آخر الأخبار

بين المنهج العلمي والأسلوب الأخلاقي كتاب الطريحي… تحت النقاش


 

 

 

عز الدين البغدادي


أثار استغرابي ما ذكره الشيخ محمد سند في بحثه عند حديثه عن كتاب "المنتخب في المراثي والخطب" وهو من تأليف الشيخ الطريحي، وتعجبت أكثر من طريقة حديثه وألفاظه في مبحث الدرس. لست أدري إن كان كلامه جاء فعلا للرد على كلام الشيخ اليعقوبي أو غيره، وعموما ربما تكون هذه فرصة للنظر في هذا الكتاب وقيمته العلمية.

 

 

هذا الكتاب هو من تصنيف الشيخ فخر الدين بن محمد علي بن أحمد بن طريح المسلمي الأسدي الرماحي النجفي المعروف بالشيخ الطُريحي الذي ولد سنة 979هـ في النجف، وتوفي في الرماحية سنة 1085هـ، وصف بأنه عالم زاهد ورع فقيه شاعر له كتب، منها مجمع البحرين، وجامع المقال في تميز المشترك من الرجال، وكتاب المنتخب ويقال له "مجالس الطريحي"، ويقال له أيضا "المجالس الفخرية" وهو منتخب مرتَّب على عشرين مجلساً في كل مجلس أبواب.

 

 

والكتاب فيه غرائب وأمور لا يمكن القبول بها بأي حال، وهناك من شكك في نسبتها إلى الطريحي بسبب ذلك لا سيما مع وجود نسخ متعددة من الكتاب كما ذكر الطهراني في "الذريعة الى تصانيف الشيعة".

 

كما قال في موضع آخر: .. وعند الميرزا علي أكبر العراقي نسخة من المنتخب لبعض المتأخرين وهو موافق مع المنتخب في الخطبة ومخالف معه كثيرا (لاحظ) بالزيادة والنقصان ومن نقصه عدم ذكر حديث الكساء فيه.

 

وقد عرف عن الطريحي أنه ذكر قصصا لم يسبق إليه أحد أبدا، رغم أنه متأخر وهو ما جعل الكتاب في نظر كثير قليل القيمة العلمية، وقد عدّ الشيخ عباس القمي كتاب "المنتخب" للطريحي من الكتب التي لا يعتمد عليها أهل الفنّ.

 

بل والغريب الذي ربما لم يطلع عليه الشيخ سند هو أن السيد عبد الرزاق المقرم على تساهله ومع ما كان عليه من تسامح في كتابه عن "مقتل الحسين (ع)" فقد أنكر بعبارة قوية قصة الطريحي عن عرس القاسم وقال: كل ما يذكر في عرس القاسم غير صحيح لعدم بلوغه سن الزواج، ولم يرد به نص صحيح من المؤرخين. والشيخ فخر الدين الطريحي عظيم القدر جليل في العلم، فلا يمكن لأحد أن يتصور في حقه هذه الخرافة، فثبوتها في كتابه المنتخب والمعروف بـ"الفخري" مدسوسة في الكتاب، وسيحاكم الطريحي واضعها في كتابه!

 

 

وسواء كانت القصة موضوعة كما يعتقد السيد المقرم وغيره، أو كانت مما كتبه الطريحي (رحمه الله) إلا أنه يبين قيمة الكتاب الموجود بين أيدينا الآن.

 

 

هذا وقد ورد في المنتخب أمور غريبة لم يسبقه إليها أحد رغم أنه متأخر، ولا ادري هل يمكن لثورة وحدث بحجم ثورة أبي عبدالله الحسين (ع) ورغم كل ما كتب عنها من كتب وموسوعات ورسائل أن لا تذكر الم المصادر امورا بمثل هذه الأهمية؟ وهل يمكن لعالم أن يكتب شيئا عن حدث سبقه بأكثر من ألف سنة دون سند؟ وسأذكر نماذج على ذلك:

 

منها انه ذكر حديث الكساء بصيغة جديدة لم يذكرها احد من المحدثين السنة والشيعة معا.

 

ومنها انه ذكر أن النبي (ص) مر على العراق ووقف على كربلاء، وقال: هذا جبرئيل يخبرني عن الله…الخ

 

ومنها انه ذكر أن الحرب بين أمير المؤمين (ع) ومعاوية استمرت ثمانين شهراً.

 

ومنها انه ذكر أن المتوكل بنى قبر الحسين بعد عشرين سنة من هدم القبر الشريف، وهذا غير صحيح، مع ان مدة حكم المتوكل كانت بحدود 15 سنة.

 

ومنها قصة مسلم الجصاص، وهي قصة لم يذكرها أي مصدر معتبر من قبل الا مقتل الخوارزمي (وهو كتاب غير معتبر).

 

ومنه انه ذكر بان جيش ابن زياد كان 70 ألف فارس (لاحظ فارس فقط ولم يذكر عدد الرجالة).

 

ومنها انه ذكر أن العباس قد عرض على الأعداء أمرا، فلم يردوا عليه فجلس العباس يبكي!!

 

 

وهو أول من ذكر قصة زواج القاسم بن الحسن من سكينة ولم يرد لها أي ذكر في أي كتاب تاريخ أو حديث أو نسابة، وقد رأيت إنكار السيد المقرم عليه.

 

كما ذكر في قصة خرافة الأسد بأن هذا الأسد الذي جاء الى المعركة وهو يشم جسد الحسين (ع) هو في الحقيقة الإمام علي (ع) وقد جاء في صورة أسد‼

 

 

ورغم أن مؤرخي السنة قبل الشيعة ذكروا أن يزيد أعلن سروره وتشفيه بقتل الحسين (ع) إلا أن الطريحي جاء بأن يزيد لما سمع بمقتل الحسين ذلك لطم على وجهه وبكى وقال: ما لي ولقتل الحسين؟

 

 

إن كون الشيخ الطريحي رجلا زاهدا متدينا ليس موضع نقاش أو تشكيك، فهناك فرق بين الوثاقة والعدالة، وكم وقع قوم من أهل الصلاح والدين فرووا روايات لا أصل لها، ولا تصح. وامر كهذا لا يخفى على من له أدنى نظر في علمي الحديث أو الرجال (الجرح والتعديل).

 

 

ومن الغريب ما ذكره الشيخ سند من أن الطريحي اطلع على مصادر لم تصلنا، وقد اعتمدها، وهذا كلام غير صحيح وغير ناضج، فمن جهة فإن هذه المصادر (المفترضة تبرعا من الشيخ سند) لو كان لها وجود لنقل عنها من سبق الطريحي أو من عاصره، فهل هي مصادر خاصة لا يعرفها إلا الطريحي؟ ثم ان وجود هذه المصادر (المفترضة تبرعا من الشيخ سند) ليس حجة، بل الحجة في مدى صحة روايتها، أي انها لو كانت واصلة لنا لما كانت حجة بمجرد وجودها، بل الأمر يخضع للنظر والتدقيق وربما قبلت وربما ردت، كما نرد الآن على كتاب الطريحي رغم وجوده بين أيدينا.

 

 

انه لأمر مخجل حقا أن يتكلم فقيه أو خطيب بكلام بهذا المستوى الذي يخجل منه حتى عامة الناس، يبدو أن هناك من يحتاج إلى أن يراجع نفسه ويقارن أخلاقه بما كان عليه أئمة أهل البيت في تعاملهم ومنطقهم، لا سيما إذا كان يدعي انه على نهجهم حتى لا يبتعد عنه في سلوكهم ومنهجهم، إلا أن يكون هذا الخطيب أو الفقيه يريد أن يدخل ضمن منظومة السب والشتم التي يتعامل بها جماعة لندن.






إرسال تعليق

0 تعليقات