آخر الأخبار

محطات كربلائية : حديث السفارة (4)

 

 

 

علي الأصولي 



السفارة كما بينا مهمة سياسية استطلاعية غايتها تعبئة الجماهير وتهيئة الأرضية المناسبة لأي مشروع قادم،

 

ولذا أرسل الإمام الحسين(ع) جملة من السفراء للكوفة وغير الكوفة،

 

أولهم: حنظلة بن سعد الشبامي، وهو من القراء وأهل الفصاحة والبلاغة ، مهمته الأساسية حمل رسالة لقائد جيش العدو عمر بن سعد قبيل المعركة. والتحق مع الحسين(ع) في عاشوراء واستشهد واسمه موجود في الزيارة الرجبية والناحية، ( الإرشاد ج٢).

 

ثانيهم: سليمان بن رزين، وهو من خدمة الإمام، حمل رسالة إلى زعامات البصرة ، الأحنف بن قيس و مالك بن مسمع و المنذر بن الجارود ومسعود بن عمرو وقيس بن الهيثم وغيرهم من الأعيان كعمرو بن عبيد الله بن معمر ويزيد مسعود،

 

غير أن المؤسف أن المنذر وهو صهر بن زياد افشي أمر السفير ودعوته لابن زياد وتم القبض على ابن رزين وقتل وصلب،

 

وقد جاء في زيارة الناحية المقدسة بعد السلام عليه قول ( لعن الله قاتله ) كما في ( أبصار العين ) و ( الفتوح ) و ( الطبري ).

 

ثالثهم: عبد الله بن يقطر الحميريّ ، وهو أخ الإمام الحسين(ع) من الرضاعة، كما في ( البحار ج 101) وقد عد من أصحاب النبي (ص) أيضا، وقد اعتقل في القادسية وأرسله ابن الحصين بن تيم إلى الكوفة وهناك تم رميه من أعلى القصر ، على ما ذكر صاحب ( أبصار العين ).

 

رابعهم: عمر بن قرظة الأنصاري، وهو أحد أصحاب أمير المؤمنين (ع) وقد التحق بالإمام قبل المعركة فكان رسوله لسعد بن عمر بحسب ما جاء من مفاوضات، وبالتالي استشهد في عاشوراء، ومن طرائف التاريخ كان لابن قرظة ولد اسمه علي متواجد في صفوف معسكر بن سعد ، ( انظر إبصار العين ).

 

خامسهم: قيس بن مسهّر الصيداويّ الأسدي، فقد ذكروا أنّه بعد موت معاوية اجتمع وجهاء أهل الكوفة وكتبوا رسائل متتالية للإمام الحسين (ع) يدعونه فيها للقدوم إلى الكوفة، وكان حامل إحدى هذه الرسائل قيس بن مسهّر يرافقه عبد الرحمن بن عبد الله الأرحبيّ حيث توجّها نحو الحسين (ع) وقدّما له الكتاب، وفي جوابه على رسائل أهل الكوفة المتوالية قام الإمام الحسين (ع) بإرسال مسلم بن عقيل إليهم يرافقه قيس وعبد الرحمن الأرحبيّ.

 

ولمّا وصلوا إلى "المضيق" من "بطن خبت" ضلّ دليلهم الطريق، وأصيبوا بالتعب والعطش حتّى وجدوا الطريق، وفي تلك الأثناء قام مسلم بن عقيل فكتب كتاباً للإمام الحسين (ع) يخبره بما جرى، وأرسله مع قيس بن مسهّر الذي أوصله إلى الإمام (ع) ومن ثمّ عاد بالجواب إلى مسلم، وسار معه حتّى دخلوا الكوفة، ولمّا رأى مسلم بن عقيل اجتماع أهل الكوفة على البيعة كتب إلى الحسين (ع) بذلك، وسرّح الكتاب مع قيس وأرسل معه عابس الشاكريّ وشوذباً مولاهم، وقام هؤلاء الثلاثة بإيصال الرسالة إلى الإمام (ع) في مكّة ولازموه ثمّ جاءوا معه نحو الكوفة. ولمّا وصلت القافلة إلى "الحاجر" من "بطن الرقّة" كتب الحسين (ع) كتاباً إلى مسلم وإلى شيعة الكوفة وبعثه مع قيس فتوجّه نحوهم، وممّا ورد في الكتاب:

"فإذا قدم رسولي عليكم فانكمشوا في أمركم وجدّوا، فإنّي قادمٌ عليكم في أيّامي هذه إن شاء الله

وقبل وصول قيس بن مسهّر إلى الكوفة كان قد لوحق وقبض عليه الحصين بن تميم، وبعد اعتقاله قام قيس بتمزيق الكتاب ثمّ وجّه به الحصين إلى عبيد الله بن زياد. فسأله عبيد الله:

وبعد اللتيا واللتي قتل ( رحمه الله )

 

سادسهم: مسلم بن عقيل، وقصته معروفة،

 

ما يهمنا أن السفارة لم تقتصر على واحد بعينه وكان آخرهم ابن عم الإمام (ع) وقد توزع السفراء كل وحسب مهمته. وكان العنصر المستهدف بالسفير من قبل الحسين (ع) الشجاعة والفصاحة والبلاغة،

 

نعم: إذا أردنا معرفة طبيعة مهمة مسلم بن عقيل فما علينا إلا قراءة الكتاب الذي أرسل معه من قبل الإمام الحسين (ع)

 

وصيغة الكتاب هكذا ( بسم الله الرحمن الرحيم، من الحسين بن علي إلى الملأ من المسلمين والمؤمنين،

 

أما بعد: فإن هانئا وسعيدا قدما علي بكتبكم، وكانا آخر من قدم علي من رسلكم وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم. ومقالة جلكم: أنه ليس علينا إمام فاقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق. واني باعث اليكم أخي وابن عمي وثقتي من اهل بيتي، فإن كتب إلي أنه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثلما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم، أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله. فلعمري ما الإمام إلا الحكم بالكتاب، القائم بالقسط، الدائن بدين الحق، الحابس نفسه على ذات الله، والسلام -

وزاد الطبري عن ابن مخنف إضافة - وأمرته أن يكتب بحالكم وأمركم - بعد كلمة - ثقتي من أهل بيتي - ورواية أبو الفتوح تنص على عبائر لا توجد في الرسالة أعلاه، من قبيل - فقوموا مع ابن عمي وبايعوه وانصروه ولا تخذلوه -

أقول : وكما ترى المهمة استطلاعية وتهيئة الأجواء لقدوم الإمام الحسين (ع) وأما ما عرفناه من نزاعات مسلحة في الكوفة. فقد جرت لتغيير الظروف وانقلاب المعادلة، ولم تكن بالحسبان في ذهنية السفير ، ولا ينبغي أن يبقى مكتوف اليدين لا اقل بالدفاع عن النفس والمشروع معا ، وكل تحليل زيادة على ما ذكرناه عند الآخرين فهو لا يخرج عن كونه من باب التبرعات فحسب،

 

وختام هذه المحطات يمكن إيجازها بنقط أثيرت سابقا أو ستثار هنا،

أولا: لك أن تترك رواية ابن مخنف وتتمسك بدعوى كون مشايخه أما مجاهيل أو ضعاف، ولكن في نفس الوقت لا يمكن لك أن ترفع اليد عن رواية عمار الدهني،

 

ثانيا: إن الإمام الحسين(ع) كان طالبا للحكم وفقا للكتاب والسنة بصرف النظر عن - روايات الغيب وفلسفته - غير أن هذا الطلب على طريقة قبول المجتمع له ولأجندته لا عن طريق القهر العسكري،

 

ثالثا: أن أغلب الأعداد المقاتلة لا تعدو أربعة آلاف مقاتل إذا كنا نحن والتاريخ،

 

رابعا: من ضمن تشكيلات العدو الذين قاتلوا الإمام الحسين (ع) هم الفرس على تفصيل مذكور في محله ،

 

خامسا: إن تنوع خطابات الحسين (ع) هو بتنوع المواقف ومسارات الأحداث.

 

سادسا: ضرورة قراءة الحدث التاريخي بادلته وشواهده وقرائنه. للخروج بحصيلة علمية موضوعية قدر الإمكان وترك المخيال الأسطوري الذي ليس له سند متين في هذه الواقعة والى الله تصير الأمور....





محطات كربلائية: نفس السفير(3)

 

إرسال تعليق

0 تعليقات