علي الأصولي
نصت الأدبيات والعقائد الإمامية الآثنى عشرية، على ضرورة وجود
الحجة - ظاهرا كان أو مستورا - وهذه المقولة تفيد بالبداية أن الأرض لا تخلو من
نبي أو إمام في كل زمان من الأزمنة،
ويرجع هذه التأصيل العقدي بناء على نصوص قرآنية مؤولة ونصوص روائية
صريحة، حتى اشتهرت مقولة - لولا وجود الحجة لساخت الأرض بأهلها –
ومعنى ساخ: أي غاص. وساخت أي انخسفت وساخ في الأرض أي دخل فيها -
كما يدخل ماء المطر في الأرض –
وللإمام الباقر (ع) توضيح وهذا المعنى، بمفاد - لو أن الإمام رفع
من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله - وكيف كان: ساخت كناية عن
الهلاك والفناء.
ولك أن تسأل عن السبب بين الرفع - رفع الحجة - والفناء أو الهلاك،
حتى يتم توجيه المعنى الدلالي للنص.
فقد روي عنهم (ع) لو بقيت الأرض يوما واحدا بلا إمام لساخت الأرض
بأهلها، ولعذبهم الله بأشد عذابه. أن الله تبارك وتعالى جعلنا حجة في أرضه وأمانا
في الأرض لأهل الأرض، لن يزالوا بأمان من أن تسيخ بهم الأرض ما دمنا بين أظهرهم.
فإذا أراد الله أن يهلكهم ثم لا يمهلهم ولا ينظرهم، ذهب بنا من بينهم ورفعنا إليه،
ثم يفعل الله ما يشاء وأحب - إكمال الدين.
وربط زوال الحجة بنزول الهلاك والفناء يمكن فهمه من خلال قوله
تعالى ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) الأنفال ٣٣.
وأنت يا محمد (ص) بلحاظ كونك الحجة بل كل من دخل تحت عنوان الحجية
برتبة أقل من النبوة الرسالية كما هي ثابتة للرسول الأعظم(ص) فهو مشمول بهذه
الكرامة ( وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم ) وهذا مما يعززه قوله (ص) - أن النجوم
أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما
يكرهون، وإذا ذهب أهل بيتي أنى أهل الأرض ما يكرهون - علل الشرائع.
قد يقال: لو عرضنا هذه الأحاديث على النص القرآني لوجدنا فيها نوع
تضاد وهذا المدعى!
مثلا قوله تعالى ( لتنذر قوما ما أنذر أباهم فهم غافلون ) دالا على
خلاف هذه المقولة.
بتقريب، حمل كلمة (ما) على النفي كما هو ظاهر النص إذ ليست مصدرية
أو نكرة موصوفة أو زائدة. ولازم ذلك خروج بعض الأقوام عن حجية الحجة في زمن ما بعد
ثبوت وجوده في ذلك الزمن!
بتعبير آخر: أن دلالة (ما) نافية. وقرينة النفي ( فهم غافلون)
فالمتحصل عدم الإنذار قبل الإرسال ( وأن كنت من قبله لمن الغافلين ) فإن صح وصف
النبي(ص) الغفلة فوصف غير يكون من باب أولى.
وكيف ما اتفق: وبناء على هذا الفهم يمكن أن يقال بوجود حقبة أو حقب
تاريخية خالية من وجود - الحجة – انتهى.
إن إشكال الفهم أعلاه بتفسير كلمة (ما) كما هو ملاحظ إذ وصفت بأنها
ليست نافية ولا نكرة موصوفة ولا زائدة.
فإذا فسرنا هذه الكلمة سقط الإشكال المتصور.
فيرد عليه: أن لفظ كلمة (ما) هي اسم موصول ومعناه ( الذي) أي لتنذر
قوما الذين انذر أبائهم ومع ذلك الإنذار ما زالوا في غفلتهم.
وكيف كان: لا عقاب بلا بيان وإلا فهو قبيح عليه تعالى، والبيان
يتحقق بوجود المنذر وهو ما نسميه - بالحجة –
أن قلت: أننا نسلم بهذا المعنى ولكن كيف توفق بين ضرورة وجود -
الحجة - وبين غيبته فهذه المعاني متنافية!
قلنا: أن الوجود ضد العدم فضرورة وجود الحجة يعني ضرورة عدم
الإيمان والاعتقاد بعدمه.
فإن تحصل الوجود كان بها سواء كان وجودا - ظاهرا أو مستورا - المهم
ليس بمعدوم ولنا في قصة يوسف (ع) خير شاهد وبرهان، إذ أنه - حجة - سواء كان في
سجنه أو في عرشه.
والخلاصة: أن ضرورة وجود - الحجة - ضرورة يمكن تسميتها بالضرورة
الكونية كما أن وجود الملائكة المدبرة لشؤونات أرضية ضرورة كونية. وبالتالي وجود
الإمام لحكمة إعلائية راجعة بالفائدة للناس بل لعالم الإمكان ككل.
إذن: نحن نعتقد بأن وجود الإنسان الكامل كفيل بضبط كبرى التوازنات
الطبيعية بل والبشرية وأن فقد شخصه والى الله تصير الأمور.
0 تعليقات