د.حازم الرفاعي
مرت سنوات وحدثت ثورات وسقط حكام ومر في نهر العيادات وغرف العمليات آلاف المرضى.
إلا أن هذا الخبر ظل واضح المعالم، فلقد كان يخص إنساناً مصرياً بسيطاً يعمل كسائق
تاكسي، انتحرت زوجته قفزاً من أعلى منزلهم وهي الأم لثلاثة أطفال، بعد أن يئست من
إقناع زوجها برغبتها في إجهاض نفسها، حتى تتخلص من حملها "غير المرغوب
فيه". وعزت الصحيفة الحدث للقضاء والقدر، واستخدم من صاغ الخبر تعبير
(الشيطان الذي وسوس للمرأة) حتى تتخلص من حملها. لم يحاول أحد أن يتناول الموضوع
طبياً واجتماعياً؛ ففي جميع أنحاء العالم تعد وفاة المرأة الحامل حدثاً مأساوياً.
والحقيقة أن الحمل غير المرغوب هو ظاهرة بشرية وإنسانية ونسوية تمتد عبر التاريخ
والجغرافيا. وهو أيضاً ظاهرة تثير مشاعر متناقضة بين البشر والناس حول العالم ولا
يمكن الهروب منها ومن تداعياتها، فحتى وإن تصرفنا كالنعام بإخفاء الرأس في الرمال،
فإن عشرات الآلاف من أطفال الشوارع في مصر وحول العالم هم نتاج لحمل غير مرغوب
فيه. وعلى الرغم من اهتمام المجتمع بتلك القضية وآثارها إلا أن أحداً لم يقترب
منها من زاوية تنظيم الحمل والإجهاض.
يحب الإنسان دوماً أن يعتقد أنه أكثر حرصاً على الفضيلة من الآخرين، وينطبق ذات
الأمر على المجتمعات وأصحاب الأديان المختلفة. الأمر كذلك حتى وإن كانت تلك
الفضيلة محض خيال أو تجارة يمارسها البعض. ولكن الحقيقة أن اعتقادات البشر متشابهة
في الأغلب حول العالم، وأن الصراع هو ما يفتح أبواب التغيير في المعتقدات والتقدم؛
فلا زال هناك صراع حول العالم في قضايا الحمل والإنجاب. فلقد ارتبط خروج المرأة من
جدران البيوت للمدارس والتعليم والعمل بضرورة تنظيم الحمل. وحتى اليوم يوجد من
يطلقون على أنفسهم (أنصار الاختيار) وهم من يدعون لحرية المرأة أن تحدد هي ذاتها
متى تحمل وهل تحتفظ بحملها أم لا، أولئك هم من يدعون لتحرير وتقنين الإجهاض. وهناك
آخرون ممن يطلقون على أنفسهم (أنصار الحياة) وهم من يقفون ضد الإجهاض.
ولعل التقاضي الذي وصل للمحكمة العليا الأمريكية عام ١٩٧٣ حول منع امرأة من
الإجهاض والذي عرف باسم (روي ضد وادي Roe vs. Wade) يلخص الأمر ويؤكد لنا
أن المثير للجدل في مسيرة البشرية هي أمور تتجاوز أي دين بعينه. ففي تلك المعركة
القضائية اعتبر فرد ما أنه يدافع عن حياة إنسان لم يولد واعتبرت تلك المرأة أن
جسدها وحملها هي أمورها الخاصة. حسمت المحاكم الأمريكية الأمر وصار الإجهاض مباحاً
تنظمه القوانين، ويدور في المستشفيات في شمال العالم بسرعة واحترام لكرامة المرأة
وصحتها. فمن المعروف أن مضاعفات الإجهاض تزداد بنسبة ١٠٠ ٪ مع كل أسبوع تأخير.
وليست المضاعفات الطبية هي المشكلة فقط بل هي أحد جوانب المشكلة فالمرأة التي تقرر
أنها تحتاج للإجهاض لا تتوفر أمامها مصادر للمعلومات وتقترب منه بحذر وخوف فتكون
العزلة والوحدة والعبء النفسي والإنساني أشباحا حقيقيه تحاصرها.
صار حراك النساء لتوفير وسائل منع الحمل وتقنين الإجهاض ركناً
هاماً فيما أطلق عليه (الحرية الإنجابية). فتنظيم الحمل واختيار توقيته صار
أساسياً لحياة المرأة، التي اقتحمت كل مجالات الحياة حول العالم من قيادة الطائرات
لرئاسة الوزراء. فظهرت قفزات علمية في كل وسائل منع الحمل حتى تلائم التنوع في
احتياجات ملايين النساء ثم تطورت وسائل الإجهاض ذلك فظهرت الحبوب البسيطة التي
حولت الإجهاض من عملية جراحية إلى تدخل بالأقراص والحبوب إن كانت المرأة في أول
حملها. هذه الأقراص تحمي النساء من مضاعفات الجراحة والتخدير. ففي البرازيل مثلا
كان الإجهاض ومضاعفاته من الأسباب الهامة لطوارئ المستشفيات إلى إن ظهرت تلك
الحبوب الحديثة؛ فانخفضت المضاعفات بشكل ضخم. مثلت تلك الحبوب قفزة علمية كبيرة
ولكنها لازالت ممنوعة في مصر رغم أن احتياج النساء للإجهاض في الأغلب هو لأسباب
قهرية. فلقد رأى مشرعو لجان وزارة الصحة أن على المرأة المصرية أن تستخدم وسائل
جراحية متخلفة حتى لو كان الإجهاض كالحمل بطفل مشوه مثلاً أو بموت جنين في
أحشائها. فهكذا مارست لجان وزارة الصحة مبدأ (الباب اللي يجي لك منه الريح سده
واستريح).
التشريع للإجهاض في عالم الشمال لم يكن أمراً بسيطاً؛ فلقد حددت القوانين
البريطانية التي أجازها البرلمان البريطاني عام ١٩٦٧ خمسة مبادئ عامة تبيح
الإجهاض، وبالطبع كانت الصياغة من العموم والاتساع بحيث تسمح للنساء والأطباء
بحرية الحركة. فالمبدأ الثاني في هذا القانون كان ينص أن الحمل سوف يكون (مضراً للمرأة
عقلياً). وكان من المعتاد فور صدور القانون أن يسعى الأطباء لأخذ مشورة طبيب
الأمراض النفسية وتوقيعه على الأوراق. هذا التعبير (الغامض) مقصود لذاته فلقد فتح
الأبواب للأطباء وللفتيات والنساء أن يمارسن كل شيءٍ في العلن.
أما في بلادنا فالإجهاض يمارس في الخفاء. فترى كم من النساء تموت؟
وكم من الأطباء يبتزون فتيات أو شباب أو محدودي الدخل فيتحولون إلى مجرمين في نظر
المجتمع والقانون. فتقنين التعامل مع الحمل غير المرغوب فيه قضية مجتمعية في دولة
بها برلمان به عشرات السيدات وبها رجال دين متنورين كتصريحات شيخ الجامع الأزهر
الراحل الشيخ طنطاوي بشأن هذا الأمر؛ فالمجتمع أكثر تزمتاً وتضييقاً من التشريعات
ذاتها والأمر كذلك في اغلب الأمور.
رحلت المرأة البسيطة زوجه سائق التاكسي في صمت ولم ينفعها ولا نفع أطفالها
الثلاث نهنهه و نحيب زوجها الكادح المقهور إلي جوار جثمانها علي مهبط السلم أو درج
منزلهم في احد أحياء القاهرة الشعبية المكتظة بالناس المظللة بغبار المدينة و الحياة.
فمن هو المسئول عن تلك المأساة هل هم مشرعي القوانين وتواكلهم وبينهم نساء في
برلمانات مصريه متتابعة؟ أم هم أطباء النساء والولادة الذين يدركون الحقيقة و يتواكلون
بلا وازع إنساني كنظرائهم الاوربين الذي دخل بعضهم السجون لأنهم أصروا علي خطأ
تجريم الإجهاض أم هي جماعه الإخوان المسلمين تبتز المجتمع وتحاصر المرأة وتتاجر
بها وبالدين فلا بضاعة أخري لديهم.ستظل النساء تحمل رغما عن وسائل منع الحمل ورغما
عن نصائح الأطباء بعدم الحمل فماذا تفعل المرأة التي حملت وحملها يمثل عبئا عليها أو
علي أسرتها ؟
0 تعليقات