محمد قاسم الطائى
أرسل معاوية في أخريات حياته مجموعة من الكتب إلى والي المدينة
سعيد بن العاص تضمنت هذه الرسائل بأخذ البيعة لابنه يزيد من أشخاص عبد الله بن
عباس والحسين بن علي وعبد الله بن جعفر وعبد الله بن الزبير .
وقد كتب معاوية إلى الحسين "ع": أما بعد، فقد انتهت إليّ
منك أمور، لم أكن أظنك بها رغبة عنها، وإن أحق الناس بالوفاء لمن أعطى بيعة من كان
مثلك، في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها، فلا تنازع إلى قطيعتك، واتقِ
الله، ولا تردن هذه الأمة في فتنة، وانظر لنفسك ودينك وأمة محمد، ولا يستخفنك
الذين لا يوقنون.
وكتب إليه الحسين" ع": قائلاً« أما بعد، فقد جاءني كتابك
تذكر فيه أنه انتهت إليك عني أمور، لم تكن تظنني بها، رغبة بي عنها، وإن الحسنات
لا يهدي لها، ولا يسدد إليها إلا الله تعالى، وأما ما ذكرت أنه رقى إليك عني،
فإنما رقاه الملاقون، المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الجمع، وكذب الغاوون
المارقون، ما أردت حرباً ولا خلافاً، وإني لأخشى لله في ترك ذلك، منك ومن حزبك،
القاسطين المحلين، حزب الظالم، وأعوان الشيطان الرجيم.
ألست قاتل حجربن عدي، وأصحابه العابدين المخبتين، الذين كانوا
يستفظعون البدع، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، فقتلتهم ظلماً وعدواناً، من
بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة، والعهود المؤكدة، جرأةً على الله واستخفافا
بعهده.
أو لست قاتل عمرو بن الحمق، الذي أخلقت وأبلت وجهه العبادة، فقتلته
من بعد ما أعطيته من العهود ما لو فهمته العصم نزلت من شعف الجبال.
أو لست المدعي زياداً في الإسلام، فزعمت أنه ابن أبي سفيان، وقد
قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الولد للفراش وللعاهر الحجر ثم سلطته على أهل
الإسلام، يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ويصلبهم على جذوع النخل، سبحان
الله يا معاوية! لكأنك لست من هذه الأمة، وليسوا منك.
أو لست قاتل الحضرمي الذي كتب إليك فيه زيادة أنه على دين علي كرم
الله وجهه، ودين علي هو دين ابن عمه صلى الله عليه [وآله] وسلم، الذي أجلسك مجلسك
الذي أنت فيه، ولولا ذلك لكان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين: رحلة الشتاء
والصيف، فوضعها الله عنكم بنا، منّة عليكم، وقلت فيما قلت: لا ترد هذه الأمة فيّ
فتنة، وإني لا أعلم لها فتنة أعظم من إمارتك عليها، وقلت فيما قلت: أنظر لنفسك
ولدينك ولأمة محمد، وإني والله ما أعرف أفضل من جهادك، فإن أفعل فإنه قربة إلى
ربي، وإن لم أفعله فأستغفر الله لديني، وأسأله التوفيق لما يحب ويرضى.
واتق الله يا معاوية، واعلم أن لله كتاباً لا يغادر صغيرة ولا
كبيرة إلّا أحصاهاً واعلم أن الله ليس بناسٍ لك قتلك بالظنة، وأخذك بالتهمة،
وإمارتك صبيا يشرب الشراب ويلعب بالكلاب، ما أراك إلّا وقد أوبقت نفسك، وأهلكت
دينك، وأضعت الرعية والسلام»[ الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري- ج١،ص١٥٥-١٥٦
تحقيق الدكتور
طه محمد الزيني ط ،القاهرة وأيضاً وردت هذه الرسالة بألفاظ متقاربة
في رجال الكشي ص٥٥-٥٦ ]
ال
وفي هذه الرسالة توجد أمور كالتالي :
الأول: هذه الرسالة توضح خلاف مبدئي حاد وبشكل حديدي متقاطع مؤداه
عدم الصلح بين معاوية والحسين" ع"بأي حال من الأحوال وخصوصاً عندما يصف الإمام
الحسين معاوية بمفردات قاسية من قبيل: « منك ومن حزبك، القاسطين المحلين، حزب
الظالم، وأعوان الشيطان الرجيم» فأي توادد ومحبة في البين .
ثانياً : لا توجد مداهنة ولا علاقة حميمية بين معاوية والحسين كما
يصور بعضهم ذلك ويضمن قوله هناك بيعة لمعاوية في عنق الحسين كما ورد الأخبار
الطوال حيث يقول معاوية لمروان : «لا تعرض للحسين في شيء؛ فقد بايعنا، وليس بناقض
بيعتنا ولا مخفر ذمتنا»
والجواب عن ذلك فقد دللت بعض المصادر التاريخية العكس من ذلك
فالحسين طيلة حياته لم يبايع قط قد روى ابن أعثم الكوفي المتوفى"٣١٤هــ"
يقول :« فأرسل معاوية إلى الحسين بن علي فدعاه إلى البيعة، فأبى الحسين أن يبايع،
فقال الحسن: يا معاوية! لا تكرهه فإنه لن يبايع أبداً أو يقتل، ولن يقتل حتى يقتل
أهل بيته، ولن يقتل أهل بيته حتى تقتل شيعته، ولن تقتل شيعته حتى يبيد أهل الشام.
قال: فسكت معاوية عن الحسين ولم يكرهه» [الفتوح ج٤،ص٢٩٢]
فبيعة الحسين "ع" من الناحية التاريخية لم تثبت صراحة
لمعاوية إلّا أن يقال المقصود بالبيعة سكوته فهذا شيء آخر سنتحدث عنه بفقه البيعة
وما المراد من البيعة السائدة .
ثالثاً : يصف الحسين "ع" معاوية أنّ وجوده فتنة لهذه
الأمة يقول« لا ترد هذه الأمة فيّ فتنة، وإني لا أعلم لها فتنة أعظم من إمارتك
عليها..إلى أن يقول وإني والله ما أعرف أفضل من جهادك، فإن أفعل فإنه قربة إلى
ربي..» ولا أدري إذا كان وجود معاوية فتنة وخراب للأمة بهذا الشكل كما يعبر الإمام
فأي معنى للمواطنة وأيّ معنى للانسجام كما يصور بعضهم ذلك .
رابعاً : مسألة العطايا والمرتبات في ذلك الزمان لا تقاس بالوقت
الحاضر والمعاصر كي يقال من استلم مرتباً أو هدية من جهةٍ كذائية يعني بالضرورة
مؤيد لتوجهاتها وبقاءها ففي ذلك الوقت لم تكن هذه الأمور تجري بهذه الطريقة؛ وإنما
مسألة الخلاف الفكري والشخصي ولو بشكلها المحدود لا يمنع مسألة العطاء وقد كان بعض
الصحابة يختلف مع الخليفة الأول والثاني لكن ذلك لا يؤدي لإيقاف العطاء لهم وإنما
مسألة طبيعية جداً بحدود ذلك الزمن وبذلك تندفع تلك الإشكاليــّة التي تقول أن
الحسين "ع" كان يستلم الجوائز من معاوية ومن ثم أدت لسكوته!
خامساً : في هذه الرسالة اظهر الإمام الحسين "ع" بوضوح
جرائم معاوية التي انتهت بتمزيق الأمة وما حل بها من شقاء وعناء وتفرق كل ذلك بسبب
هذه السياسة المنحرفة والمعوجة التي تسببت بدمار الأمة، وقتل الصحابة الأخيار
أمثال حجر بن عدي وعمر بن حمق الخزاعي وعمر بن ياسر وغيرهم من أولئك الأخيار الإجلاء
من شيعة أمير المؤمنين "ع"
والسؤال الأساسي :إذا كانت سياسة معاوية بهذه الطريقة من حيث الجور
والفساد إذن لماذا الإمام الحسين" ع"لم ينتفض وينتهض بوجه هذا الطاغية
أليس ذلك أوضح مصداق للحاكم الجائر ؟!
أجل : توجد عوامل عديدة منعت الحسين "ع" من قيام النهضة
في أيام معاوية، والحسين "ع" أعرف بزمانه وأعرف من غيره بالظرف المحيط
به سنتحدث لا حقاً عن هذه العوامل والحمد لله أولاً وآخراً .
0 تعليقات