علي الأصولي
تمهيد
عامة شيعة أهل البيت (ع) لم يرتكز في أذهانهم سوى الجوانب الشرعية
والأخلاقية للأئمة (ع) طبعا إذا تم استثناء حركة الإمام الحسين (ع) كون أن الطابع
العام للصورة الحسينية اختزلت في نهضته وتحديدا من مشاكل أخذ البيعة في المدينة
وانتهاء بالشهادة في كربلاء.
أما أولاده من الأئمة (ع) فالصورة المنطبعة في الذهنية الشيعية لا
تتعدى ما ذكرت اعلاه من جوانب.
نعم" اتجهت أنظار المؤرخين وأرباب السير بل والمقاتل إلى
الفرع الحسني بلحاظ تعدد حركاتهم وثوراتهم في تلك المرحلة مع ملاحظة الحركة
الزيدية التي ابتدأت بثورة زيد الشهيد وانتهت بفاجعة شهادة ابنه يحيى.
ما يعنيني هو أن كل إمام اشتغل وفق وظيفته الشرعية وتحرك ضمن
المساحة التي يمكن أن يتحركها من هو في وزنه وثقله مع المحافظة على الهدوء وعدم
الضجيج. المفضي لفشل حركته ولعل شواهد حركات الحسنين خير دليل وكيف انتهت مقاتلهم
إلى فجائع.
أقول: يمكن حصر البحث وهذه الأوراق ابتداء من وفاة الإمام السجاد
علي بن الحسين(ع) والذي شهد في عصره كبرى الحركات السياسية صعودا كثورة أبيه (ع)
والتمرد الزبيري والثورة المختارية والحركة الاستشهادية التوابية. وانتهاء
باستقرار الأمور السياسية لصالح أمراء الشام بعد اللتي واللتيا،
بدء المشروع السياسي بعد أن تمت تمهيدات فكرية كبرى على عهد
الصادقين(ع) ولعل استمر هذا الحراك نصف قرن تقريبا.
وليس هناك تضاد بين الحركة الفكرية التي قادها الإمام جعفر بن محمد
الصادق(ع) وزيد بن علي بن الحسين(ع) حيث إن الثاني لم يطرح نفسه للساحة بأنه
المرجعية العلمية إزاء مرجعية الإمام الصادق(ع) إذ ان حركته كانت في طول حركة
الإمام بخلاف الفرع الحسني الذي حاول ان يخلق من نفسه مرجعية دينية ولكن سرعان ما
تحولت إلى مرجعية سياسية ثورية وهذا التحول هو لفقدان عنصر الجانب العلمي كما يبدو
لي. وهذه نقطة فارقة بين حركة زيد الشهيد وبين حركات الحسنين. كما أن هناك نقطة
فارقة أخرى لا ينبغي إهمالها وهي أن الحركات التي خرجت من عباءة الثائر زيد الشهيد
أخذت لنفسها منحا علميا في طول الإمامة الإلهية المتمثلة بأهل البيت(ع) حيث بنوا لأنفسهم
مباني علمية وفكرية وعقيدية تقاربت إلى حد ما والمدارس الإسلامية الأخرى وأن
اشتركت والاعتقاد مع المدرسة الإمامية في الجملة. فكل ما وجد خلاف بين الإمام
الصادق(ع) أو ابناءه (ع) مع الخط الزيدي فهو خلاف أنتجته الذهنية الفقهية
الاجتهادية الزيدية لا نفس زيد الشهيد (ع) وعلى ضوء النظريات الزيدية شهدنا إمارات
ودول باسم الزيدية وبإمامة كبرائهم في بعض النواحي الإيرانية.
ذكروا أن إسماعيل بن جعفر بن محمد الصادق. بعد وفاته على أيام أبيه (ع) بسنوات
وتحديدا في 143 هجرية / 760 ميلادية/ أن أبناءه وبعض محبيه وأنصاره لم يسلموا
بموته واعتقدوا على أنه ما زال حيا. ودخلوا بصراع حول أحقية الإمامة وتم توظيف بعض
النصوص المؤيدة. واتجه أحفاد إسماعيل وتحديدا ابنه محمد إلى الهند ونظموا أنفسهم
بتنظيم محكم ودعوا لأنفسهم الإمامة. بينما ذهب علي الابن الآخر لإسماعيل إلى الشام
وكسب فيها مؤيدين ودعاة وبعدها اتجه إلى المغرب وأنشأ هناك دولة انتقلت فيما بعد
إلى مصر فكانت الدولة الفاطمية من مخرجاتها،
كانت سلطات بغداد العباسية تتوجس خيفة من الحركات المسلحة بصرف
النظر عن عناوين هذه الحركات والمسميات ومع خوفهم وتوجسهم والذاكرة الكربلائية
حاضرة في الذهنية العامة وثورة زيد ويحيى شاخصة آنذاك. تحرك الإمام بهدوء في ظل
هذا التوجس والتخوف معلنا عن نفسه كونه مرجعية دينية وليس له شغل في المجال
السياسي.
نعم" واقعة الحرة استحضرت واقعة كربلاء بكل ما تعنيه الكلمة
غير أن الإمام مضى ونهجه الذي خطه في رتبة سابقة اعتقادا منه أنه الانجح والاوفق لا
اقل والحفاظ على الجماعة المؤمنة.
وهذا ما سوف نتعرف عليه في هذه الأوراق المقتضبة إن شاء الله في
قادم الأيام.
صراع النفوذ ،
توجه فقيه المدينة سابقا. عبد الملك بن مروان ( 65 - 68 ) هجرية.
على لملمت الفوضى التي شهدتها كربلاء وما جرى فيها.
ولم يشذ الوليد ( 86 - 98 ) هجرية عن ما خطه أباه من مشروع تغييري
وسار على خطاهما سليمان ( 96 - 99 ) هجرية. وهذا المشروع كان بإشراف رجل الدين
المحترف الزهري. حيث اتفقوا على خلق إسلام جديد وما يناسب السلطة. وهذا المشروع له
جذوره على ايام معاوية بن أبى سفيان في المنطقة الشامية. بينما وسع الخليفة
المرواني من مناطق المشروع فكان انتشار القصاصين والوضاعين في أرجاء المساجد
والتجمعات الماهولة. وكل ذلك كان بإشراف مباشر من شهاب الدين الزهري.
كانت هذه ابرز معالم الخطورة التي واجهها الإمام الباقر (ع) ايام
إمامته التي امتدت زهاء العشرين سنة. ( 95 - 114 ) هجرية.
غير ان نقطة القوة التي كانت لصالح صمود الإمام الباقر (ع) امام
العملية التزيفية هو السخط الشعبي العام على ما وقع في كربلاء إذ شكلت الواقعة
الحسينية زخما عاطفيا هائلا سواء عند القواعد الموالية أو المخالفة.
وفي الجانب الآخر ومع انطلاق المشروع المرواني ثمة عمليات بين آل
أمية أنفسهم إذ الاغتيالات السياسية لم تهدأ بين الفرع المرواني والفرع السفياني.
فقد تم تصفية يزيد بن معاوية على يد المروانيين ثم أبنه. معاوية
الثاني. وهنا رد الفرع السفياني باغتيال مروان بن الحكم. وغيره ذلك من الشخصيات الأموية
تم تصفيتها لوجود صراعات زعاماتية وأسرية وسياسية وغير ذلك.
هذه مجمل الإحداثيات التي يمكن أن تساعد القارئ وفهم الخارطة التي
تحرك على ضوء مساحتها الإمام الباقر (ع)
0 تعليقات