حسن مطر
لا تبدأ الإمامة الإلهية الشيعية بحادثة الغدير ولا تنتهي عندها. فدلالات
الحادثة الجدلية أن الله أمر نبيّه بتنصيب علي بن أبي طالب خليفة من بعده ليست إلا
بداية لسردية مركبة الأجزاء ظلت عرضة لوهن وقوة، لمطبات وتألق، تراجع ثم إعادة
صياغة، وهكذا تتشكل الأجزاء كل مرة في لحظات تاريخية لتنتج فرقاً شيعية متناثرة
عديدة، يختفي بعضها ويستمر بعض آخر بصور مختلفة حتى نصل إلى لحظتنا التي لا يصدق
فيها الشيعي أن الدروز والبهائية والعلويين (النصيرية) هي من رحم تلك الفرق
المتناثرة.
تركيب تلك الأجزاء (العصمة، العلم اللدني، الولاية التشريعية، الولاية
التكوينية) عملية شاقة اضطلعت بها كل الفرق ولا زال النقاش فيها مستمر حول تلك
الجزئيات التي قامت لاحقا على البنيان الغديري. لكن الأمر المحرج بعد كل هذا، تخرج
أصوات واتجاهات برؤية إسلامية شمولية لتقلب الطاولة وتدعو لإعادة النظر في التراث
الشيعي - وكذلك السني - برمته ومساءلة حجيته ومديات الشريعة الملزمة، واعتبار أن
ما تأسس من فقه وتشريع وعلم كلام ما كان إلا جهداً بشرياً يغلب عليه الظن، وأن
السُنة كوحي ما هي إلا بعض الأعمال العبادية المتواترة عملاً - لا قولاً ولا
تقريراً - وليس ما قضى به الرسول بصفته قاضٍ أو اجتهد فيه بصفته بشراً. ولذا، من
باب أولى أن لا أحد من بعده من صحابة وأئمة أهل البيت لهم سلطة تشريع امتداداً
للنبوة!
ويبقى السؤال الوجيه، هل يمكن تجاوز نظرية الإمامة الإلهية - ومثلها عدالة
الصحابة - في ضوء كل ذلك الإرث التاريخي المتراكم ونعيد التفكير في واقعنا المختلف
الذي يحتاج الى ديمقراطية حقيقية ومجتمع مدني فعال ونهضة تنموية كبيرة مستدامة،
بحيث تكون الحالة الدينية فيها أكثر عقلانية ورافعة لتلبية احتياجاتنا وأولوياتنا
على هذا الكوكب؟
0 تعليقات