آخر الأخبار

ملفات كربلائية (4)

 

 

 

علي الأصولي

 

 

وبعد أن بينا بما لا مزيد عليه حول شخصية الطبري العلمية وتاريخه ومنهجيته.

 

نستعرض ما يمكن استعراضه حول أهم المصادر على الإطلاق التي اعتمدها الطبري في نقل واقعة كربلاء،

 

فقد اعتمد الطبري في نقل القصة على كتاب أبي مخنف ( المتوفى قبل سنة 170 هجرية ) الأشهر في بابه وموضوعه.

 

وقد تحفظ جملة من علماء الإمامية بل الكثير منهم حول المقتل المذكور ، واجد ان هذا التحسس هو نتيجة بعض الآراء التي نقلها صاحب المقتل بخصوص تخاذل الشيعة تجاه الإمام الحسين (ع) إذ رأى بعضهم كالباحث السيد سامي البدري أن قلم أبي مخنف من الأقلام العباسية،

 

 

وقد روج خصوم الشيعة ما ذكره صاحب المقتل وقصة التخاذل، بغية الطعن على أهل الكوفة وتحميلهم مسؤلية الفاجعة، ومع ذلك التحامل الشيعي لم يرفع هؤلاء العلماء اليد عن المقتل بقول مطلق ، إذ شاهدوا فيه ما افتقر غيره بالنقل وكبريات الأحداث وصغرياتها التفصيلية،

 

 

ولذا سمعنا من فلهاوزن قوله : وأبو مخنف هو أَثْبَتُ حجة … في تاريخ الشيعة طالما اتصل بالكوفة ، والطبري يكاد لا يعتمد على غيره في ذكر أخبارهم وما أطولها - الخوارج والشيعة يوليوس فلهاوزن ترجمة عن الألمانية عبد الرحمن بدوي –

 

وقد تبنى رواية كتب أبي مخنف كثيرون منهم: محمد بن سعد في الطبقات الكبرى ، والطبري في التاريخ ، وابن أعثم في الفتوح ، والبلاذري في أنساب الأشراف ، وروى المسعودي طرفاً منها في مروج الذهب ، ثم أخذ ابن الأثير في كتابه الكامل ، وابن كثير ، وابن خلدون ، والذهبي ، برواية الطبري ، لأنه اوردها كاملة ، وعن هؤلاء أخذ المعنيون بالتاريخ الإسلامي ، من القدامى والمعاصرين على حد سواء،

 

هذا وقد عاصر أبو مخنف أربعة من الأئمة من أهل البيت (ع) ، وهم السجاد والباقر والصادق والكاظم (ع) ولم يروِ عن واحد منهم بشكل مباشر ، نعم روى عن بعض أصحابهم بعض الروايات ،وقد وثَّقَ عددٌ من أعلام الشيعة أبا مخنف في النقل كما في ( معجم رجال الحديث للسيد الخوئي وقاموس الرجال للشيخ محمد تقي التستري ).

 

ويبدو لي بأن مشكلة نقولات أبي مخنف مع المناهضين والمعارضين والمتحفظين فرضتها أسباب ومبررات مذهبية، سوف تأتيك في قابل هذا الملف إن شاء الله تعالى الحديث عنها،



وفي معرض التحفظ عن المقتل فقد ذهبوا صوب ناقله وهو الطبري تارة وصوب من نقل عنه تارة أخرى، وهو أبي مخنف. لنسمع ماذا قالوا في شأن نقلة الأحداث،

 

 

أولا: إن الطبري صاحب التاريخ ليس حجة حين يُكثِر من راوٍ معين في موضوع معين ، فلقد أكثَرَ في تاريخه من روايات سيف بن عمر في حروب الردة ومقتل عثمان وحرب الجمل ، وتبيِّن لدى التحقيق أن أكثر أخبار سيف في هذه المواضيع إما محرّفة أو موضوعة على ما أفاد السيد مرتضى العسكري في بحوثه التاريخية، ( انظر خمسون ومأة صحابي مختلق ).

 

ثانيا: الطبري مؤرخ راعى في تأليفه لتاريخه أن يأتي منسجما مع السياسة العباسية ، ولذا نراه يذكر الرواية العباسية الرسمية لقصة وفاة الامام علي الرضا (ع) وهي : أنه أكثر من أكل العنب فمات فجأة وهذا خلاف ما تذهب إليه الإمامية من كونه تم تسميم الإمام (ع)،

 

ثالثا: لم يكن أبو مخنف من القائلين بالنص على علي (ع) فهو ليس شيعيا بالمعنى الخاص للتشيع ، قال ابن أبي الحديد : وأبو مخنف من المحدِّثين وممن يرى صحة الإمامة بالاختيار ، وليس من الشيعة ولا معدوداً من رجالها، ومما يؤكد ذلك قول الشيخ المفيد بعد أن أورد أخبار حرب الجمل عن أبي مخنف والواقدي وغيرهما قال : فهذه جملة من أخبار البصرة ، وسبب فتنتها ، ومقالات أصحاب الآراء في حكم الفتنة بها ، قد أوردناها على سبيل الاختصار ، وأثبتنا ما أثبتنا من الأخبار عن رجال العامة دون الخاصة ، ولم نثبت في ذلك ما روته كتب الشيعة،

 

رابعا: نقولاته المخالفة للفهم الإمامي ومنظومته العقدية ، من قبيل نقله: أن الحسين (ع) ندم على أخذ نسائه وبناته معه ، وأنه تذكَّر نصيحة ابن عباس يوم العاشر لما ارتفعت أصواتهن،

 

 

ومنها أن سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة وغيرهم كتبوا للحسين عليه السلام بالقدوم ثم خذلوه حتى قُتل ، ثم ندموا بعد ذلك ونهضوا للأخذ بثأره وغير ذلك من النقولات التي لا توافق الجو الإمامي العام ،

 

 

وعليه: فكل الأخبار بهذا الصدد سواء كانت في كتاب أبي مخنف أو في كتب غيره وضعت بأمر العباسيين ضمن سياسة تهدف إلى تطويق الكوفة ومحاصرتها إعلاميا ، رُسمت خطوطها من قبل أبي جعفر المنصور خاصة ضمن مخطط إعلامي شامل لتغيير الرؤية عن تاريخ علي والحسن والحسين (ع) نكاية بالحسنيين الثائرين ، حيث كان هوى الثوار من الكوفيين مع الحسنيين ، وهوى من يرى العلم والحديث مع الإمام جعفر الصادق وآبائه الائمة (ع) ثم تحرك الإعلام العباسي من خلال روايات الرواة الذين سايروا العباسيين في مخططهم رغبة في دنياهم فوضعوا وحرفوا ما شاؤوا من الروايات، هذه أهم الإشكالات التي اثيرت حول المقتل ورواته،

إذن، الإشكالات تارة لوحظت على المؤرخ الطبري وتارة لوحظت على شخص أبي مخنف من خلال نقولاته،

 

 

أما بالنسبة للطبري فقد بينا سابقا أن الرجل مهمته هو نقل التاريخ لا تحقيقه كما نص هو على ذلك.

 

 

وعليه: كل الإشكالات التي أثيرت حول شخص أو تاريخ الرجل فهي ساقطة ولا قيمة لها من الناحية العلمية.

 

ناهيك عن ملامح الطبري الشخصية والعلمية والاجتماعية والسياسية التي ذكرناها في غير هذا المكان فراجع ،

 

أما ما يخص أبي مخنف من قبيل عقيدته أو نقولاته،

 

والأصل أننا في البحث العلمي لا نحتاج إلى عقائد المحدثين سواء كانوا شيعة إمامية أم غيرهم من فرق الشيعة أو من المذاهب الإسلامية الأخرى المهم الوثاقة والوثوق ونحو ذلك بالنقل على ما مذكور في المباني العلمية. فسواء كان صاحب المقتل شيعيا ام لم يكن هذه ليس محل إشكال يذكر ، علاوة على ذلك نقول ان نفي تشيع الرجل ليس محل إجماع بل فيه أخذ ورد ونقاش، ولا تضر رواياته التي فهمت على أن الشيعي لا ينقل مثلها ، إذ ربما هي منحولة عليه أو نقلها بحسب فهمه وزاويته المعرفية وكل انسان بالتالي لا يتجاوز حدود فهمه،

 

ولا أخفيكم سرا إذ أنني أميل لما ذكره في المقتل وخذلان الإمام الحسين (ع) من قبل أهل الكوفة خاصة من كاتبوه والكثير من شيعته وغير شيعته على حد سواء وثورة التوابين والندم بعين الوردة شاهدة في المقام .

 

إرسال تعليق

0 تعليقات