آخر الأخبار

الصغير ماكرون والكبيرة فيروز ولبنان..

 





 

 

نعمه العبادي

 

تداولت وسائل الإعلام بانتشاء زيارة مفاجئة للرئيس ماكرون الى الفنانة فيروز في إقامتها بعد أن احتجبت عن الأنظار لسنين، وقد منحها وساماً فرنسياً عالية القدر، ولهذا تناثرت كلمات الثناء على هذا الموقف البطولي لتذكر فيروز.

 

تكريم الإبداع والاحتفاء به ممارسة نبيلة وسلوك أنساني حضاري، وله جذوره حتى الدينية، فالشرائع الحقة توصي بالشكر والاعتراف بالفضل والثناء عليه إلا ان المشكلة عندما تحول الكثير من تكريم الإبداع الى أداة سياسية او لعبت عليه السياسة ووظفته بطرقها القذرة، وخير شاهد على ذلك جائزة نوبل والظروف التي تمنح بها، فضلاً عن جوائز أخرى محلية ودولية.

 

فرنسا التي تمتد بجذور علاقتها مع لبنان الى القرن السادس عشر عندما أوكل لها من قبل السلطان العثماني تنظيم أوضاع المسيحيين في لبنان، ثم تعمقت هذه العلاقة، وكانت المحتل المباشر منذ ١٩٢٠ ولغاية استقلال لبنان ١٩٤٣ وأدوارها المختلفة في تعميق المكونات، والاستنصار الى الموارنة الكاثوليك، ثم كل مراحل العلاقة المختلفة مروراً بالعلاقة الأسرية والتجارية بين جاك وشيراك وآل الحريري، ومن بعد ذلك ماكرون، كل تلك الفصول تتحرك في سياق واحد يتمثل في وجود ارتكاز سياسي وثقافي لدى الفرنسيين بوصايتهم ومسووليتهم عن الشأن الفرنسي.

 

ماكرون الصغير الذي قد يبدوا وديعاً وناعماً حقيقته ليست كذلك تماماً، وهو حامل لطموحات ديغولية، وجزء لا يتجزء من التنسيق الأمريكي- الإسرائيلي، لذلك يتواجد بكل ثقله في بيروت، ويحاول ان يقدم نفسه كأب راعي للتسويات اللبنانية.

 

يدرك ماكرون مكانة فيروز في نفوس الشعب اللبناني والعربي ومحبتها، لذلك اختار بوابتها كأحد مداخل تحريك قوته الناعمة، وكأن صوت انفجار مرفأ بيروت ذكره بحقها الإبداعي ووجوب تكريمها.

 

سوف يسارع البعض للقول، على الأقل ماكرون الفرنسي كرمها وذكرها أفضل من قادة لبنان والعرب، وهي مغالطة لابد ان يتم تصحيحها، بأن إهمال القادة والحكومات العربية امر مفجع ومحل إدانة ورفض ولذلك تسبب هذا الإهمال في ضياع الكثير من الإبداع والمبدعين، واضطرهم لمغادرة أوطانهم الى بلاد المنفى، وفي ذات الوقت اتخاذ ماكرون لفيروز كمدخل لمحركات قوته الناعمة، والتي لها بوابات كثيرة في لبنان امر مرفوض، وينبغي ان يتم قراءة الزيارة في سياقها الصحيح.

 

ما يجري في الخليج ولبنان وربما في مناطق اخرى في قادم الأيام مترابط بخيط خفي مشدود بإحكام من قبل القوى العالمية، وهو حبل خنق لكل ما هو وطني ومبدئي في المنطقة، لذلك من الجهل تسذيج الأمور وتسطيح محتواها في قراءات غير واعية، أو معبئة بأيدلوجيات منحازة.

إرسال تعليق

0 تعليقات