علي الأصولي
المشكلة التي لم يلتفت إليها جماعتنا ( الشباب ) الذين يبحثون عن
كل جديد مهما سفل أو علا، في القراءات التاريخية هو هوسهم بالتساؤلات أكثر من
البحث عن الجوابات ،
نعم ، هب إن الحسين (ع) خرج لكربلاء بكذا ألف مقاتل، وهب أن خصومه
خرجوا إليه بعشرات الآلاف وإضعاف عدد جيش الإمام (ع)
كان ينبغي على المتابع والمتلقي ان يسأل عن وقت خروج هذه الأعداد
الهائلة التي صورها لهم السيد القزويني ، والتي تصادف مناسك الحج!!
فهل ترك أهل القبلة مناسكهم وتوجهوا للحرب ، وانقسامهم الى فسطاطين
، أم تم تأجيل الحج في تلك السنة لانشغالهم بالحرب!
ولك أن تترك هذه الفروض ، ولك أن تنحت أدلة تحاول فيها إقناع نفسك
، ولك ان تتهم الأقلام العباسية بالتواطئ ، لطمس هذه الحرب الشاملة ، والتي اشتركت
فيها حتى أمم السند والهند !
إلا تحاول أن تسأل نفسك ، إذا كان الواقع كما صوره السيد القزويني
، الم تسأل نفسك عن أقوال وأحاديث وأخبار أهل البيت (ع) وأصحابهم ، بل لم نجد أن
الشهيد زيد وابنه الشهيد يحيى ، لم نجدهم أنهم استذكروا ما استذكره السيد القزويني
وهذه المعركة الكبرى !!
لنا أن نسأل عن معنى المظلومية والفاجعة والمصيبة وغيرها من
المفردات الفجائعية التي وظفها أهل البيت (ع) في اختباراتهم واحاديثهم وتناولهم
للشأن الحسيني ، والتي امرت بإظهار المزيد من الحزن على الواقعة الأليمة ، بينما
التاريخ المفترض ينص على أن أصحاب أبي عبدالله الحسين (ع) كانوا ثمانية عشر ألف
رجلا عدا أهل بيته وان قادته المذكورين الآن كان كل منهم على رأس لواء وأما جيش
عمر بن سعد فكان ثلاثون ألف وما يذكر في المقاتل كله افتراء وكذب وكان النصر قاب
قوسين أو أدنى لولا الحكمة الإلهية وقيام بني أمية بإتباع سياسة عمر بن العاص في
معركة صفين بالسيطرة على ضفة الفرات وسياسة قطع الماء ووصول المدد لجيش لبني أمية
واستمرت المعركة عشرة أيام تبدء من الصبح إلى العصر لتتوقف ليدفن كل قتلاه لتكدس
الجثث التي أصبحت تحول دون حركة الخيل لكثرتها!!؟؟
أكثر الإخوة من أصحاب السيد تبعا لأستاذهم ، من دعوى تزيف التاريخ
، ولا نشك بأصل هذه الدعوى ، بقدر ما نشك بعرضها الذي ذكروه ،
الآن تعالوا معي للنظر في عديد جيش الإمام (ع) من زاوية اخرى ،
والذي تم ترويجه بينهم تقليدا لا تحقيقا ، فهذا سليمان بن الصرد الخزاعي كان مع
الحسين (ع)في كربلاء ومعه تسعة آلاف مقاتل ، كما صرحوا بذلك في أبحاثهم المرئية ،
ومستند هذه الدعوى هو ما ذكره ابن حبان إذ نص في كتابه ( الثقات ) ج٣ / ص ١٦١ / ما
حاصلة :
سليمان بن صرد الخزاعي أبو مطرف أتاهم النبي ( صلى الله عليه وسلم
) فأقام عندهم ثلاثا وقتل مع المختار بن أبي عبيد بعين الوردة في رمضان سنة سبع
وستين وكان مع الحسين بن علي (رضي الله تعالى عنهما ) فلما قتل الحسين انفرد من
عسكره تسعة آلاف نفس فيهم سليمان بن صرد ، انتهى :
والآن ما عليك إلا الذهاب نحو محرك كوكل لمعرفة طبيعة هذا الكتاب
ومحتواه بصرف النظر عن قيمته لتعرف كيف يتم الاستدلال بما شذ من أخبار في سبيل
تدعيم قراءة اجتهادية والتي تسيء لقيادة الإمام أكثر ما تخدمه ، فمن كان يملك هذا
العدد من المقاتلين لا نتصوره إلا كونه أضاع فرصة المناورة إذ لم نقل الانتصار ،
وما زال الكلام في هذه السلسلة متجهة نحو مناقشة العدد المدعى ،
نعم: قال ابن كثير فعكف الناس على الحسين يفدون إليه ( وهو في مكة
) ويجلسون حواليه ويستمعون كلامه ، حين سمعوا بموت معاوية وخلافة يزيد . ( البداية
والنهاية و الأخبار الطوال ).
غير ان عبد الله بن عمر حذر الحسين من عداوة الأمويين له وميل
الناس للدنيا وانه سمع النبي يقول : حسين مقتول ولئن قتلوه وخذلوه ولن يناصروه
يخذلهم الله يوم القيامة ( الفتوح لابن اعثم )
ولهذا تجد ان ابن عباس ومحمد ابن الحنفية والفرزدق وعبد الله بن
مطيع بل وحتى ابن الزبير ، ومر الإمام بوادي العقيق فأرسل عبد الله بن جعفر ابنيه
محمدا وعونا وكتب إليه بالرجوع ولم يمتنع وسار مغذا - اي مسرعا - فكل هولاء قدموا
النصيحة للحسين (ع) بعدم الخروج والذهاب نحو العراق ( بصرف النظر عن طبيعة هذه
النصائح ونوايا أصحابها)( انظر للخوارزمي وللطبري والفتوح ).
أقول : لو كان العدد ( عدد جيش الإمام ) بحسب ما يدعى بالآلاف ،
لكانت النصيحة لغوا كونهم لا يعرفون عدد جيش الخصم المتفوق عدة وعدد ،
وإما لو كنا نحن والمشهور التاريخي
وكون ان الإمام خرج بعائلته وثلة من أصحابه أمكن ان تكون النصيحة من باب الإشفاق
على الإمام وتحذيرا إياه من غدر أهل الكوفة ، وان العدد لا يسمح بمواجهة المخاطر
المحتملة والمتوقعة ،
ناهيك عن علم الناصح بنتيجة مصير الإمام سلفا وما سمعوه من اخبارات
!
واقعة كربلاء ما بين الحقيقة والإدعاء،! (2)
0 تعليقات