د. محمد إبراهيم
بسيوني
تعود جذور روح
القومية المصرية إلى عصر محمد على الذى كان يخطط لتأسيس أسرة حاكمة ودولة عظمى
مستقلة، وتمثلت فى إدراكه بإنشاء جيش عصري مصري. أسس الدولة القومية حين كون جيل
من المصريين مدرك لذاته.
تبعه الخديو
إسماعيل، وبدأ يستكمل مشروع محمد على مستعينا بالأوروبيين ولكنه لم يمتلك يقظة جده
وفطنته، بإسرافه وسياسة القروض وما جرته على مصر من أزمة مالية أدت إلى التدخل
الأجنبي.
برزت في الساحة
العامة في أوائل القرن العشرين عن طريق المثقفين المصريين في أوروبا والذين تأثروا
بالحضارة والنهضة الأوروبية الحديثة ورأوا أنه يجب تبني القيم الأوروبية بما يصلح
للمجتمع المصري وهم غالبا من التيار الليبرالي وعندما سعى المصريون لتحرير أنفسهم
من الاحتلال البريطاني، مما أدى إلى صعود القومية العرقية والإقليمية لمصر والتي
اتخذت طابع علماني في ذلك الوقت، وأصبحت القومية المصرية النمط السائد للناشطين
المصريين المناهضين للاستعمار الأجنبي للدفاع عن البلاد في فترة ما قبل الحرب.
ومن أهم معالم هذا
الفكر آنذاك هو غياب العنصر العربي في القومية المصرية في مراحلها المبكرة، كانت
الدفعة المصرية سواء كانت سياسية، اقتصادية، ثقافية طوال القرن التاسع عشر تعمل
ضد، وليس من أجل التوجه العربي والقضايا العربية.
الدعوة لتبني شعار
القومية المصرية ليس دعوة لتأسيس اتجاه سياسي قومي مصري معين لكنها دعوة لجميع
التيارات والاتجاهات السياسية في المجتمع المصري للجهر بهويتنا الحقيقية دون خجل
أو مراعاة لشعور أحد أو حسابات لا تقدم ولا تؤخر وهي قبل كل شئ دعوة صريحة لكل
مصري أن يكون مصريا قولا وفعلا. كان حلم الزعيم جمال عبد الناصر والمصريين هو دولة
عربية كبرى تضمهم مع الشعوب العربية وتمتد من المحيط الى الخليج لتستطيع الوقوف
بكرامة وعزة أمام الغرب الذي إستباح البلاد العربية على مدار سنوات الاحتلال
الطويلة، غير أن الجميع أدرك بعد ذلك أن هذا الحلم الكبير لم يكن سوى مجرد وهم
أكبر، فقد توالت الأحداث الصادمة للمصريين منذ فشل الوحدة مع سوريا، مرورا بحرب
يونيو ١٩٦٧، ثم سلسلة من الأحداث التي تلت ذلك وكان على مصر خلالها أن تتحمل تبعات
دورها القيادي العربي التاريخي، وكان على المصريين طوال تلك الحقبة أن يضعوا
هويتهم المصرية في مرتبة أدنى من الغطاء العروبي الذي تهشم تقريبا تحت ضربات حروب
وصراعات عربية عربية أصاب مصر منها ما أصابها. وبعد كل هذه التجارب العروبية
المريرة باتت مصر كمحارب يصر على أن يخوض معركته ممسكا بدرع متآكل بينما إذا نظر
لحظات سيجد درعه الحقيقي الذي أثبتت الأيام والسنوات قوته وصلابته ذلك الدرع هو
القومية المصرية التي يمكنها في هذه اللحظات التاريخية العصيبة أن تصنع الغطاء
الأيديولوجي للمصريين مسلمين وأقباط بعد أن تهشم الغطاء العربي مفسحا المجال
لتيارات التطرف الديني ومهددا بإنشقاق لم يسبق له مثيل بين المصريين أنفسهم وكل ما
على المصريين الآن هو التقاط ذلك الدرع للذود عن مصر مثلما كان الحال منذ آلاف
السنين، فلا يعقل أن يخسر المصري شقيقه المصري في مقابل شعارات بالية.
0 تعليقات