عز الدين البغدادي
من المسائل التي طرحتها حركات الإسلام السياسي ما عرف ب
"أسلمة العلوم" وهو طرح يهدف إلى أن يثبت وجود نظرة شموليّة للإسلام،
بحيث يملك رأيا في كلّ مسألة تطرح، ولا يحتاج إلى شيء من خارجه.
وهذا بالتأكيد فهم غير دقيق، فما معنى أن تؤسلم العلوم؟ هل معنى
هذا أن تدخل مصطلحات دينية في مواضيع هي أساسا ليست دينية ولا يتناولها الدين من
قريب ولا بعيد أو أنها تصبح إسلامية؟ أو ماذا يراد من ذلك بالضبط؟
إنّ العلم هو العلم لا يمكن إلا أن تكون له أدواته الخاصة التي
يحتاجها ويعينها بحسب حاجته إليها. فهو لا ينتمي لدين، وعندما تحاول أن تجعله
كذلك، فسوف تخرجه عن مجال العلم. وظيفة العلم أن يبحث وأن يكتشف، وعندما تفرض عليه
من الخارج فسوف تتغيّر وظيفته ورسالته، ويصبح شيئا آخر اقرب إلى الأيدلوجية التي
تستعمل للتبرير لا للكشف والفهم.
هل تعني ربط العلوم الطبيعية بالقرآن الكريم مثلا؟ وادعاء أنّ
القرآن أشار إليها أو سبق في ذكرها.
إنّ هذا سيعني مثلا أن نلغي نظرية التطور والأخذ بنظرية الخلق من
أب وأم هما آدم وحواء، وبغض النظر عن صحتها أو عدم صحتها؛ فإن هذا غير ممكن لأن
المنهج المتبع في إثبات وجود شخصيتي آدم وحواء هو الإيمان، كما إن المنهج المفترض
أن يتبع لنقد نظرية دارون هو المنهج العلمي المتبع في علم الأحياء.
هل سنقوم مثلا بدعم نظرية الانفجار الكبير لكونها تدل أو أقرب إلى
فكرة الخلق؟ وهل سنترك علم النفس لكونه لا ينسجم مع رؤيتنا للروح أو للفطرة؟
إن الإشكال الأهم هو أن كثيرا من أفكارنا الدينية ليست دينا، بل هي
مفاهيم تتعلق بفهمنا للدين أو بفهم معين حدث ضمن ظرف محدد وثقافة محددة بالتأكيد.
كما إن كثيرا ممن يحسب على أهل العلم والدين يصرح بأفكار عجيبة بل مضحكة تماما،
فقد صرّح أحدهم بأنّ من يعتقد بدوران الأرض حول الشمس فهو كافر يستتاب وإلا قتل،
وهناك جدل الآن بين من يرى كروية الأرض ومن يصر على أنها مسطّحة اعتمادا على النصوص‼
وهناك من يذكر بأن الباذنجان هو أول نبات أقرّ بالولاية للإمام
علي، وأنّ الشمس أقرّت بالولاية وأنّ القمر جحد الولاية، وما إلى ذلك نحو ذلك. فهل
يصلح من يتكلّم بمثل الطرح، ومن يفكر بهذا المنهج أن ينتج معرفة أو أن يؤسلم
العلوم، وبالتأكيد سوف تنقسم العلوم بحسب المذاهب والاتجاهات‼ وحقيقة فإننا لا
نحتاج إلى أسلمة العلوم، بل نحتاج إلى العكس، وهو عقلنة منهج التفكير الديني. ويجب
أيضا أن نلتفت إلى أن لكل علم منهجه، والخلط بين العلوم موضوعا أو منهجا لن ينتج
غير فوضى لا تمت بسبب إلى هذا ولا إلى ذاك.
عموما لكي نكون منصفين فعلينا أن نذكر بأن كثيرا ممن يرفضون تدخل
الدين في العلم لكون أفكاره ومنهجه لا ترتبط بالعلم هم أيضا يحملون أفكارا لا
يستلزمها منهج العلم، وربما لا يقبل بها لكنها تفرض عليه فرضا.
0 تعليقات