عز الدين البغدادي
المشهور عند فقهاء المسلمين أن منصب الإمامة لا يجوز أن تكلف به
المرأة، وذلك لحديث: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" .
ولأن هذا المنصب تناط به الأعمال الخطيرة، والأعباء الجسيمة؛ مما
يتنافى مع طبيعة المرأة، وأنوثتها، فاقتضت حكمة الشرع صرفها عنه، وعدم تكليفها به؛
رحمة بها، وشفقة عليها أولًا، وصونًا له هو ثانيًا من أن يوكل إلى من لا يستطيع
القيام به، فيضيع.
وقد عدّ ابن حزم هذه المسألة من المسائل المجمع عليها.
وذكره البغوي في شروط الإمامة، فقال: اتفقوا على أن المرأة لا تصلح
أن تكون إمامًا ولا قاضيًا، لأن الإمام يحتاج إلى الخروج لإقامة أمر الجهاد
والقيام بأمور المسلمين…. والمرأة عورة لا تصلح للبروز وتعجز لضعفها عن القيام
بأكثر الأمور، ولأن المرأة ناقصة والإمامة والقضاء من كمال الولايات فلا يصلح لها
إلا الكامل من الرجال.
وأهم ما استدل به على ذلك، وهو عمدة الأدلة في ذلك ما رواه أبو
بكرة أن النبي (ص) لما بلغه أن فارساً ملَّكوا ابنة كسرى قال: لن يفلح قوم ولوا
أمرهم امرأة .
وقد خالف في ذلك قوم من الخوارج، حيث ذهب الشبيبية (نسبة إلى شبيب
الخارجي) إلى عدم اعتبار هذا الشرط، وجوّزوا إمامة الأنثى، قال البغداي عنهم: ….
أجازوا إمامة المرأة منهم إذا قامت بأمورهم، وخرجت على مخالفيهم. وزعموا أن غزالة
أم شبيب كانت الإمام بعد قتل شبيب إلى أن قتلت.
وبرأيي أن الحديث المشهور " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة
" لا بد أن ينظر فيه نظرة تأمل، فإن الحديث جاء عندما بلغ النبي (ص) أن امرأة
تولت الملك في بلاد فارس، فقال ذلك. إلا أن المرأة التي تولّت الملك في فارس هي
بوران، وقد ذكر المؤرخون في شأنها أنها نجحت في الحكم، وكسبت قلوب الناس وأحسنت
سياستهم، قال الطبري: وأحسنت السيرة في رعيتها، وبسطت العدل فيهم، وأمرت بضرب
الورق ورم القناطر والجسور، ووضعت بقايا بقيت من الخراج على الناس عنهم، وكتبت إلى
الناس عامة كتباً أعلمتهم ما هي عليه من الإحسان إليهم، وذكرت حال من هلك من أهل
بيت المملكة؛ وأنها ترجو أن يريهم الله من الرفاهة والاستقامة بمكانها ما يعرفون
به أنه ليس ببطش الرجال تدوخ البلاد، ولا ببأسهم تستباح العساكر، ولا بمكايدهم
ينال الظفر وتطفأ النوائر؛ ولكن كل ذلك يكون بالله عز وجل، وأمرتهم بالطاعة وحضتهم
على المناصحة.
وقال ابن الأثير: فلما ملكت أحسنت السيرة في رعيتها وعدلت فيهم
فأصلحت القناطر ووضعت ما بقي من الخراج وردت خشبة الصليب على ملك الروم.
أي إن قول النبيّ (ص) لم يأت لتأسيس حكم، بل لبيان ما عليه غالب
أمر النساء لا سيما في الأمم التي لم تصل حدّ التمدّن.
وأنت تلحظ أن الله تعالى ذكر من أمر بلقيس ما ذكر، وبين حكمتها
وبعد نظرها، ولو كان الأمر تعبديا لما ذكر ذلك.
كما إن التاريخ ذكر عن كثير من النساء اللائي ملكن فأحسن سياسة
الملك، وبعض هؤلاء ملكن في بلاد الإسلام. وبأي حال، فإن هذا الشرط ليس تعبديا فإن
الإمامة يراد منها أن يقام بها العدل ويأمن الناس، ويجدون ما يوفر لهم عيشا كريما.
وأشير هنا إلى أمرين، الأول: إني لا أطعن هنا في صدور الحديث كما
يفعل البعض، بل انتقد فهمنا له، لأنّنا نتصوّر أنّ حكم تعبدّي، وهو ليس كذلك
واقعا، بل تحدّث النبي (ص) عن رأيه الّذي يستند إلى تجربته وبيئته، وليس عن أمرٍ
من الوحي.
والثاني: إنّ مضمون الحديث ليس مردودا تماما، بل إن النجاح أو
الفشل مرتبط بعوامل، لذا فإنّ كثيرا من التجارب الناجحة التي نراها الآن في
العالم، ترجع في حقيقتها إلى قوة تلك الأنظمة واستقرارها، مما يسهّل على المرأة
التي تحكم أو تدير أن تنجح في عملها لأن المجتمع والنظام يدعمها، ولولا ذلك لكان
نجاحها صعبا فعلا.
0 تعليقات