عمر حلمي الغول
مواقف الغرب
الرأسمالي تجاه قضايا الصراع الدائرة في العالم عموما، والقضية الفلسطينية خصوصا
ليست واحدة، رغم ان الناظم الأساس لها موضوعيا واحدا. بيد ان صيرورة الصراع في أقاليم
العالم المختلفة، ومصالح الدول والأقطاب في ظل احتدام الصراع الدائر على إعادة اقتسام
العالم فرضت، وتفرض وجود تباينات واختلافات في المواقف من القضايا المختلفة، وحتى
داخل المنظومة السياسية الواحدة في كل دولة تبرز خلافات ووجهات نظر متعارضة وفقا
لخلفيات القوى الفكرية والعقائدية والسياسية وأجنداتها الاقتصادية المالية.
ولعل السنوات القليلة
الماضية، وتحديدا منذ صعود ترامب لسدة الحكم في واشنطن مطلع عام 2017 كانت الأكثر
وضوحا في تلمس التباينات داخل المنظومة الغربية عموما تجاه القضايا المثارة على
سطح الكرة الأرضية، واحتلت قضية الصراع الفلسطيني العربي حيزا مهما من التباينات،
دون ان يعني ذلك للحظة تخلي الغرب الرأسمالي عن خلفياته، ودوافعه التاريخية
والآنية لتأسيس دولة الاستعمار الإسرائيلية، رغم كل الإرباكات الناشئة عن وجودها،
ورفع سقف طموحات قادتها السياسية في بلوغ هدف بناء دولة إسرائيل من النيل للفرات،
وما يحمله ذلك من تهديد لمصالح الغرب الرأسمالي في الوطن العربي، مما ساهم في
توسيع دائرة التباينات بين مكونات الغرب ذاته، وبين الغرب عموما وقادة الدولة الاستعمارية
الإسرائيلية نسبيا.
ووجود الرئيس
الإنجليكاني المتماهي مع الدولة المارقة والخارجة على القانون الدولي (إسرائيل)،
لم يلغِ هذا التباين، لا بل عمقه ووسعه، أولا داخل البيت الأميركي نفسه، وثانيا
بين الإدارة الأميركية الحالية والإتحاد الأوروبي عموما. لإنه هدد هدف بناء إقليم
شرق أوسطي ووطن عربي قابل للتعايش مع مصالح الغرب الرأسمالية. لإن إستراتيجيو
الفكر النيو ليبرالي يستشرفون مستقبل المنطقة، ليس من خلال ما هو قائم الآن، وإنما
بآفاقه المستقبلية. لا سيما وان الوطن العربي مازال يعيش مخاض عسير من التحولات،
الواقع الراهن لايمثله.
من بين مظاهر هذا
التباين برز في اليومين الماضيين موقفان كانعكاس له، الأول تمثل بإرسال رسالة من قبل
15 سفيرا من دول الإتحاد الأوروبي لوزارة الخارجية الإسرائيلية، عبروا فيها عن
قلقهم واستياءهم المتزايد من السياسات الإسرائيلية عموما، وما ترتب له حكومة
نتنياهو من البناء في المنطقة " E1 " خصوصا، والتي لها تداعيات خطيرة على
مستقبل خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وفي ذات الوقت تضاعف
من أخطار إنفلات القاطرة الرئيسية لقطار السلام، والذي يهدد بخلط الأوراق كلها في
الإقليم ككل، ويؤثر على ترتيب وتنظيم المعادلة السياسية في الوطن العربي عموما،
وليس في الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية فقط. ومن بين الدول الموقعة على الرسالة
الإيجابية: ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، إسبانيا، بريطانيا، السويد، ايرلندا، بلجيكا،
هولندا، الدنمارك، فنلندا، بولندا، البرتغال، سلوفينيا والنرويج.
بالمقابل وجه عضو
الكونغرس الأميركي، دوغ لامبورن عن الحزب الجمهوري رسالة للرئيس دونالد ترامب،
طالبه فيها بفرض عقوبات شخصية على الرئيس محمود عباس وكبار الشخصيات القيادية
الفلسطينية للضغط عليها لتحقيق هدفين: أولا التخلي عن أسر الشهداء واسرى الحرية؛
ثانيا الخضوع لمنطق الإملاءات الصهيو أميركي، والقبول بصفقة القرن. وكلاهما يجردا
القيادة الوطنية من تاريخها، ودورها الوطني، ويحولها لإداة طيعة بيد أعداء الشعب
وأهدافه الوطنية. وهو موقف مدان ومرفوض، وغير قابل على القسمة مع مواقف القيادة
الفلسطينية عموما، والرئيس عباس خصوصا.
إذا نحن أمام نموذجين
يعكسان التباين القائم في وسط النخب الرأسمالية الغربية. صحيح ان لامبورغ معروف
بمواقفه التحريضية والمعادية للقضية والقيادة الفلسطينية، لكنه يعبر عن تيار وسط
هذا الغرب، ولا يقتصر على دوره كعضو كونغرس فقط، انما له إمتداداته في الأوساط
الأميركية الأوروبية. كما ان التيار الآخر، وهو حسبما اعتقد الأوسع، والأكثر
تأثيرا بالمعنى السياسي، غير انه مازال لا يتماثل دوره، وأسير السقف السياسي
الأميركي حتى اللحظة، ولم يخرج عن المواقف المتداولة، ولم يرتق إلى مستوى
المسؤولية في إلزام إسرائيل الكولونيالية بدفع استحقاقات السلام، وخيار حل
الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967. لعل المستقبل المنظور يدفع الغرب
الرسمالي مع سقوط عرش ترامب، واضمحلال دور اليمين القومي الأوروبي المتطرف في بعض
الدول يفتح الأفق لتجاوز الغرب الحسابات الضيقة والصغيرة، ويكف عن إصدار بيانات،
وإرسال رسائل بلا رصيد، ويتمكن من صناعة السلام الممكن والمقبول.
0 تعليقات