيرة، منها دينية لكونها تفرق الأمة إلى طوائف وملل، وتجعل هويات فرعية
كثيرة داخل الأمة بدل هويتها الجامعة وهو خلاف ما أراده الله تعالى.
ومنها واقعية تتعلق
بطبيعة الوجود البشري الذي يبحث عن الاستقرار والتفاهم، بينما تخلق الطائفية على
أرض الواقع انقسامات وعداوات في المجتمع، وتثير في أقل درجاتها حساسيات وعدم ثقة
متبادلة.
وهناك سبب آخر مهم،
وهو إشكال معرفي على الحركات الإسلامية بمختلف اتجاهاتها فهي بشكل أو بآخر طائفية،
سواء كان ذلك بقناعة حقيقية لديها أو بسبب رغبتها في كسب الجمهور أو كسب تأييد
رجال الدين، وبالتالي فإن شعار الرجوع إلى الإسلام سيكون معناها الواقعي الرجوع
إلى ضيق المذهب والطائفة وليس الى سعة الإسلام، والمشكلة هنا هي أن المذهب يمثل
رؤية فقهية وعقدية مرت عليها قرون كثيرة، وهي منظومة لا تقبل التطوير ولا التغيير
لأنها أخذت قالبا معينا، أو هو ما استقر عليه الأمر كما يعبر عنه.
المجتمع يتطور
تلقائيا، وفي المجتمع المتدين تبقى القيم والأخلاقيات وتضعف تفريعات الفقه، تبقى
العقائد الأساسية وأما التفاصيل الجدلية فتذهب. وهذا التغير يحصل وفق قانون الزمن
وتأثيره، أي إن تغير المفاهيم هي أمور قهرية بطبيعتها تحدث في المجتمع كما تحدث في
أي منظومة حية أو جامدة، مادية أو معنوبة. أما الرؤية المذهبية فهي تمثل عقل
الفقيه الذي يتعامل مع الفقه وفق رؤيته القديمة التي أصل لها منذ قرون، وسار عليها
الخلف بعد السلف. وهي ثابتة لا تكاد تتغير، وهذا هو السبب في أن كثيرا من المتدينين
يظهر في المجتمع وكأنه حالة غريبة، لأن المجتمع متحرك بقيمه بطرق معيشته وبلياس
أفراده وبأمور أخرى كثيرة، بينما هو يبدو ثابتا.
اي ان المجتمع كان
يتحرك ويتغير، هناك أفكار تظهر وأخرى تندثر فيه، أي ان هناك تجارب وأفكارا تظهر وأخرى
تستهلك وهناك تبادل تجارب مع تطور المعرفة والعلاقات التجارية ونحوها. أما
المنظومة الفقهية فهي شيء ثابت لا يتغير، لهذا فإن الرؤية الطائفية فاشلة معرفية
لأنها ترتكز الى رؤية مذهبية ضيقة جامدة، مثلا: تصور لو أن العرب (السنة) بكل
مشاركاتهم السياسية في الحركات السياسية القومية والوطنية واللبرالية والإسلامية
النهضوية وبدل أن يستمر دورهم في ذلك فأنهم يرجعون الى النقاشات المذهبية والى
منظومة عقائد اشعرية- ماتريدية، كما يترك الشيعة كل مشاركاتهم وانجازاتهم ليرجعوا
الى أفكار قديمة تجاوزها الزمن، وليقع الاثنان في فخ تقديم العلاقة المذهبية مع
الأجنبي على العلاقة الوطنية وما تقتضيه مصالحهم، وليتحولوا الى أداة بيد غيرهم
بدل ان يكونوا أصحاب رؤية كمواطنين ليس كشيعة ولا كسنة.
لذا تجد نقاشاتنا
رجعت بشكل خطير، واهتماماتنا انتكست، حيث رجعنا الى حالة يدافع فيها هذا عن
الاشعري، ويرجع ذاك الى كسر الضلع أو تقليد الأعلم أو علم الأئمة بالغيب، ورجع
الحديث إلى أهل الذمة ووضعهم في المجتمع، وحجية السنة وصرنا نناقش في أمور ومواضيع
كان يفترض أن تدخل متاحف الجدل الفكري. وكأننا نعيش زمنا مضى منذ عشرة قرون..
من يريد من الناس ان
ترجع الى الإسلام فعليه ان يقدم رؤية علمية غير مذهبية؛ واذا لم يكن قادرا على ذلك
نظريا ولا عمليا فعليه أن لا يورط الناس في شعارات غير منتجة والى أن يتحقق ذلك
وهو ممكن وليس مستحيلا، فإن أهم ما يحدد هويتنا وجودنا المشترك، وما يجمع ولا يفرق.
كما إن ما يبني واقعنا ومستقبلنا هو الإيمان الحقيقي بقيم العيش المشترك تحت مبدأي:
العدل والعقل.
0 تعليقات