محمد قاسم الطائي
الحلقة الأولى
حسب المأثورات التاريخية مات معاوية سنة "٦٠هــ" في شهر
رجب حصلت تباشير وتطلعات في الصف المعارض له ولحكمه وبالتحديد المجتمع الكوفي-
آنذاك- الذي غرس في روعه حب علي وآل علي وبعد أن شعر منهم جماعة بتأنيب الذات فيما
حصل منهم إزاء علي "ع" والحسن "ع" من تقصير وهضم للحقوق
وبالطبع جعلهم ذلك يتطلعون لشخصية الحسين "ع" بعين الأمل والطموح وقد
راسلوه في حياة معاوية وأوعدهم خيراً، وفي الوقت ذاته من حيثية الكفة الأخرى خيم
الحزن على محبي معاوية وأنصاره وهم يتطلعون من سيملأ مكانه أو هل أن يزيد بالمستوى
المطلوب وخصوصاً حينما يقرن بشخصيات أكثر منه علماً وديناً وخبرة وتأثيراً فهل
يملك زمام السيطرة على الأوضاع وبذلك سادت أجواء الحدث بمشهد أكثر سخونة وجدلية ما
بين المدينة والكوفة .
نص الشيخ المفيد المتوفى" ٤١٣هــ" يقول:« فلما مات معاوية وانقضت مدة
الهدنة التي كانت تمنع الحسين ابن علي (عليه السلام) من الدعوة إلى نفسه، أظهر
أمره بحسب الامكان، وأبان عن حقه للجاهلين به حالاً بحال، إلى أن اجتمع له في
الظاهر الأنصار، فدعا (عليه السلام) إلى الجهاد وشمّر للقتال، وتوجه بولده وأهل
بيته من حرم الله وحرم رسوله نحو العراق، للاستنصار بمن دعاه من شيعته على الأعداء.
وقدم أمامه ابن عمه مسلم بن عقيل - رضي الله عنه وأرضاه - للدعوة
إلى الله والبيعة له على الجهاد، فبايعه أهل الكوفة على ذلك وعاهدوه، وضمنوا له
النصرة والنصيحة ووثقوا له في ذلك وعاقدوه، ثم لم تطل المدة بهم حتى نكثوا بيعته
وخذلوه وأسلموه، فقتل بينهم ولم يمنعوه، وخرجوا إلى الحسين "ع" فحصروه
ومنعوه المسير في بلاد الله، واضطروه إلى حيث لا يجد ناصراً ولا مهرباً منهم،
وحالوا بينه وبين ماء الفرات حتى تمكنوا منه وقتلوه، فمضى عليه السلام ظمآن
مجاهداً صابراً محتسباً مظلوماً قد نكثت بيعته، واستحلت حرمته، ولم يوف له بعهد،
ولا رعيت فيه ذمة عقد، شهيداً على ما مضى عليه أبوه وأخوه عليهما أفضل الصلاة
والرحمة والتسليم » [ الارشاد ج٢، ٣١-٣٢ ]
بودي قبل ذلك طرح مقدمة منهجية فيما يتعلق بالمصادر وكلمات الأعلام
بتوضيح أننا نتعامل في قضية كربلاء مع المصادر والأعلام من حيث الاعتبار والقرب
الزمني للحادثة ولو بقرون من حيث الترتيب، وليس من منطلق الفوضى ومدت اليد كيف ما
يشاء ؛ من هنا حين ننقل رأي الشيخ المفيد أو السيد المرتضى أو الصدوق أو الطوسي
وغيرهم من العلماء الأوائل فهولاء هم حملة التراث الامامي بأسره، فمن الطبيعي يكون
فهمهم لقضية الحسين "ع" أقرب من غيرهم خصوصاً في قضية حساسة مرتبطة
بالدين وليست مسألة تحليلية أو فقهية كي يقال خذوا بآراء المتأخرين أو المعاصرين
ولا يعني ذلك تقليد للقدامى وإنما الأصل في آراءهم الرجاحة ومقدمة على غيرها فيما
يخص أصول العقيدة والتاريخ .
ومن حيث المسار التاريخي- الطبيعي فإن عوامل النصر قد تهيأت من كل
جانب للحسين" ع" فمن ناحية الحكم والسيطرة فالحكم الأُموي يعيش بمثل هذه
الفترة الضعف والاهتزاز والقلق، ومن ناحية المبغوضية فالناس ازدات استياءً وكراهية
وشكوى من جماعة النظام الأُموي على مدار سنين متتالية، ويكشف هذه الكراهية معاوية
بن يزيد بن معاوية لما وليّ الخلافة يقول: « أما حمد الله والثناء عليه أيها الناس
فإنا بُلينا بكم وبُليتم بنا فما نجهل كراهتكم لنا وطعنكم علينا » [ تاريخ
اليعقوبي ج٢،ص٢٤٠]
والأشد من كل هذا أن سوابق يزيد السيئة وعدم نضجه وقلة كفاءته
لإدارة البلاد والعباد زادت الكراهية والتذمر أكثر وفي الوقت ذاته زاد الحنين
والشوق إلى عدالة علي" ع" أكثر، والدعوات من قلب الكوفة تتلى بالقدوم
لسبط النبي "ص" لكن في القلب لوعة!
نترك الأمر للسيد المرتضى المتوفى"٤٣٦هــ" يحدثنا عن هذه المأساة يقول:
«ورأى من أسباب قوة أنصار الحق وضعف أنصار الباطل ما وجب عليه الطلب والخروج، فلما
انعكس ذلك وظهرت أمارات الغدر فيهم وسوء الاتفاق رام الرجوع والمكافة والتسليم كما
فعل أخوه، فمنع من ذلك وحيل بينه وبينه، فالحالان متفقان، إلّا أن التسليم
والمكافة عند ظهور أسباب الخوف لم يقبلا منه، ولم يجب إلا إلى الموادعة، وطلب نفسه
(ع) فمنع منها بجهده حتى مضى كريما إلى جنة الله ورضوانه » [تنزيه الانبياءص
٢٣٠-٢٣١]
قوله وجب عليه الطلب والخروج بمعنى أن تكليف الإمام اقتضى تلبية هذه الدعوات
والرسائل والوفود بعد أن توفرت كل عوامل النصر وتهيأت -حسب الظاهر- الأرضيّة
لتحقيق العدل المنشود والإصلاح وجميع الأهداف العليا التي هي أهم وظائف إمامته
وخلافته، ولو لم يقدم الإمام لوقع في معرض الملام، وحاشاه وبقدومه المبارك أتمّ
الحجة على الجميع ولله الأمر من قبل ومن بعد .
0 تعليقات