جاء في القران الكريم ان اليهود قالوا لمريم أم عيسى عليهما السلام
"يا أخت هارون" ولم يحدد النص القرٱني هل المراد بهارون هنا نبي الله
هارون أخ موسى عليهما السلام أم هو شخص ٱخر.
وقد ذهب المفسرون مذاهب شتى لتعيين شخصية هارون، نذكر منها
التفاسير الثلاثة المعتمدة عند أهل الاختصاص:
1-ليس المقصود في الآية هارون النبي عليه السلام ، بل رجل ٱخر سمي
بهارون اقتداءا باسم هارون النبي، فمن المألوف عند الناس ان يتسموا بأسماء أنبياءهم
وصالحيهم. ومما يؤيد هذا الرأي ما ذكره الحافظ الطبري عن المغيرة بن شعبة قال :
"لما قدمت نجران سألوني فقالوا : إنكم تقرءون "يا أخت هارون" ،
وموسى قبل عيسي بكذا وكذا ، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن
ذلك فقال :" أنهم كانوا يسمون بانبياءهم والصالحين قبلهم ".
ووفق هذا التفسير يكون هارون هو أخ لمريم وليس هو نبي الله هارون إنما
مجرد توافق في الأسماء، والخطاب الذي وجهه اليهود لمريم عليها السلام، هو شكل من
أشكال المعايرة والإهانة يعني وكأنهم يقولون بأن أخاك هارون سيحمل هذا العيب
وسيُعاير به فأنت جلبت الفضيحة لهارون.
2- هارون المراد به في النص القرٱني هو هارون النبي أخ موسى عليهما
السلام، فقد عاير اليهود السيدة مريم بنبي الله هارون، لأن اليهود يزعمون ان هارون
مع كونه نبي لكنه كان سببا في عبادة بني اسرائيل للعجل.
فاستخدام اليهود لعبارة "يا أخت هارون" كان بمعنى يا
شبيهة هارون في تظاهرك بالصلاح.
فكلمة الأخ قد تطلق على الشبيه كقول الله تعالى: " ان
المبذرين كانوا إخوان الشياطين " ، وكقول بعضهم هو أخوه في الذكاء أو الصلاح أو
الشقاوة .
فعبارة "يا أخت هارون" كانت شتيمة وكلمة تحقير يطلقها
اليهود على المرأة التي تقع في الفاحشة وهي تتظاهر بالصلاح.
3- مريم عليها السلام تنحدر من نسل هارون النبي، وقد كرست حياتها
في خدمة بيت المقدس وهي و ظيفة خاصة بٱل هارون. فلما كانت مريم على دين جدها، قال
لها اليهود يا أخت هارون لأنه كان يجمع بينهما أخوة الإيمان و إخوة الانتماء
العرقي و الوظيفي.
قال تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ".
وقد كان العرب يستعملون لفظ أخ أو أخت للتدليل على الانتماء،
فيقولون يا أخا العرب، ويا أخت بكر -القبيلة- ويا أخا أمية، والمقصود ان المنادى
في هذه الأمثلة ينتمي للعرب، أو لقبيلة بكر، أو لبني أمية، كما قال تعالى:
"وإلي عاد أخاهم هودا".
فالمقصود من الآية أن مريم تنحدر من نسل شريف هو نسل النبي هارون،
و هي أخته في الدين أيضا.
أما قول اليهود لها: "ما كان أبوك امرأ سوْء ولا كانت أمك
بغيا".
فهو تذكير لها بعفافة والديها، فالعلاقة هنا بين إنكارهم على مريم
فعلتها بزعمهم و تذكيرها بتبرئة أبيها وأمها عن الفاحشة هو آتيان الأثر بنقيض
التربية الصالحة لأن من تربى في بيت أهله تربية شريفة يظهر آثار ذلك في العادة في
ذريته.
وأبو مريم اسمه عمران، و ٱل عمران قد أثنى عليهم الله في القرٱن
الكريم فهم معروفون بالعفاف، و اما امها فهي حنّة من نسل لماثان بن لاوي بن ملكي
من نسل هارون عليه السلام.
وبالتالي فمريم عليها السلام هي من نسل النبي هارون من جهة الام، و
يؤكد ذلك أيضا ما جاء في البخاري ومسلم أن القرابة بين المسيح ويحيى عليهما السلام
أنها ابني خالة، و معلوم ان يحي من نسل هارون عليهما السلام، وهذا ما يذكره انجيل
لوقا عن "اليصابات" אֱלִישָׁבַע
زوجة زكريا- أم يحي عليه السلام- وهو قوله:
"وأمرأته من بنات هارون واسمها اليصابات" لوقا 1/5 .
ملاحظة 1: مريم عليها السلام كانت تخدم في بيت المقدس منذ صغرها
وكانت في كفالة نبي الله زكريا، فلا معنى لانكار بعض الغوغاء معرفة اهل بيت لحم
لها بعد ان أنجبت عيسى عليه السلام و جاءت تحمله، لأن بَيْتُ لَحْمٍ بِنَاحِيَةِ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ
ملاحظة 2: قول بعض النصارى ان السيدة مريم من نسل داود عليه السلام
و ليست من نسل هارون، دعوى أنكرها العديد من الباحثين، فقد قال الكاردينال جان
دانيالوا في كتابه "أضواء على أناجيل الطفولة" صحيفة 15، 16 في معرض
كلامه عن عيسى عليه السلام ما نصه: " لا نعرف شيئًا عن انتماء مريم إلى سلالة
داود، على الرغم من محاولات بعض النُقَّاد لإختراع مثل هذا الإنتماء". انتهى
وقال الدكتور أحمد حجازي السقا: " يَا أُخْتَ هَارُونَ "
هدمت النصرانية من أساسها". انتهى
0 تعليقات