عمر حلمي الغول
ونحن نراقب المشهد
الأميركي عشية الانتخابات الرئاسية نلحظ نقلة إيجابية في مواقف الحزب الديمقراطي
تجاه عملية السلام، واقتراب نسبي مع قرارات الشرعية الدولية. وكما ذكرت فيما سبق،
ان هذا التحول محكوم بخلفية السياسات الأميركية، ومنسجم مع محددات الدولة العميقة،
وانسجاما مع توجهات الحزب نفسه، وليس انطلاقا من أية حسابات أخرى.
ومن يلم بالسياسة
الأميركية تاريخيا، يعلم ان الإيباك ومعظم القوى المؤيدة للحركة الصهيونية ودولتها
الإستعمارية، كانوا أقرب للديمقراطيين من الجمهوريين. وحتى جو بايدن، المرشح
الرئاسي عن الحزب الديمقراطي معروف بأنه من المنحازين المتشددين لصالح الدولة
الإسرائيلية المارقة والخارجة على القانون، وتجلى ذلك باختياره للسناتورة كامالا
هاريس عن ولاية كاليفورنيا، والتي كانت منافسة له من بين المرشحين الديمقراطيين
الآخرين. وهي تتمتع بأكثر من ميزة،
أولا كونها امرأة، وهذا عامل مؤثر في الانتخابات،
حيث أشارت الاستطلاعات بتقدم بايدن في أوساط النساء بحوالي 19 نقطة عن منافسه
الجمهوري؛
وثانيا ملونة،
وتستطيع استقطاب أعداد كبيرة من الملونين، الذين أزداد عددهم بالنسبة لمجموع سكان
الولايات المتحدة؛
ثالثا كما أنها محسوبة على تيار "اليسار"
داخل الحزب، الذي اخذ نفوذه بالازدياد والأتساع داخل مؤسسات الحزب وهيئاته
القيادية وفي أوساط قاعدته الشبابية؛
رابعا كونها قاضية ومدعية عامة، ولديها رصيد
كبير في هذا الحقل، من خلال تبنيها مشاريع اقتراحات ذات صبغة "يسارية" بالنسبة
للتأمين الصحي، ومساعدة الطلاب على أكثر من مستوى وصعيد، وداعمة لحقوق المهاجرين ..
إلخ؛
خامسا والأهم أنها من
اشد المؤيدين لإسرائيل الاستعمارية، وهي داعمة للاستيطان الاستعماري، رغم أنها
عارضت سياسة الضم في الضفة الفلسطينية، وكانت من بين 23 نائبا ديمقراطيا صوتوا ضد
منظمة BDS المتبنية مقاطعة دولة إسرائيل أوائل عام 2019.
غير ان معادلات
السياسة تستدعي من القادة والمرشحين لتولي منصب الرئيس في الولايات المتحدة
التأقلم مع مجمل المتغيرات داخل أحزابهم وخارجها، والتناغم مع المزاج العام، وأيضا
قراءة المصالح الأميركية من الزوايا المغايرة مع الحزب الخصم، ومع المنافس المقابل
دون التأثير على المرتكزات الأساسية للدولة الأميركية العميقة، بالإضافة لقراءة
اللوحة العالمية واستشراف ميولها السياسية بما يحفظ مكانة ودور أميركا كقوة أولى
في العالم.
وانسجاما مع ما تقدم،
فإن المرشح الديمقراطي للرئاسة، جو بايدن تبنى سياسة أكثر توزانا، وأقرب للمنطق في
ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وجاهر بمواقفه بشكل واضح في أكثر من مناسبة
أثناء حملته الانتخابية الحالية، ومنها أولا رفضه لسياسة الضم الإسرائيلية، وتبنى
مواقف الديمقراطيين، التي عبرت عنها بيلوسي، رئيسة مجلس النواب بالقول، ان "سياسة
الضم خطر على الأمن القومي ألأميركي والإسرائيلي". وبناءً عليه، دعا حكومة
نتنياهو لوقف هذه السياسة الضارة؛
ثانيا أكد على خيار حل الدولتين على حدود الرابع
من حزيران عام 1967؛
ثالثا رفض سياسات
ترامب العقابية المجحفة والخطرة ضد القيادة والشعب الفلسطيني، وأكد، انه سيدعم
وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وسيدعم موازنة السلطة الفلسطينية، وسيفتح
الممثلية الفلسطينية في واشنطن، كما انه سيفتح القنصلية في القدس ... إلخ
وهذه المواقف لها أسبابها
الذاتية والموضوعية، منها أولا التحول الإيجابي والمتنامي في أوساط قواعد الحزب
الشبابية، التي لم تعد مرتبطة أو معنية بمفاهيم الشيوخ الديمقراطيين؛ ثانيا خروج
بعض أقطاب الحزب الديمقراطي الموالين لإسرائيل بشكل فاضح من الكونغرس، الذين كانوا
يقفون على رأس لجان التمويل والدعم العسكري للدولة المارقة، وحلول شخصيات أكثر
موضوعية؛ ثالثا وضع نتنياهو كل بيضه في سلة ترامب والحزب الجمهوري، وفي ذات الوقت
تنافر مع الحزب الديمقراطي، وهذا تجسد منذ كان بايدن نائبا للرئيس اوباما، وليس
جديدا، الأمر الذي اثر على المزاج العام في أوساط الديمقراطيين. بمعنى ان اليمين
المتطرف الصهيوني التقى وتكامل مع اليمين الأميركي، الذي يقوده ترامب ومن لف لفه،
ويكاد يكون قطع شعرة معاوية مع الحزب الديمقراطي. ولعل زيارته (نتنياهو) الأخيرة
لأميركا لتوقيع اتفاقا التطبيع مع الإمارات والبحرين مؤخرا (15/9/2020)، وعدم
لقائه مع المرشح الديمقراطي استجابة لضغوط ترامب دليل آخر على ذلك؛
رابعا تبلور نسبي للوبي العربي الإسلامي، الذي
بات دوره أكثر وضوحا في الساحة الأميركية، وارتباط ذلك بالامتداد مع الملونين
والسود عموما؛
خامسا شعور الحزب
الديمقراطي ان سياسات ترامب على المسار الفلسطيني الإسرائيلي أضرت كثيرا بالأمن
القومي الأميركي، وتساوقه وتماهيه مع خيار اليمين الصهيوني المتطرف لم يخدم بحال
من الأحوال السياسة الأميركية ولا مصالح دولة الإستعمار الإسرائيلية، حتى لو طبع
كل العرب الرسميين، الذين ايضا وضعوا بيضهم إسوة بنتنياهو في سلة ترامب، وناصبوا
الحزب الديمقراطي الجفاء. لإن الأمر من وجهة نظر الحزب الديمقراطي يتعلق بالمصالح
الحيوية الأميركية، ومستقبل الإقليم وحماية الوجود الإسرائيلي على أسس أكثر قوة
ومتانة.
لهذه العوامل تم
الإنزياح النسبي في مواقف الحزب الديمقراطي. واي كانت الخلفيات الديمقراطية، فإن
الضرورة تملي على صانع القرار الفلسطيني ان يوسع ويعمق العلاقات مع الحزب
الديمقراطي وأقطابه المركزيين وقواعده من خلال الجاليات الفلسطينية والعربية
والإسلامية والأصدقاء عموما في الساحة الأميركية للمستقبل، ووفق خطة إستراتيجية
بعيدة المدى، لا تنحصر بالانتخابات الرئاسية الحالية، لما لذلك من أهمية على مجمل
العملية السياسية في العقود القادمة.
0 تعليقات