عز الدين البغدادي
في كل المذاهب والمدارس الإسلامية الفقهية أو الكلامية تجد أشخاصا
متطرفين يرفضون من يختلف معهم في أي شيء، فيما تجد أشخاصا يبحثون عما يجمع ولا
يفرق. تجد من أهل السنة من يكفر الشيعة والجهمية والمعتزلة بل ويكفر من شكّ في
كفرهم، وتجد منهم من لا يرضى بذلك ويرى أن كلمة الإسلام وشهادة الشهادتين جامعة
وكافية.
وفي هذا الزمن تجد أيضا من يبحث (بحجة نقد التراث) عن رواية أو
حديث ويعطيه أكثر من حجمه، ويترك الروايات التي تخالفه وتعارضه بغير منهج حقيقي
لأن من يبتغي الفتنة لا يطرح وفق منهج حقيقي، قهو يأخذ من الحديث ما يوافقه ويترك
ما لا ينسجم مع توجهاته، ولعل القارئ يعرف من اقصد من أحد الذين أملنا فيهم خيرا
فخاب فيه الأمل للأسف.
نرجع إلى موضوعنا، فرغم ما ذكرنا من وجود فتاوى بالتكفير في كتب
الفقه والعقائد عند أهل السنة ضد الشيعة أو غيرهم، إلا أن الموقف الواضح والحقيقي لأخوىننا
من أهل السنة غير ذلك، فهم ينظرون الى المسلمين من الشيعة وغيرهم نظرة أخوية، فلا
يمكن أن اترك واقعا نعيشه وأترك الكثير الطيب من أقوال العلماء لأتمسك بكلمة شاذة
هنا أو قول هناك لأصحاب الأهواء والفتن.
ونفس الأمر موجود عند الشيعة، إذ لا بدّ أن نكون صريحين وواضحين،
ولا نلقي التهمة على جهة لنبرئ غيرها، فإنّ تكفير المخالف موجود في كل المذاهب،
تلاحظ قول الفقيه الكبير الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي في كتابه
"حقائق الإيمان": واعلم أن جمعا من العلماء الإمامية حكموا بكفر أهل
الخلاف، والأكثر على الحكم بإسلامهم.
إلا أن فقيها آخر أنكر عليه ذلك، فقال الشيخ يوسف البحراني صاحب
كتاب الحدائق: وما أدّعاه من إسلامهم وإن ذهب هو إليه، وتبعه جمع عليه، إلا أن
المشهور بين متقدّمي أصحابنا (رضوان الله تعالى عليهم) هو الكفر، كما استفاضت به
أخبار أهل الذكر (ع)، وأوضحناه بما لا مزيد عليه.
المؤسف أن قلة من الفقهاء هم الذين تنبهوا أو لاحظوا الأسباب
النفسية والاجتماعية للفتاوى، ففي هذا الموضوع نلحظ تأثيرات الصراع العثماني-
الصفوي الذي كان له تأثيره، وبسبب صدرت فتاوى تكفير بل وقتل من الطرفين، لكن أيضا
كانت هناك مواقف ايجابية، فهذا المجلسي على تعصبه وعلاقته بالصفويين يقول: وأما
غير الشيعة الإمامية من المخالفين وسائر فرق الشيعة ممن لم ينكر شيئا من ضروريات
دين الإسلام فهم فرقتان: إحداهما المتعصبون المعاندون منهم ممن قد تمت عليهم الحجة
فهم في النار خالدون، والأخرى المستضعفون منهم وهم الضعفاء العقول مثل النساء
العاجزات والبله وأمثالهم، ومن لم يتم عليه الحجة ممن يموت في زمان الفترة، أو كان
في موضع لم يأت إليه خبر الحجة فهم المرجون لأمر الله، إما يعذبهم وإما يتوب
عليهم، فيرجى لهم النجاة من النار.
ومع ذلك فإن أقوال الفقهاء لا يمكن أن يؤخذ بها إذا خالفت الثوابت،
وعارضت النصوص الشريفة من الكتاب والسنة فضلا عن سيرة أهل البيت. فهذا أمير
المؤمنين علي (ع) يرفض تكفير أو تفسيق من حاربه، وعندما يسأل عنهم يقول: إخواننا
بغوا علينا، وهو ما أكزه حفيده الإمام جعفر الصادق (ع) حيث قال: إنّ عليّا (ع) لم
يكن ينسب أحدا من أهل حربه إلى الشّرك ولا إلى النفاق ولكنه كان يقول: هم إخواننا
بغوا علينا.
كما روي عن الإمامين الباقر والصادق (ع): الإسلام شهادة أن لا إله
إلا الله والتصديق برسول الله (ص)، به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث
وعلى ظاهره جماعة الناس.
كما كانوا يحثون أصحابهم على لزوم مساجد المسلمين، وعندما سأله بعض
أصحابه: إن لنا إماماً مخالفاً وهو يبغض أصحابنا كلهم. فقال: ما عليك من قوله،
والله لئن كنتَ صادقاً لأنت أحق بالمسجد منه، فكُن أول داخل وآخر خارج، وأحسن خلقك
مع الناس، وقُلْ خيراً.
وعن حماد بن عثمان أنه قال: من صلّى معهم في الصف الأول؛ كان كمن
صلى خلف رسول الله (ص) في الصف الأول.
وكيف ينسجم تكفير الفقيه الشيعي للمسلم المخالف مع جواز تزويجه
والزواج منه؟ وكيف ينسجم هذا مع التوارث بين الشيعي وغيره من المسلمين؟ وكيف ينسجم
مع اتحاد مقابر المسلمين في الحكم؟ وكيف ينسجم هذا مع حلية ذبائحهم؟ بل كيف يكون
المخالف في المذهب كافرا إذا كان المناط في إسلام إنسان ما هو النطق بالشهادتين
وعدم إنكار أي ضروري من ضروريات الدين الذي يتفق عليه جميع المسلمين؟
نعم هناك فتاوى متعصبة خاطئة، وهنا دائما فقهاء متعصبون في كل
المذاهب، وهذا أمر مؤسف، إلا أنه موجود، واجتهادهم غير مقبول لا سيما مع وجود كمّ
كبير من الروايات تثبت إيمان جمهور أهل القبلة، ممن شهد الشهادتين. ولهذا قال
وأحسن الخميني، حيث قال في الرد على هذه الدعوى: ..... فما وردت في أنهم كفار لا
يراد به الحقيقة بلا إشكال، ولا التنزيل في الأحكام الظاهرة لأنه مع مخالفته
للأخبار المستفيضة بل المتواترة التي مرت جملة منها واضح البطلان...... وأما الحمل
على أنهم كفار حقيقة لكن يجري عليهم أحكام الإسلام ظاهرا ولو من باب المصالح
العالية وعدم التفرقة بين جماعات المسلمين فغير وجيه بعد ما تقدم من أنه لا يعتبر
في الإسلام إلا ما مر ذكره.
وما قاله متين.
مع العلم أنه حتى مع وجود فتاوى تكفير فإنها بقيت في الكتب ليس لها
أي تأثير على وعي المجتمع الشيعي بأي حال، وهذا ما تجده بشكل واضح في المجتمعات
الشيعية لا سيما الجنوبية.
ان التكفير لا يرجع إلى رؤية علمية، بل إلى تعصب نفسي أو خلل
منهجي، ولهذا فهو يمكن أن يقع حتى ضمن دائرة المذهب الواحد أو المذاهب المتعددة
وهو ما حصل بين الأصولية والأخبارية عندنا وسفكت فيه الدماء، فضلا عن الفظائع التي
حصلت بين الأحناف والشافعية فضلا عن فتن الحنابلة وما أكثرها.
ان كل من نطق بالشهادتين معتقدا بها وكذلك من ولد على فطرة الإسلام
فهو مسلم، محكوم بالإسلام بحسب الظاهر، وهذا كاف بغض النظر عن مذهبه لا فرق في ذلك
بين جعفري أو حنبلي، حنفي أو زيدي، معتزلي أو اسماعيلي، شافعي أو مالكي أو واباضي،
ولا يمكن القول بأنه باطنا أو واقعا كذا، لأن الحكم بالاسلام أمر ظاهري يكفي فيها
ما ذكرنا.
ان على علماء الإسلام وأهل الرأي ودعاة الإصلاح ان يكونوا حذرين في
الخطاب، فربّ قول أشد من صولٍ، وربّ كلمة أعقبها ندم. فالتراث فيه ما يجمع وفيه ما
يفرق، والمحكم والثابت والمؤكد هو ما يدعو الى الوحدة والتآلف وجمع الكلمة. وعلى
المتحدث أن ينطلق من رؤية علمية، وليس هذا فقط، بل ومن فهم لمقتضيات الحال.
كنا نرجو أن يمثل السيد الحيدري ثقلا متميزا بوجع الغلو واللا منطق
الذي ساد في الحوزة خلال السنوات الاخيرة، لكن للأسف كان كلام السيد الحيدري صادما
للكثيرين ومؤلما جدا وغير مقبول، سواء من الناحية العلمية التي ضخم فيها قولا
معينا وأعطاه أكبر من حجمه على حساب الأقوال الأخرى، أو من ناحية الطرح والخطاب
حيث أعطى للمتطرفين حجة (ستظهر نتائجها لاحقا) يتمسّكون بها لا سيما ونحن في زمن
ننتقد فيه الخطاب الديني المتطرف، وليس منطقيا أن نستبدل خطابا متطرفا بآخر متطرف.
هذا فضلا عن ان السيد الحيدري أعطى خصومه حجة للتهجم عليه
وانتقاده، وهو للأسف تصرف غير مناسب أبدا.
2 تعليقات
احسنت
ردحذفأزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذف