عمر حلمي الغول
درون متسا، رجل
المخابرات الإسرائيلية السابق، والباحث في قضايا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أصر
ان يدلي بدلوه في صحيفة حليف نتيناهو الفاسد، ادلسون، أي "يسرائيل هيوم"
بشأن التطبيع المجاني الإماراتي البحريني يوم الإُثنين الماضي الموافق 14/9/2020
فكتب تحت عنوان "الوصايا العشرة لإتفاقيات السلام الجديدة" مستخلصا عشرة
"وصايا"، وهي ليست وصايا، بل هي من وجهة نظري عشرة حقائق أو مخرجات من الإتفاقات
الهزلية والذليلة. ومن يقرأها بتمعن يجد انها سطحية وفاقدة الأهلية، وتكشف عن
سذاجة وخواء وإفلاس رجال المخابرات الإسرائيليين، الذين يدعون انهم "الأفضل"
في العالم، وسابدأ الرد على مخرجاته من النهاية، التي تبدو للمراقب والمتابع، انها
تلامس الموضوع، رغم ضحالتها.
يقول في العاشرة:
"لقد فوتت الساحة الفلسطينية القطار مرة أخرى. هذا مسمسار آخر في نعش أماني
الفلسطينيين". وهذا المخرج عقيم، وبضاعة قديمة ومردودة عليه وعلى نتنياهو
وحكومته وعلى إدارة ترامب الأميركية . لان القيادة الفلسطينية لم تفوت الفرصة
نهائيا، وتمسكت بخيار السلام منذ أعلنت في دورة المجلس الوطني ال19 عام 1988 عن
قبولها بالتسوية السياسية على أساس قرارات الشرعية الدولية 242 و338 والقبول
بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/ يونيو 1967 وعاصمتها القدس
الشرقية. ثم انخرطت في مؤتمر مدريد 1991، ومن ثم ولجت مسار اتفاقية أوسلو ووقعت
عليها في ايلول / سبتمبر 1993 في البيت الأبيض مع اسحق رابين وشمعون بيرس وتحت
رعاية الرئيس بيل كلينتون، وحتى الآن تواصل التمسك بخيار السلام على ارضية حل
الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967. لكن الذي أنقلب على أوسلو، وقرارات
الشرعية الدولية هما اليمين الصهيوني المتطرف بمشتقاته كلها من الحريديم
والعلمانيين، وقاد عملية التخريب الفاسد نتنياهو، الذي إستولى على السلطة بالنصب والاحتيال
والترهيب والترغيب والفهلوة، ووقف خلفه ترامب وعصابته الصهيونية.
وجاء في الوصية
التاسعة: " ... فالفكر اليساري الكلاسيكي حول الصلة بين حل المسألة
الفلسطينية وبين السلام والتطبيع مع العالم العربي انهار تماما (بعد ان انهارت قبل
ذلك فكرة "الدولتين" على أساس فكر سايكس بيكو)." رغم أنها قد تكون
من المخارج المقبولة، إلا أنها جانبت الصواب لجهة، أن الانهيار في مبنى المؤسسة
الرسمية العربية، والانقلاب على مبادرة السلام العربية ومقررات القمم العربية
والإسلامية، لم يسقط، ولم يلغ نهائيا حقيقة راسخة، انه دون الحل السياسي للمسألة
الفلسطينية على أساس خيار حل الدولتين، لا يمكن ان يكون هناك سلام، ولن تتغير
معادلة الصراع. وتمسك ما يسمى ب"اليسار" الإسرائيلي وقبلها كل أنصار
السلام في العالم وعلى رأسهم القيادة الفلسطينية بخيار حل الدولتين على حدود الرابع
من حزيران 1967، كان وسيبقى الناظم لعملية السلام، ولاستقرار المنطقة. لان ذهاب
محمد بن زايد وحمد بن عيسى وكل من والاهم ولف لفهم، لن يغيروا مجرى الصراع، وسيكون
مصيرهم أسوأ من مصير نتنياهو وترامب في المدى المنظور.
أما الوصية الثامنة،
فتقول: "السقف الزجاجي الفلسطيني الذي كان قائما منذ عقود عديدة تحطم تماما،
وقطعت المسألة الفلسطينية تماما عن المسألة العربية." وهي بقدر ما أصابت جزء
من الحقيقة في الجانب الرسمي العربي، بقدر ما تعامت عن رؤية الجانب الآخر من
الحقيقة الراسخة في الوجدان الشعبي العربي. وهذا ما عكسته كل من CNN
وBBC وغيرها من الفضائيات، التي أجرت عددا من استطلاعات الرأي في
الأوساط الجماهيرية العربية لاستشراف قابليتها للتطبيع من حيث المبدأ مع إسرائيل الاستعمارية،
كانت النتيجة تتراوح بين 91% و71%، اي بمعدل وسطي يتجاوز ال80% ترفض ذلك التطبيع،
وهو ما يكشف جهل دورون بالمشهد العربي عموما.
وتضمنت الوصية
السادسة استنتاج عن تغير الإستقطابات والتحالفات في دول الإقليم، وهي من حيث
المبدأ اقرب للمنطق. لإن عرب التطبيع المجاني الخياني، ومن معهم إنقلبوا على
مرتكزات السياسة العربية الرسمية. نعم إيران وتركيا تشكلان خطرا على الأمن القومي العربي، لكن اس وجذر
التخريب والتهديد للإمن القومي العربي كان وسيبقى، هو العدو الصهيو اميركي ومن
تورط معهم في مشروع صفقة القرن المشؤومة وترويج النظرية الإبراهيمية الكاذبة
والإستعمارية.
واستخلص في الوصية
الخامسة انحراف اتفاقيات السلام مع العالم العربي عن مسارها السياسي، واتجاهها نحو
المضمون الاقتصادي (اقتصادي تكنولوجي)، وهذا الإستنتاج ساذج، ولا يميز بين الأصل
والفرع، وبين صاحب القضية وعرب الهوامش من اهل الأنظمة، الذين لن يغيروا شيئا، إنما
هم الذين سيتغيروا، وباتوا تحت رحمة شعوبهم. وسيبقى الصراع السياسي، وحل الدولتين
هو الأساس الناظم لعملية السلام، او الذهاب لحل الدولة الواحدة وعلى أساس المساواة
الكاملة.
والوصية الرابعة حملت
تأكيد على دور ومكانة إسرائيل في الأوساط الرسمية العربية، غير ان ذلك، كما أشرت
لم يغير شيئا في المزاج الشعبي العربي، رغم كل التعقيدات والحروب البينية العربية
العربية، والتدخلات الإقليمية الإيرانية والتركية، لإن الشعوب العربية ونخبها
وقواها الحية صاحبة القول الفصل، وليس الأنظمة الرسمية، التي تمارس البطش على
جماهيرها لتقبل ما قبلته من إذعان واستسلام رخيص، لكنها فشلت، وستفشل في تغيير
المزاج الشعبي العربي.
وأما ما حملته
الوصايا الثلاثة الأولى من استنتاجات، لا يبعد كثيرا عما تم التعرض له، فمثلا في
الأولى يعتبر، ما حصل "ليس اقل من ثورة عظيمة تمر بالشرق ألوسط." لإنه
يرى ان حقبة "اتفاقية سايكس بيكو انتهت، وحل محلها "صفقة العار الترامبية"
بمدلولاتها الفكرية والجيو بولتيكية. وهذا الاستنتاج له ما يشير لوجوده شكليا. لكن
ما لم يراه الباحث المخابراتي، ان الاستنتاج توقف عند اللحظة الراهنة، اي لحظة
التوقيع على إتفاقيتي التطبيع المجاني، ولم يحاول استشراف المستقبل المنظور للصفقة
ولمكانة نتنياهو ولا للتحولات الدراماتيكية التي سيشهدها النظام الرسمي العربي،
ولا النظام العالمي برمته.
وفي الثانية يحاول ان
يشير إلى سقوط مكانة الفكر القومي العربي، والغرق في متاهة السياسة النفعية
الوظيفية. وهذا ينطبق عليه ما ذكر في أكثر من توصية، بمعنى انه قراءة خاطئة ومبتسرة
وسطحية. لان القومية كانت وستبقى الأساس الناظم لكل العمليات السياسية والاجتماعية
والثقافية في الوطن العربي.
وفي الثالثة يعود
لنغمة أولوية الاقتصاد على السياسة. وتم معالجة هذا المخرج الخاطىء. وإسرائيل ان
لم تعد لرشدها، وتقبل بخيار السلام على أساس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من
حزيران 1967، فلن يكون مصيرها أفضل حالا من الممالك اليهودية السابقة في التاريخ
القديم. إسرائيل دولة طارئة، ولا تقبل القسمة على شعوب المنطقة إلآ بمقدار قبولها
لخيار السلام. ولكن في حال بقيت تتصرف بعنجهية وغطرسة وعنصرية، ,أصرت على خيارها الاستعماري،
فلن تنفعها إدارة ترامب ولا اي إدارة أميركية على شاكلة الإدارة الأفنجليكانية
المتصهينة.
0 تعليقات