آخر الأخبار

مصر التى لم نعرفها والقرآن الذي لم نقرأه (8)

 

 





 

محمود جابر

 

لما أرسل الله موسى إلى فرعون ؟

 

أرسل الله تعالى موسى إلى فرعون بمطلب واحد ووحيد وهو أن ينهى التحالف بين العماليق والأعراب وبني إسرائيل هذا التحالف القائم على العدوان والاستيلاء، ويسمح فرعون لبنى إسرائيل بالخروج من مصر وفى هذا يقول القرآن (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) 47 طه.

وقال تعالى (وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ۝ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ ۝ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ۝ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسَانـِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ ۝ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ۝ قَالَ كَلا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ ۝ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ۝ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ۝ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ۝ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ۝ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ۝ فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ۝ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [سورة الشعراء:10-22].

 

فالآيات تتحدث عن طلب واحد، ولو كان فرعون ملك مصر وليس من الهكسوس لرحب بخروج المستعمرين من بنى إسرائيل، ولكن فرعون نظر للملأ من بنى إسرائيل – تحالف الحكم – وقال لهم (قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ) الشعراء.

فموسى لا يريد إخراج المصريين ولكنه يريد إخراج بنى إسرائيل، ولان اى مستعمر يرى أن الأرض التى استعمرها ملك له فقال له فرعون (قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَىٰ) 57 طه .

فموسى لا يستهدف إخراج احد سوى بنى إسرائيل كما هو واضح فى الطلب وفى خطابه لفرعون، ولكن فرعون يشاور الملأ ثم يقول لموسى تريد أن تخرجنا من أرضنا فهل كان موسى يكلم فرعون مصرى ؟!! والملأ من المصريين أم إنهم جميعا من الهكسوس المستعمرين ؟!!

القرآن لا يتحدث ف قصة موسى عن مصر – كاملة – ولكن يتحدث مدينة وأهلها، أى المدينة المحتلة فى إطراف مصر  قال تعالى (إِنَّ هَٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا) 123 الأعراف .

 

ومن قبل جاءت الآيات بقوله (وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا) 15 القصص. ومثلها قوله تعالى (وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ قَالَ يَا مُوسَىٰ ) 20 القصص .

 

موسى يذهب الى فرعون يطلب خروج بنى اسرائيل، وفرعون يغضب ويرفض فهل يرفض حاكم بلده محتل خروج المحتلين، سوف يقول قائل ان فرعون يستعبدهم فى البناء والتشييد، ولكن يا صديقى فرعون كان يقتل الرجال ويستحى النساء ويقتل الأطفال، فلو كان فرعون يستخدمهم فى البناء لاستحى الرجال فى العمل والسخرة وابقى النساء حتى ينجبن للحفاظ على القوة العاملة من العبيد .

ولكن ربما نجد ضالتنا فى التوراة ونصوصها والتى تقول ان نظام العبودية جرى فى عهد يوسف وهذا واضح فى سفر التكوين الإصحاح السابع والأربعون من 13: 20 :

 

13 ولم يكن خبز في كل الأرض، لان الجوع كان شديدا جدا. فخورت أرض مصر وأرض كنعان من أجل الجوع



14 فجمع يوسف كل الفضة الموجودة في أرض مصر وفي أرض كنعان بالقمح الذي اشتروا، وجاء يوسف بالفضة إلى بيت فرعون



15 فلما فرغت الفضة من أرض مصر ومن أرض كنعان أتى جميع المصريين إلى يوسف قائلين: أعطنا خبزا، فلماذا نموت قدامك ؟ لان ليس فضة أيضا

16 فقال يوسف: هاتوا مواشيكم فأعطيكم بمواشيكم، إن لم يكن فضة أيضا



17 فجاءوا بمواشيهم إلى يوسف، فأعطاهم يوسف خبزا بالخيل وبمواشي الغنم والبقر وبالحمير. فقاتهم بالخبز تلك السنة بدل جميع مواشيهم

18 ولما تمت تلك السنة أتوا إليه في السنة الثانية وقالوا له: لا نخفي عن سيدي أنه إذ قد فرغت الفضة، ومواشي البهائم عند سيدي، لم يبق قدام سيدي إلا أجسادنا وأرضنا



19 لماذا نموت أمام عينيك نحن وأرضنا جميعا ؟ اشترنا وأرضنا بالخبز، فنصير نحن وأرضنا عبيدا لفرعون، وأعط بذارا لنحيا ولا نموت ولا تصير أرضنا قفرا



20 فاشترى يوسف كل أرض مصر لفرعون، إذ باع المصريون كل واحد حقله، لان الجوع اشتد عليهم . فصارت الارض لفرعون



21 وأما الشعب فنقلهم إلى المدن من أقصى حد مصر إلى أقصاه.


وهذه هى بداية قصة عبودية العبرانيين لفرعون زمن يوسف، ولم يقى سوى بنى إسرائيل خارج منظومة العبودية، ولكن بعد ذلك تغيرت وأصبح العبرانيين جميعا عبيد لفرعون بل يعبدونه وفقا لما جاء فى القرآن قال تعالى (  ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (45) إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (46) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ) المؤمنون .

 

ومثلها فى الشعراء قال تعالى (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ) 22 .

هذا السلوك اليهودى البحت واستغلال حاجات الناس واستعبادهم هو سلوك يهودى نعرف منهم طوال التاريخ وفى كل الحضارات والدول .

ولكن ما هى قصة المدينة التى تناولتها الآيات والتى كان يعيش فيها فرعون وموسى وكل بنى إسرائيل ؟

 

من المعروف أن مملكة او المدينة التى بناها الهكسوس عرفت باسم " أواريس"، وهذا الاسم اليونانى لكلمة " هواره" حيث الألف ينطق همزة فى العربية، وفى المصرية القديمة تنطق " ح ت – و ع رت " اى المدينة المتطرفة أو البعيدة .

 

وهواره هو اسم عربى واصله " حواره" ويأتي من الإحاطة أو المكان المحاط بالسور ومنها كلمة " حارة" وهناك مدن صغيرة فى المنطقة العربية عرفت بـ " الحيرة"، و" حوران"، وحيران، وقد تم تحوير الحاء الى الهاء نظرا لان مخرجهم واحد، ولما خرج الهكسوس من مصر بنو فى ارض الشام مدينة بنفس الاسم "هوراه" والتى تحورت اسمها الى " هورشليم" اى مدينة الإله أو مدينة السلام .

ومن وقتها أصبح المصريين يسمون المدن البعيدة ب"  هواره" وسكانها البدو بنفس الاسم " هواره" .

 

إذا هواراه أو اورايس او المدينة بالتعبير القرآني هى تلك المدينة التى شهدت الوقائع منذ يوسف الى خروج بنى إسرائيل وهى نفس المدينة التى استردها رمسيس وأعاد اسمها القديم ب " رعمسيس" والتى سمتها التوراة بلاد صوعن .

والتوراة تنص على ان هذه المنطقة كانت تسمى صوعن أو رعمسيس بنص سفر التكوين الإصحاح الحادي عشر، وهذه المنطقة تقع ما بين مدينة فاقوس بالشرقية ومدينة الحسينية، وقد توصلت الكشوف الأثرية لمنطقة تل اليهودية ووجد بها اوانى فخارية وسواتر ترابية دليل على السور الذى كان يحيط بالمدينة.

 

وهى المدينة التى دخلها بنو اسرائيل – يعقوب – فى زمن المجاعة حين اوصاهم (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ) 67 يوسف .. إن نصيحة الاب – يعقوب – لا تدل على ان أبنائه ذاهبون لدخول دولة كمصر ولكنهم سيدخلون مدينة يعرفون أهلها وكذلك أهل المدينة يعرفونهم ولهذا أوصاهم ان يدخلوا من أبواب متفرقة فلو كانوا بنى يعقوب غرباء عن أهل المدينة التى يسكنها الأعراب والعبرانيين والعماليق وهم يعرفون جيد يعقوب وابناءه وهم جزء منهم .

ولهذا القرىن يصف هذا المدينة فى بداية عصر يوسف بأنها مدينة صغيرة أو ( قرية) وهو وصف دقيق يقول تعالى (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا) 82 يوسف .

فالقرآن واضح فى حديثه عن قرية أو مدينة لبدو وأعراب، يعيشون بنفس عاداتهم مدينة ليس فيها عظمة المعابد المصرية ولا البناء الملكى العظيم ملكها يخالط الناس ويشرب فى إناء مثلهم وقد سرق منه الإناء ( الصواع)، والعقوبات التى توقع على المخالفين من أمثلة الصلب والرجم، ومدينة فيها بعير ( الجمال) ولم يثبت أي رسم على المعابد المصرية القديمة لجمل أو ناقة ولم يعرف المصرين عقوبات من قبيل الرجم أو الصلب .

 

والمدينة التى يتحدث عنها القرآن هى الاسم الذى استحدثه تحالف النبى مع اليهود فى يثرب حينما أصبح النبى حاكما ليثرب متحالفا مع يهودها .

فذهنية العقل العربى واليهودي يسمى كل حاضره ( مدينة) 


وللحديث بقية .

 

 

مصر التى لم نعرفها والقرآن الذى لم نقرأه (7)

 

 

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات