آخر الأخبار

" الإبراهيمية" خيانة سياسية أم " كفر" جديد؟!

 

 





 

محمود جابر

 

منذ وقت ظهرت دعوة لجمع أتباع الديانات السماوية الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية) في مشترك جديد اصطلح عليه بـ " الإبراهيمية"  التى تقوم – حب الادعاء- على البحث عن نقاط الاتفاق في الأديان الثلاثة وترك القضايا الخلافية والوصول إلى مشترك عالمي.. فهل فعلا هذا كل ما فى الموضوع، أي إن الإبراهيمية تلك ما هى إلا دعوة للتسامح والإخاء ؟!


ولكن بالنظر عما كشفه السفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، إن اتفاقية السلام بين الإمارات وإسرائيل ستعرف باسم "اتفاق إبراهيم"، حيث سميت على اسم "أب الديانات الثلاث الكبرى"، المسيحية والمسلمة واليهودية، النبي إبراهيم عليه السلام، ويجسد الاسم، ديانات الدول الثلاث المشاركة فى الاتفاقية "الإسلام (الإمارات)، اليهودية  (إسرائيل)، المسيحية (الولايات المتحدة الأمريكية)، وهى الديانات السماوية الثلاث، أو المعروفة بالإبراهيمية نسبة إلى أبو الأنبياء النبي إبراهيم عليه السلام.

 

من أهدافها المعلنة التعايش بين الأديان والسلام العالمي وتعزيز القيم الإنسانية وثقافة السلام ومن أجل تحقيقها فإنهم يبتدعون تفسيرات جديدة للنصوص المقدسة وخاصة منها بعض الآيات القرآنية التي ترى فيها الصهيونية العالمية خطراً عليها.

 

إذن نحن لسنا أمام عمل ثقافى أو تنظير فكرى، ولكن نحن أمام عمل سياسي بغطاء ديني، وفكرى!!

وهذا الفعل السياسى يقصد به التطبيع مع كيان العدو الصهيونى، والتعامل معه وترك قضية فلسطين كقضية تحرر وطنى، وكقضية عربية، وكقضية إسلامية، وكقضية حق إنسانى.

 

وبشكل آخر فإن مشروع " الإبراهيمية" هو مشروع صهيونى انجيلى.. ونجد أن جامعات أمريكية مثل جامعة هارفارد وفلوريدا وغيرهما قد بدأت في الكتابة والبحث عن هذه الفكرة منذ سنوات، وبدأ تنفيذ هذا المخطط منذ عام 2013 ومحاولة تطبيقه على الأرض بدعم من اللوبيات اليهودية والمتنفذين في الولايات المتحدة الأمريكية الذين استحدثوا إدارة خاصة لذلك الغرض في وزارة الخارجية هي “إدارة الدبلوماسية الروحية”.

 

هذا المشروع أو المخطط يهدف إلى تصفية المشروع العربى وقضية فلسطين، وارتهان المنطقة لصالح إسرائيل .

 

المخطط بدأ مع بداية الألفية الحالية ويرفع شعارات براقة لا تثير الشكوك وتركز على جهود منظمات دولية ومدنية على مكافحة الفقر وتحقيق التنمية في مناطق الصراعات”.

 

أما قضية تصفية الصراعات من جذورها التى يتحدث عنها المشروع

فهو لا يعالج تصفية الصهيونية والاستلاب الإسرائيلي لفلسطين، ولكن يهدف لمزيد من الاستلاب الصهيونى لباقى أقطار المنطقة كجغرافيا، وما تبقى من الجغرافيا وهى الثقافة والدين .

 

أما مفهوم “الدبلوماسية الروحية” والتى تم من خلالها انجاز اتفاق الإمارات والبحرين مع اسرائيل وجارى البحث او الاتفاق مع دول أخرى،  فهذه الدبلوماسية التي تمثل مبادرة لتحقيق السلام العالمي عبر التقارب بين الأديان السماوية للوصول للمشترك الديني، وتنحية النصوص المختلف عليها عبر إعادة قراءة النص الديني، وترجمته عبر ما يُعرف بدبلوماسية “المسار الثاني” أو المفاوضات غير الرسمية، التي تجمع رجال الأديان الثلاثة معًا بجانب الساسة والدبلوماسيين لترجمة المشترك الديني على الأرض، ولإعطاء أصحاب الحق الأصلي الحق على الخريطة، ليكون مستقبل العالم رهن قرارات تلك الآلية التي ستكون هي أساس مركز الحكم العالمي التي ستدعمها المجتمعات المحلية عبر “أسر السلام” و”الحوار الخدمي”، أي الخدمات والمساعدات التي تُقدم لجذب أتباع يشعرون بالامتنان لأصحاب هذا الفكر، ومن ثم يصبحون أكبر الداعمين له.

 

هذا الطرح يحمل في ثناياه العديد من التساؤلات، قد يكون أبرزها:

 

-         من هم أصحاب الحق الأصلي؟!

 

-    وهل يمكن الربط بين هذا الطرح والجهود المبذولة من جانب إسرائيل للمطالبة بتعويضات من الدول العربية التي عاش داخلها اليهود قبل هجرتهم منها؟ خاصة في ظل ظهور كتابات تنادي بالحقوق التاريخية لليهود من قبل عدد من ضباط الموساد الإسرائيلي، بل وتلاقي هذا الطرح مع تأسيس جمعيات بالدول العربية ترفع شعار إحياء التراث اليهودي! هل الهدف هو تأصيل الادعاء بوجود حقوق تاريخية أصيلة في الأرض العربية؟! هذا تساؤل أطرحه على ذهن القارئ للتدبر والتأمل.

 

الأركان الأساسية للإبراهيمية



بالرجوع إلى مفهوم “الإبراهيمة” سنجد أنه يطرح عددًا من الأركان الرئيسية، أبرزها ما يلي:



محورية النبي إبراهيم باعتبار أن ذكره يحمل القبول والقدسية والتقارب، ويمثل المشترك بين الأديان.

 

وهذه المحورية كما تشمل المشتركات لابد أن تشمل الجغرافيا!!

 

وعلى الديانات الإبراهيمية أن تتحاور لتصل إلى وضع ميثاقٍ القدسية الدينية كبديل عن المقدسات الكلاسيكية، مما يمهد الأرض للميثاق لتأسيس مشترك جديد عن هذه الأديان وينحي الخلاف.

 

كما يجب الجمع بين رجال الدين والساسة والدبلوماسيين ليعملوا معًا لوضع المتفق عليه دينيًّا على الأرض، وترجمته سياسيًّا لحل الصراعات المتشابكة!!

 

كما يجب الاعتماد على آلية دبلوماسية للمفاوضات غير الرسمية (دبلوماسية المسار الثاني) كساحة لعمل وتعاون رجال الدين والساسة لمناقشة القضايا الحساسة خارج الأطر الرسمية، تمهيدًا لإعلانها لاحقًا حال الاتفاق عليها، وتمهيد الساحة للإعلان عنها رسميًّا.

 

وعلى القادة الروحيين  ان يكونوا أهم الأدوات لنشر هذا المفهوم على الأرض، وجذب المريدين والمؤمنين بالفكرة، ويتم اختيارهم بناء على معايير كثيرة، أهمها تمتعهم بالتأثير الفعلي داخل مجتمعاتهم، وتمتعهم بسمعة طيبة وعدد كبير من المريدين.

 

كما يجب تكوين “أسر السلام” وهي جماعات قاعدية تنتشر بكافة الدول والمجتمعات التي تعاني من نزاعات دينية قائمة، أو نزاعات كامنة غير واضحة على الأرض، بهدف حل الصراع والتقريب بين القيادات الإبراهيمية عبر ضمانة تطبيق الميثاق الإبراهيمي المشترك.

 

وإلى جانب ما سبق لابد من وجود“حوار خدمي” وهو أداة لجذب المريدين والمؤيدين والداعمين من المجتمعات المحلية، حيث يتم نشر الأفكار والحوار بشأنها خلال تقديم خدمات تنموية على الأرض تكفل التخلص من الفقر العالمي عبر خلق دخلٍ للأسر الفقيرة لتصبح من أصدقاء السلام العالمي.

 

وكما يجب وضع القيادات الصوفية موضعا معتبرا فى هذا المخطط لانهم الأكثر قربًا للتعامل مع الفكرة وتقريب وجهات النظر على الأرض، حيث لا يُنظر للصوفية باعتبارها مقصورة على الدين الإسلامي فقط، ولكنها تمتد إلى باقي الديانات السماوية، بل وتشتمل على الملحدين أيضًا، كبوتقة روحية قادرة على خلق المشترك والجمع بين المريدين على الأرض.

 

ولا يفوت منظرى الإبراهيمية ترك قضية البحث العلمي المستمر حول المشترك الديني وإعادة قراءة النصوص الدينية المقدسة لوضع الميثاق الإبراهيمي المقدس، ونشر الفكر وتحديثه، ورفع الوعي، وبناء الكوادر العلمية المتخصصة، ووضع خطط العمل التنفيذية لحل الصراعات.

 

هناك عدد من الكيانات العلمية الداعمة للفكرة، كالجامعات الدولية، وفي مقدمتها جامعة هارفارد ومشروعها الذي يرصد رحلة النبي إبراهيم بين عشر دول ليرسخ للفكرة بين الدول المختلفة.

 

أن السلام العالمي مدخله الأساسي هو الاستقرار بمنطقة الشرق الأوسط باعتبارها أساس استقرار العالم وفقًا لأنصار فكرة “الإبراهيمية”؛ فالشرق الأوسط هو نطاق التطبيق للمبادرة.

 

الأدوات المستخدمة لنشر الفكرة



يحدد أنصار فكرة الإبراهيمية عددًا من الأدوات الأساسية لتنفيذ هذه الفكرة، أبرزها ما يلي:

 

1- الأمم المتحدة: فقد تم ربط هذه الفكرة بأهداف التنمية المستدامة باعتبارها تهدف لمكافحة الفقر العالمي عبر الحوار الخدمي، وكذا شمول أتباع الأديان السماوية الثلاثة، أي نصف العالم، خاصة أن الأمم المتحدة تحظى بدعم النصف الآخر العلماني من العالم. وبتطبيق هذا الفكر سيتم استيعاب النصف المتدين، ومن ثم ستتحقق الأهداف التنموية المرجوة. والمتابع لمشروعات منظمات الأمم المتحدة سيلاحظ تخصيص الدعم للأنشطة التي ترفع شعار السلام العالمي و”معًا نصلي” و”الأخوة الإنسانية”.. إلخ.

 

2- المؤتمرات والقمم الدولية: من أبرز المحافل الدولية التي تمثل تطبيقًا عمليًّا هي مؤتمر دافوس، الذي تُعقد على هامشه لجنة المائة التي تهدف بدورها إلى الوصول للمشترك الإبراهيمي، والتقارب بين القيادات الروحية والسياسية وتوفير سبل الدعم الممكن.

 

3- القوى العظمى والمعسكر الغربي: ويأتي في مقدمة هذه القوى الولايات المتحدة التي بدأت بمأسسة هذا الفكر داخل مؤسساتها الرسمية في عام 2013، حيث تم إنشاء فريق عمل حول الدين والسياسة في وزارة الخارجية بقرار من “هيلاري كلينتون”، يضم 100 عضو نصفهم رجال دين من الديانات الثلاثة، يعملون جنبًا إلى جنب مع الدبلوماسيين بالوزارة. ولا يزال هذا الفريق قائمًا في ظل إدارة “ترامب”. ونشير هنا إلى أن وزير الخارجية الأمريكي “بومبيو” أشار في كلمته بالجامعة الأمريكية بالقاهرة إلى أننا جميعنا أبناء إبراهيم، ما يعكس استمرار ذات النهج بل والعمل على ترويجه. ويلاحظ أن أغلب مراكز الدبلوماسية الروحية بالعالم تحمل جنسيات محددة معظمها أمريكية، وإنجليزية، وفرنسية، وألمانية، وإسرائيلية بالأساس.

 

4- الصراعات الدينية القائمة على الأرض بين أنصار الدين الواحد، وأهمها الصراع السني-الشيعي، فهو الممهد لقبول هذا الفكر باعتبار أن سلوك أتباع الدين الواحد هو دليل على غياب التسامح داخل هذا الدين، وهو ما سينفر أتباعه، وسيجعلهم يقبلون بالمشترك الإبراهيمي.

 

5- السياحة الدينية المشتركة، خاصة أن دول المنطقة تضم جميعها مقدسات دينية تاريخية، وتعاني -في الوقت ذاته- من مشاكل اقتصادية تحتاج لتنشيط مصدر جديد يدر الدخل كالسياحة الدينية المشتركة بين الديانات الإبراهيمية.

 

6- مشروعات ريادة الأعمال التي تمثل مدخلًا لخلق دخل للأسر الفقيرة، وتحظى بقبول مجتمعي، بالنظر إلى مساهمتها في مكافحة الفقر وجذب المريدين على الأرض.

 

7- التعاونيات النسائية، باعتبارها أهم سبل تحرير المرأة بالمنطقة، خاصة التي تعاني من تهميش اقتصادي، حيث تحتل المرأة مكانة مهمة داخل هذا الفكر لأنها أساس الأسرة خاصة بمنطقة الشرق الأوسط.

 

8- التواصل مع الشباب، باعتبارهم أساس الحركة المجتمعية، وهم المستقبل، على أن يتم تدريبهم مع غيرهم من أتباع الأديان الإبراهيمية، والوصول إلى طقوس دينية جديدة مستحدثة بين الأديان الثلاثة للبدء في إقناع مجتمعاتهم بتطبيقها بالفعل داخل دور العبادة.



التداعيات والمخاطر



ينطوي هذا المشروع الفكري على عدد من التداعيات والمخاطر المهمة. أول هذه التداعيات أن انتشار فكرة “الإبراهيمية”، واتساع المؤمنين بها، ينطوي على تحول دور العبادة بالأديان الثلاثة إلى مراكز للدبلوماسية الروحية، ومن ثم ستفقد قدسيتها. وكذلك إعادة قراءة النص الديني، واستخدامه لتفسير النهج السياسي. ومثال ذلك ما تقوم به جمعية المؤرخين للسياسة الخارجية الأمريكية التي تعيد قراءة الأحداث التاريحية الأمريكية من منظور ديني يبرر كافة القرارات السياسية حتى وإن تم انتقادها بسبب عدم تمتعها بالشرعية الدولية، حيث يتم قراءة هذه القرارات باعتبارها تعبر عن أمر إلهي مقدس. ولا يقتصر الأمر هنا على تبرير الماضي، ولكنها ستمثل صكوكًا لفعل أي شيء بالمستقبل.

 

أضف إلى ذلك تداعيات انتشار وتكريس فكرة “الإبراهيمية” على القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين. وقد كانت القدس من أهم المحطات الأولى للتغيير على الأرض؛ فقد حاولت منطمة الأونروا فور وصول “ترامب” إلى السلطة حذف عبارة “القدس عاصمة فلسطين” من المقررات الدراسية للصف الأول إلى الرابع الابتدائي بمدارسها لتحل محلها عبارة “القدس المدينة الإبراهيمية”، كمحاولة لتغيير وتغييب هوية الأطفال خلال مرحلة التشكيل ليكونوا نواة التطبيق للمخطط المستقبلي. أيضًا كان من أبرز تجليات “الحوار الخدمي” تطهير غور الأردن من الألغام باعتباره أحد مقاصد السياحة الدينية الإبراهيمية المشتركة. كذلك فإن الحديث عن “مفهوم أصحاب الحق الأصلي” دون تحديد هويتهم، يفتح المجال أمام إصدار خرائط عن وزارة الخارجية الإسرائيلية تتحدث عن حقوق تاريخية لليهود في الدول العربية، خاصة في شبه الجزيرة العربية فى مناطق تشمل اليمن والسعودية والبحرين والكويت والعراق وسوريا ولبنان .

 

وهذا ما يجعل الإيمان بفكرة الإبراهيمية إن لم يكن خيانة للوطن فهى كفر بالدين .

 

إرسال تعليق

7 تعليقات

  1. انها اداة تطبيعية جديدة لمحو الهوية العربية والاسلامية

    ردحذف
  2. ستظل الفلسطين قضيتنا

    ردحذف
  3. من المعيب جداً ان ألا يشير كاتب المقال للدكتورة هبة جمال الدين "أول من كتب في هذا الموضوع في الوطن العربي"، خصوصاً أن معظم اجزاء المقال منقولة حرفياً من كتاباتها. شيء مزعج وغير احترافي، هذه سرقة أدبيّة وعلى كاتب المقال الإعتذار عن هذا الفعل المشين!

    ردحذف
    الردود
    1. ممكن الاشارة الى الاجزاء التى وردت فى المقال ومنقوله حرفيا ؟

      ومع تقدير الموقع للدكتوره هبه وما قدمته ولكن هل يجب ان يشر المقال اليها ؟ فالمقال لم يقل انه مبتكر التنظير حول القضية ولم يشر الى غيرها ؟

      حذف
  4. الأمانة تقتضى الإشارة والذكر لأول من تناولت الفكرة والموضوع بالبحث والتنقيب والعرض والشرح وهى د. هبة جمال الدين أستاذة العلوم السياسية والمدرس بالمعهد القومى للتخطيط. عيب كده.

    ردحذف
    الردود
    1. استاذه دودى الكاتب لم يدعى انه صاحب الفكرة ولم يشر الى احد كتب عن الموضوع فعدم الاشارة ابدا ليس تقليلا من جهد الدكتورة وما تقدمه من جهد فى القضية

      حذف
    2. https://nilemessage.blogspot.com/2020/06/blog-post_799.html

      هذا المقال سبق ان نشره الموقع للدكتور وهناك موضوعات متعددة لها هنا

      حذف