محمد قاسم الطائي
البيعة تعني في اللغة: الصفقة على إيجاب البيع على المبايعة
والطاعة، والمبايعة وقد تبايعوا كقولك أصفقوا عليه وبايعه عليه مبايعة : عاهدة
[انظر : ابن منظور، لسان العرب - الجوهري، الصحاح من حرف باء مادة "بيع
" بتصرف يسير]
وبعبارة أخرى البيعة مفردة عربية مأخوذة من الجذر "ب ي
ع" بأن يصفق أحدهما بيد الآخر للدلالة على تمامية العقد، وتصافَقُوا تبايعوا،
وصَفَقَ يَده بالبيعة والبيع وعلى يده صَفْقاً ضرب بيده على يده وذلك عند وجوب
البيع وكانوا إذا بايعوا الأمير عقدوا عهده جعلوا أيديهم في يده تأكيداً للعهد،
فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري، فسمّي بيعة، مصدر باع، وصارت البيعة مصافحة
بالأيدي.
وأما من الناحية الاصطلاحية فقد اختلفت فيها الأقوال واضطربت وهي
مؤشر مدلل ومنبه على أن أصل البيعة في التراث الإسلامي محفوفة بالغموض وعدم الوضوح
وأن جملة من التعريفات والتفسيرات التي دارت حول تعريف البيعة وحجية البيعة كسبت
ذلك من خلال مواطن البيعات التي وقعت في الإسلام، وهو مصادرة كما عرفت فلا معنى أن
نستند إليها والكلام جاري بمدى مستند وقيمة هذه البيعات فهي أول الكلام كما يقولون
.
اهتمت مدرسة الصحابة بمشروعية البيعة كثيراً عندما أدرك بعضهم أن
إسقاط شرعية البيعة ينتهي بسقوط شرعية الخلفاء الأوائل ويرجع هذا الاهتمام لديهم
من سقيفة بني ساعدة، وعلى ذلك أسسوا قواعدهم الكلامية فمنهم من جعل شرعية البيعة
للخليفة تتوج بمرجعية أهل الحل والعقد وذهبت الأشاعرة أن شرعيّة البيعة تتم بواحد
ومنهم اكتفى بشخصين ومنهم من اشترط مبايعة خمسة أشخاص ..إلخ
وفي المقابل أن بعض الامامية حار في توجيه البيعة عندما اصطدم
بنصوص روائية صحيحة تتضمن الأمور التي يستحق العبد عليها دخول النار منها نكث
البيعة ومبايعة من لا يستحق البيعة في حين أن مستند شرعية الإمام هو النصوص
النقلية والدليل العقلي فكيف ذلك ؟!
من الناحية التاريخية أن مسألة البيعة كانت موجودة قبل الإسلام عند
العرب ويظهر أنها كانت سائدة لديهم في تنصيب الأمراء والزعماء، وكما يقول "
ابن خلدون " في مقدمة تأريخه بهذا الصدد "« كانوا إذا بايع الأمير جعل
أيديهم في يده تأكيداً فأشبه ذلك فعل البائع والمشتري » [مقدمة ابن خلدون ١٧٤]
يرى البعض أن البيعة شبيهة بالانتخابات بين الحاكم والشعب وكما يرى
الشيخ محمد عبده أن البيعة سبقت نظرية العقد الاجتماعي التي قال بها الفيلسوف جان
جاك روسو ولكن هذا الكلام لا قيمة علمية له . إذ أن الحديث في البيعة يدور حول
شرعية الطاعة والمعاهدة الدينية واللوازم الأخرى العالقة بذلك، نعم تحولت البيعة
فيما بعد نحو الجانب السياسي لكن حتى هذا فإن المسلمين في تلك الفترات يتعاملون مع
البيعة بمنظار ديني بحت .
عرف بعضهم البيعة أنها « نوع من العقد والمعاهدة بين المبايع من
جهة والمبايع من جهة أخرى، ومحتواها الطاعة والإتباع والدفاع عن المبايع» [تفسير
الأمثل ج١٦،ص٤٦٦]
والخلاصة : أن البيعة تعني العهد على الطاعة؛ كأنّ المبايع يعاهد
المبايع له على أنّ يسلم له النظر فيما يأمره ولا ينازعه في شيء من ذلك، ويطيعه
فيما يكلفه به .
والبيعة للمعصوم تؤكد الولاية له وإلا طاعته ثابتة بمقتضى قوله
تعالى« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ ...» ولو كانت البيعة مؤسسة لطاعة المعصوم للزم
لغوية المولى الآمر بطاعته، ولما ثبتت عصمته وإمامته من خلال دليل النقل والعقل
فيتعين بذلك أن الطاعة والولاية ثابتة له من دون حاجة للتأسيس وهي من الضروريات
الامامية؛ نعم في غير المعصوم تكون البيعة مؤسسة لولايته وطاعته فهي- كما تقدم-
عهدٌ بين المبايع والمبايع له .
وقد حصل في تأريخ الإسلام بيعات عديدة منها: بيعة العقبة الأولى
وبيعة العقبة الثانية وبيعة الرضوان وبيعة الغدير وبيعة مسلم بن عقيل وغير ذلك .
والبيعة على مراتب كما يظهر من خلال مواقف البيعات فتارة البيعة
تحصل على الأتباع فحسب وتارة البيعة تدور على الخلافة وتارة البيعة على الجهاد .
وعموماً : أن البيعة تعتبر رابطة لإظهار الوفاء والإخلاص والبقاء
على العهد والالتزام بالطاعة والولاء للمبايع وما حصل لبعض الأئمة "ع"
من هذا القبيل وإلا أصل طاعتهم ثابتة لا تحتاج للمزيد والحمد لله أولاً وآخراً .
0 تعليقات