آخر الأخبار

برناردينو دروفيتى




 

علي الحفناوي

 

 

سبق لى الكتابة عن دور ماتيو ديليسبس (الأب) في ترشيح محمد على لتولى دور الوالى على مصر ودعمه لدى السلطان العثمانى عن طريق الحكومة الفرنسية، ثم دعم حكمه لتحديث وتقوية الدولة المصرية تحت قيادته في مواجهة الباب العالى (الرابط بنهاية المقال)

 

وللكشف عن بعض الخيوط الإضافية في لعبة النفوذ السياسية التي مورست في مصر مع محمد على باشا، من المفيد الإشارة إلى تقرير تاريخى هام جدا صدر عام 1818 من قبل الشرطة السياسية النمساوية، حيث يكشف هذا التقرير اللعبة السياسية السرية التي مارسها ماتيو ديليسبس ومساعده المسمى "دروفيتى" من خلال تنظيم سرى اسمه "الجمعية السرية المصرية" (Société Secrète Egyptienne) التي لم تكن إلا رافدا رئيسيا من روافد الماسونية العالمية في ذلك الوقت تحت إدارة المدعو "دروفيتى".

 

من المعلوم أن ماتيو ديليسبس – الماسونى – كان يدير "لودج" ماسونى في جزيرة "كورفو" اليونانية (اللودج هو اسم الوحدة المحلية في التنظيم الماسونى) حيث كان مساعده "برناردينو دروفيتى" من أصل ايطالى من أنشط مساعديه، فكانت سياستهما هو العمل على استقلال اليونان من الإمبراطورية العثمانية.

 

التقرير النمساوى يتحدث باسهاب عن شخصية دروفيتى الذى ظهر لأول مرة على السطح أثناء حروب نابليون في إيطاليا في أواخر القرن الثامن عشر، فتعاون مع القوات الفرنسية حتى حصل على ثقة بونابرت ووثق علاقته بالجنرال "ميورا" القائد الفرنسى.

 

وفى عام 1803، أرسل نابليون إلى مصر ماتيو ديليسبس ومعه كمساعد "دروفيتى" في مهمة سرية لاختيار القائد العسكرى الذى سيتعاون مع فرنسا ويستقل عن الدولة العثمانية. وبعد ترشيح محمد على، عاد ماتيو ديليسبس إلى فرنسا تاركا "دروفيتى" في مصر لادارة القنصلية الفرنسية ومتابعة تنفيذ سياسة بونابرت. وظل يقوم بعمل القنصل العام حتى عام 1814.

 

عند سقوط الإمبراطورية الفرنسية وزوال حكم بونابرت وعودة الملكية مع لويس الثامن عشر لحكم فرنسا، فقد "دروفيتى" وظيفته الرسمية ولكنه ظل مقيما في مصر، ثم استعاد مهمته الرسمية كقنصل فرنسا عام 1821، ولم يغادر مصر قبل 1829. وعند عودته لفرنسا، عمل كخبير دولى في مختلف المجالات (زراعة، طب، آثار، ديبلوماسية، الخ)، وظل يتحرك في مختلف العواصم الأوروبية حتى وفاته في إيطاليا عام 1852.

 

احتفظ "دروفيتى" بعلاقاته المتميزة مع محمد على منذ أن تولى الحكم بمعاونته هو وماتيو ديليسبس، وبدأ في إنشاء تنظيمات سرية ماسونية بدعوى دعم حكم محمد على. وهذا ما يفسر، وفقا لتقرير الشرطة النمساوية، بقاءه في مصر رغم فقدانه صفته القنصلية عام 1818. وقد تبنى محمد على سياسة حماية التنظيمات الماسونية، معتقدا أنها تعمل لصالح دعم حكمه، (واستمرت هذه الحماية حتى 1952 وفقا للتقارير الماسونية).

 

قام دروفيتى بتأسيس اللودج الماسونى بالقاهرة واللودج الماسونى بالإسكندرية. وكان للودج الإسكندرية أهمية أكبر من لودج القاهرة في عصر محمد على.. وكان الهدف السياسى المعلن من قبل هذه التنظيمات الماسونية هو دعم استقلال الشعوب في مصر وإيطاليا واليونان في مواجهة الاحتلال التركى، الذى كان على صلة طيبة بالامبراطورية النمساوية. وقد استطاع دروفيتى ضم العديد من رجال القصر وأعوان محمد على إلى هذه الجمعية السرية المصرية.

 

بعد سقوط امبراطورية نابليون في فرنسا، حاولت إنجلترا ملء الفراغ في بلاد البحر الأبيض المتوسط وادعاء الدفاع عن حقهم في الاستقلال. وقد حدث بالفعل بعد 1815 أن احتلت إنجلترا الجزر الأيونية اليونانية بدلا من فرنسا، والتي كانت تدير تلك الجزر غرب اليونان بمعرفة رجال الماسونية وعلى رأسهم ماتيو ديليسبس (في كورفو)، الذى كان يتميز بانتماءه لأكثر من لودج ماسونى دون مراعاة للتنقضات بينها.

 

كان ماتيو ديليسبس مشهورا بانتماءه الشديد للماسونية ولبونابارت في نفس الوقت، حتى أنه أنشأ "لودجا" أسماه لودج نابليون، معتبرا أن الماسونية من أصول كهنوتية مصرية تعود لعصر قدماء المصريين، حيث عبر عن ذلك فى جملة دخلت التاريخ الماسونى ("C’est aux prêtres égyptiens que je fais remonter la Franc-Maçonnerie, quoiqu’ils n’en soient pas les inventeurs et que sa véritable origine se perde dans la nuit des temps" ).

وقد عين قائدا عظيما في منظمة "فرسان الدفاع عن الماسونية العالمية" (Commandeur de l’Ordre des Chevaliers Défenseurs de la Franc-Maçonnerie Universelle)، وهى منظمة تتبع شعائر وطقوس "مصراحيم - ممفيس" ذات الجذور العبرية والمصرية... ويقول أحد أحفاد ديليسبس "ألكس ديليسبس" التابع لنفس المنظمة، أن ماتيو كان مكلفا سريا من قبل نابليون باختيار حاكم مصر لتكوين دولة تقوى على مواجهة الدولة العثمانية وانجلترا.

 

ينتهى التقرير النمساوى إلى أن العمل كان منسقا بين ديليسبس في الجزر اليونانية ودروفيتى في مصر لتقوية السيطرة الماسونية على شرق البحر المتوسط. وأن بداية هذا التوجه ظهر مع الحملة الفرنسية في مصر ودور نابليون، مع إعطاء صبغة فرعونية للأعمال الماسونية نتيجة لاعادة اكتشاف تلك الحضارة المصرية... ومع سقوط نابليون، تحول دروفيتى إلى خدمة من أسماه "نابليون الشرق"، وهو محمد على، بأمل إبقاء الوجود الفرنسي على الأرض المصرية.



" ماتيــــــــــــــــــــو"


إرسال تعليق

0 تعليقات