آخر الأخبار

من وحى وواقعة القطار وسيدته

 

 


 

بهاء الدين عياد

 

 

قبل عدة سنوات كنت اسكن بجوار بعض الأماكن التابعة للقوات المسلحة.. فكنت معتاد مصادفة الجنود والضباط في طريقي وبجوار منزلي.. ذات يوم نجدني عسكري مجند بعدما أغلق باب الشقة فجأة وأنا خارجها، نتيجة تيار هواء قوي قادم من الشرفة المفتوحة بينما كان ابني صغيرا بالداخل يصرخ... فما كان من الجندي البطل إلا المساعدة الفورية عبر تسلق دورين للدخول من الشرفة وفتح الباب، رفضت في البداية خوفا ان يصيبه مكروه او يتعرض لسين وجيم بسببي.. قال: "متخافش إحنا صاعقة يا باشا" عرضت عليه مكافأة بمبلغ مالي ورفض.. قابلته مرة أخرى وأهديته بعض علب السجائر المستوردة وقبلها بعد إلحاح.



ما اذكره أيضا قبل بضعة أيام فقط وفي واقعة شبيهة بقصة القطار تتعلق بالأجرة أيضا .. ركبت باص صغير من منتصف طريق سفر محازي لساحل البحر الأحمر.. حيث يفترض ان اركب مسافة صغيرة ولم يكن معي كثير من الكاش.. كان بعض الركاب من أفراد القوات المسلحة برتبة ملازم وتقريبا مجندين كضباط احتياط ذاهبين إلى حيث يحرسون الحدود و الثغور.. وأمام محاولات السائق استغلالي لدفع أجرة مضاعفة وأمام رفضي المتردد نتيجة عدم خبرتي بهذا الطريق وأمام سلبية الركاب الذين عاملهم السائق فردا فردا وكأنه يمن عليهم بإنقاذهم من الانتظار طويلا بالطريق .. تدخل أحد الضباط فقط بشهادة حق وأعاد السائق بعض المال...



هناك عشرات المواقف اليومية التي تصادف فيها رد الجميل لهؤلاء الأبطال .. أو على الأقل التصرف بتلقائية إنسانية من جانبي.. ولا داعي لذكرها..



من المفيد إبراز النماذج الطيبة.. لكن تقديري ان هناك نماذج أروع بكثير من الواقعة الشهيرة.. نماذج نحكيها بيننا ولا تصل إلى السوشيال ميديا.. أمثلة كثيرة أراها يوميا وتحدث معي شخصيا لكن لا انتبه لها ولا أتنبه لروايتها..



اعتقد أننا كمدنيين ومجتمع مدني بحاجة إلى تنظيم زيارات دورية مستمرة لمصابي القوات المسلحة في عمليات مكافحة الإرهاب، وان تخصص صروح المستشفيات العسكرية يوم معين مفتوح لزيارة أبطال مصر شهريا... مثل هذه الأفكار او غيرها يمكن أن تكون مفيدة أكثر من أفكار استثمار اللقطة من جانب "المعلنين" السياسيين والتجاريين كما شاهدنا في وقائع إنسانية كثيرة يتم تحويل رموزها لأدوات دعائية او إعلانية بحتة لصاحب سلعة أو مصنع أو محل تجاري او حزبي.. فهذا الأسلوب "التسويقي" يتحول إلى "تسويئي" يخصم من رمزية النموذج ويضع الأمر برمته في إطار التفسير "الاصطناعي التآمري التمثيلي" .. رغم ان أغلبها مواقف حقيقية ومعتادة وتلقائية تماما لدرجة أننا ننساها بعد وقوعها، وحتى ما يظهر منها الميديا سينسى بعد حين أو يفقد معناه سريعا بالمبالغة في استغلاله.

 

إرسال تعليق

0 تعليقات