عز الدين البغدادي
أرسل إلي أحد الأخوة قبل فترة تسجيلا
لإمام مسجد يدعو الإمام المهدي أن يغفر له، وعندما استفسر منه عن مشروعية ذلك قال
له:
لا مشكلة في ذلك لأنه ليس علة مستقلة، فأنا
لم أطلب منه أن يغفر لي مستقلا، بل لكونه يقع سببا تحت العلة الأولى (الله تعالى).
وقد سألني عن ذلك، فقلت له: هناك من
يجدّد مبررا لكل شيء، رغم أن النصوص الدينية لا تساعد عليه.
فمثلا تجد هناك من يدعو الأئمة،
ويستعين بهم ويطلب منهم الرزق والنصر، فإذا سألته عن وجه ذلك أو أنكرت عليه قال
لك: بأنّه لا ينازع في كون هذا الأمر لله، لكن من الممكن أن تجتمع علتان طوليتان.
بتعبير آخر: إنّ من الممكن أن نسبب شفاء المريض إلى الله وأيضا إلى الطبيب، ولا
مشكلة في ذلك لأنّ علية الطبيب ليست مستقلة بل هي متضمنة في العلة الأخرى وهو
الله، ويقال بأنّ علية الطبيب تقع في طول علية الله..
أما إذا قلنا بأن الطبيب علة مستقلة،
فإن هذا يعني أنه علة في عَرَض عليّة الله، وهذا ممنوع لأنه سيكون مثل الله تعالى
في العلية.
والحديث عن دخول العلل بعضها تحت بعض
فيما يعرف خصوص العلة الطولية صحيح، كما تجد في قوله تعالى: ( الله يتوفى الأنفس)
وقال: ( يتوفاكم ملك الموت ) وقال: (حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا )، فهنا
أسند فعل الوفاة الى الله مرة ثم إلى ملك الموت ثم إلى الملائكة، دون أن يكون هناك
تناقض، لأنها علل طولية يقع بعضها تحت بعض.
إلا أن هذا غير صحيح هنا، بل هو نوع من
التبرير المعروف عند الغلاة الّذي لا يقوم بغير التفاف لفظي على الحقائق وحسب. فإن
العلة الطولية وإن لم تكن مستقلة فعلا إلا أنّه ليس كل شيء يمكن أن يكون علة تقع
في طول عليّة الله، بل لا يدخل إلا ما له دخل في تحقٌّق المعلول. فمثلا لو قلت
بأنّ الطبيب علة للشفاء لأمكن تصور ذلك وقبوله لأن له دخلا في تحقق ذلك فعلا، لكن
لا يمكن إدخال النبي أو الإمام أو الفلاح أو الكاتب بصفاتهم تلك، لأنها صفات لا
دخل لها بتحقق النتيجة.
بينما لو قلت بأنّي اهتديت بفلان سواء
كان نبيا أو من دونه، وكان له دخل في ذلك لأمكن قبول ذلك لوقوعه في سلسلة العلل.
أما إذا لم يكن بحسب طبيعته داخلا فيها، فإن هذا التعليل لا معنى له ولا نفع فيه.
ومن هذا يتبين كذب هذه الدعوى، وعدم
انسجامها مع العقيدة ولا مع منطق الأشياء وطبيعتها.
0 تعليقات