محمود جابر
في البدء هناك ملحوظة هامة جاء بها الرواة على لسان النبي يقولون
فيها: أن النبي لما وصل المدينة أمر بصيام
عاشوراء حتى فرض صيام رمضان، فلما فرض صيام رمضان نسخ، وبالتالي فالنبي لم يصم
عاشوراء إلا عاما واحدا ...
ولكن، النبي قدم فى ربيع الثاني، أي أنه لم يصم حينما قدم كما
يقولون، وفى العام الثاني فرض الصيام وبالتالي فواقعة عاشوراء حينما قدم المدينة
تبقى محل شك وقل ورد فيها :
1 : حديث صحيح البخاري : " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما
قدم المدينة، وجدهم يصومون يوما - يعني عاشوراء - ، فقالوا: هذا يوم عظيم، وهو يوم
نجى الله فيه موسى، وأغرق آل فرعون، فصام موسى شكرا لله، فقال: ( أنا أولى بموسى
منهم )، فصامه النبي، وأمر بصيامه"..
ولكن البعض قال إن قريش كانت تصوم ذلك اليوم، فنحن هنا أمام حدثين
لا حدث واحد، ولكن اللافت فى الأمر هل النبي حينما قدم نزل على المسلمين أم نزل
على اليهود فى المدينة، فالواضح انه صلى الله عليه وآله نزل عند المسلمين من الأنصار،
فكيف عرف أن اليهود يعظمونه، والحديث يقول أهل المدينة ؟!
ولكن حديث اليهود رواه ابن عباس يقول : عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا
قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ
عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ
وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ"...
ومع هذا ما تزال هناك قضية
معلقة سوف نذكرها فيما بعد إنشاء الله .
نأتي لموضوع قريش :
فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ يَوْمُ
عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ» رواه البخاري، محمد بن إسماعيل. صحيح
البخاري. كتاب الصوم، باب صيام يوم عاشوراء، حديث رقم: (1863، ج7، ص125(.
الحديث يقول أن قريش كانت تصومه، وقريش
المشركين يصومون لمن ؟ وهل يقبل طاعة من مشرك، وهل النبي يقلد قريش فى عبادتها ؟
كل هذه أسئلة تحتاج الى جواب ولكن نصبر وننظر
الروايات التى جاءت فى صيام عاشوراء .... وسوف نذكر بعض منها:
1 : حديث مسلم المكمل "حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا : يا رسول الله ! إنه يوم تعظمه اليهود. فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : فإذا كان العام المُقبل إن شاء الله، صُمْنا اليوم
التاسع. قال : فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه
وسلم".
2 : حديث صحيح السند في البخاري أيضا عن عائشة: "كان يومُ
عاشوراءَ تصومُه قريشٌ في الجاهليةِ، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
يصومُه، فلما قَدِمَ المدينةَ صامه وأمَر بصيامِه، فلما فُرِضَ رمضانُ ترك يومَ
عاشوراءَ، فمَن شاء صامه ومَن شاء ترَكَه"..
3- " من صام يوم عاشوراء كتبت له عبادة ستين سنة، بصيامها
وقيامها.
4 : من صام يوم عاشوراء، أعطي ثواب عشرة آلاف ملك.
5 : من صام عاشوراء أعطي ثواب ألف حاج ومعتمر.
6 : من صام يوم عاشوراء كتب له أجر سبع سموات..!!
7 : من أفطر عنده مؤمن في يوم عاشوراء، فكأنما أفطر عنده جميع أمة
محمد عليه السلام.
8 : من أشبع جائعا في يوم عاشوراء، فكأنما أطعم جميع فقراء أمة
محمد صلى الله عليه وسلم، وأشبع بطونهم.
9 : من مسح يده على رأس يتيم في يوم عاشورا رفعت له بكل شعرة على
رأسه درجة في الجنة، قال عمر رضي الله عنه : يا رسول الله، لقد فضلنا الله عز وجل
في يوم عاشوراء؟ قال : نعم، خلق الله السموات في يوم عاشوراء، والأرضيين كمثله،
وخلق العرش في يوم عاشوراء، والكرسي كمثله، وخلق الجبال في يوم عاشوراء، والنجوم
كمثله، وخلق القلم في يوم عاشوراء، واللوح كمثله، وخلق جبريل عليه السلام في يوم
عاشوراء، وملائكته في يوم عاشوراء، وخلق آدم عليه السلام في يوم عاشوراء، وحواء
كمثله، وخلق الجنة في يوم عاشوراء، وأسكن آدم عليه السلام في يوم عاشوراء، وولد
إبراهيم خليل الرحمن في يوم عاشوراء ....الخ من القصص والحكايات التي سمعناها على
المنابر، وكأن ربنا خلق كل أحداث الدنيا يوم عاشوراء.!!
ومما سبق
: نجد أن تعدد الثواب من عبادة ستين سنة، إلى الدهر كله إلى إطعام كل المسلمين،
ونجد اليهود تصومه والنصارى وقريش وهو يوم الخلق الكون ويوم ميلاد إبراهيم ويوم
نجاة موسى ويوم خلق جبريل ...
وبعيدا
عن قضية السند قال فلان عن فلان، باعتبارها قضية متخصصة، ولكن تعدد الحوادث أو
اضطرابها في سبب الصيام، وتعدد الثواب، بشكل غير منطقي، وتعدد الأسباب بشكل غير حصري
مع أن اليهود لا يؤرخون بالشهور الهجرية القمرية كل هذا يجعلنا نشكك في أن ما ورد
عن النبي فى فضل هذا اليوم شيء لا يصح منه اى أمر فتعارض الأحاديث بشكل يجعلها
مضطربة اضطرابا بالغ ينفى وقوعها، والسبب فى عدم وقوعها هو الأحاديث الدالة على
الفرح والتوسع على العيال ....
مجددا أقول:
إن سبب التشكيك فى صحة كل هذه الأحاديث ما
تقولوه على لسان النبي من أنه أمر بالتوسع على العيال والفرح فيه مثل :
وقد
روى في التوسع فيه على العيال آثار معروفة أعلى ما فيها حديث إبراهيم بن محمد بن
المنتشر عن أبيه قال بلغنا أنه " من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه
سائر سنته ".
فى حين
أن يوم عاشوراء يوم الصيام والفرح والتوسع الذى جرى فيه كل هذا، هو نفس اليوم الذي
قتل فيه حفيد النبي الحسين بن على بن أبى طالب بن فاطمة الزهراء ...
فهل علم
النبي كل هذا ولم يعلم بمقتل الحسين ؟!!
الجواب
: لا قد علم النبى وقد روى عنه :
عن عبد الله بن وهب بن زمعة : في مستدرك الصحيحين وطبقات ابن سعد
وتاريخ ابن عساكر وغيرها واللفظ للأول - قال : أخبرتني أم سلمه : رضي الله عنها :
ان رسول الله ( ص ) اضطجع ذات ليلة للنوم فاستيقظ وهو حائر ثم اضطجع فرقد ثم
استيقظ وهو حائر دون ما رأيت به المرة الأولى ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء
يقبلها فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله ؟ قال : أخبرني جبريل ( عليه الصلاة
والسلام ) ان هذا يقتل بأرض العراق - للحسين - فقلت لجبريل : أرني تربة الأرض التي
يقتل بها فهذه تربتها . فقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
عن صالح بن اربد : روى الطبراني وابن أبي شيبة والخوارزمي وغيرهم
واللفظ للأول ، عن صالح بن أربد عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله :
اجلسي بالباب ، ولا يلجن علي أحد ، فقمت بالباب إذ جاء الحسين رضي الله عنه فذهبت
أتناوله فسبقني الغلام فدخل على جده ، فقلت : يا نبي الله جعلني الله فداك أمرتني
أن لا يلج عليك أحد ، وان ابنك جاء فذهبت أتناوله فسبقني ، فلما طال ذلك تطلعت من
الباب فوجدتك تقلب بكفيك شيئا ودموعك تسيل والصبي على بطنك ؟ قال : نعم ، أتاني
جبريل ( ع ) فاخبرني أن أمتي يقتلونه ، وأتاني بالتربة التي يقتل عليها فهي التي
أقلب بكفي .
بيت القصيد فى عاشوراء :
وهذا بيت القصيد في الاحتفاء بهذا اليوم وورود كل هذه الأحاديث
الكاذبة علي النبي لطمس وإخفاء المصيبة الكبرى بقتل الحسين بن علي والقضاء على
ثورته واستتباب الأمر ليزيد، استكمالا لمشروع التوريث الذي وضعه معاوية بن أبي
سفيان سنة 41 هجرية وجعلها هرقلية كما قال عبد الرحمن بن أبي بكر :
"أردتموها هرقلية، كلما هلك هرقل قام هرقل".. والحسين
أحد من كانوا يقفون بالمرصاد لتبديل سنة الرسول بالشورى والبيعة، وجعلها ملكا
عضوضا كما يعض الكلب على عظمة. هذا تاريخ ويمكن البحث فيه.
إذن لا يمكن أن يشك عاقل أن "المبالغة" في الاحتفاء بهذا
اليوم وتأكيد ضرورة صيامه والأجر العظيم عليه كان له هدف سياسي خبيث أرادته السلطة
و وجدت من يخدمها فيه من حقل الدين كالعادة..!!
يذكر المؤرخ المقريزي: إن سنن احتفال يوم عاشوراء أقرها الحجاج بن
يوسف الثقفي وقت زمن خلافه عبد الملك ابن مروان. الخطط المقريزيّة، ج1، ص 490..،
معني ذلك أن احتفالات يوم عاشوراء بدأت منذ بزوغ دوله بني أمية.
فطمس معالم الثورة الحسينية وإخفاء معالم الجريمة فى حق الإسلام
وحق النبى ، وخاصة أن الفاجعة جاءت في حق سبط رسول الله وريحانته، وابن أمير
المؤمنين، وسيد شباب أهل الجنة، و أشبه الناس وجهًا برسول الله.
ولعل حادثة استشهاد الحسين من أهم الحوادث التي مرت على تاريخ
الأمة، ليس فقط لكونها تمثل جريمة كبيرة قُتل فيها ظلمًا الحفيد ذوى القربى الذى
جاء بحقه قرآن يتلى إلى يوم الدين قال
تعالى (قل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي
الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) الشورى 23.
من كل ما سبق نستطيع أن نقول أن صناعة أحاديث عاشوراء كانت جزء من
مخطط طمس الجريمة التى لن يمحوها التاريخ وستظل تلاحق كل من شارك فيها بالفعل
وبالكلمة حيا وميتا ...
0 تعليقات