آخر الأخبار

التاريخ أقوى من الديماغوجيا

 


 

 

عمر حلمي الغول

 

من لا يتعلم من التاريخ، لن يتعلم ابداً، وسيبقى جاهلا وأميا حتى لو تربع على عرش أعظم إمبراطورية، لإنه سيفنيها ويدمرها بغبائه، وأميته. لإن دروس التاريخ كانت ومازالت المعلم الأهم والأقوى للبشرية جمعاء. ويخطىء من لآيقرأ تجربة شعبه وأمته، وتجارب الأمم الأخرى لينهل منها، ليتفادى مصائر المهزومين والمنفيين من ذاكرته، وإن بقيت، فإنما لتكون عبرة للآخرين.

 

ما بالنا ونحن نقف أمام مستعمر لا يملك نصيبا من التاريخ، ولا كان يوما له مكانة الشعب أو الأمة فيه، بل جاء طارئا، ومنقولا بسفن الأباء المستعمرين ليعمل إجيرا في غزو شعب راسخ وثابت في ارضه على مدار حقب التاريخ، وهندسوا له "رواية" قائمة على التزوير والنفاق، بعد أن إستقر خيارهم على "إقامة وطن قومي" لإتباع الديانة اليهودية الصهاينة في فلسطين التاريخية. لا سيما وان مشاريع التخلص من المسألة اليهودية، وإستثمار الصهيونية في خدمة اغراضهم الإستعمارية خضع لجملة سيناريوهات ل"بناء" ذلك الوطن الإفتراضي بدءً من الأرجنتين إلى اوغندا وغيرها من دول العالم، حتى إستقر مشروعهم في فلسطين العربية لتصفية حساب تاريخي مع العرب. والذي تجسد في نكبة العام 1948 على حساب الشعب العربي الفلسطيني. بتعبير دقيق دولة المشروع الرأسمالي الغربي الصهيونية حديثة العهد مازالت تعيش أزمة ثقة عميقة بشأن مستقبلها وبقائها بين مكوناتها المأجورة.

 

وعطفا على ما تقدم، نتنياهو الفاسد في خطابه أمام الكنيست يوم الخميس الماضي الموافق 15/10/2020 لتمرير اتفاقية إستسلام دولة الإمارات العربية قال جملة سياسية تعكس مدى إفلاسه وجهله السياسي والتاريخي، عندما قال "في منطقتنا يبقى الأقوياء .. يحترم فقط الأقوياء" وتابع  "يصنع الأقوياء تحالفات بينما يداس الضعفاء."

 

ويعمق فكرته المتغطرسة الهوجاء باستنتاج قاصر، ولا يرتكز على ابسط مبادىء السياسة والتاريخ، عندما شط بأوهامه قائلا " يوما ما سيعترف بنا الفلسطينيون وباسرائيل كدولة قومية يهودية." وأضاف في مكان آخر "السلام مع الدول العربية سيساعد على إنهاء الصراع مع الفلسطينيين."

 

وأود ان اسأل رئيس حكومة الاستعمار الإسرائيلية: ما هي معايير القوة؟ وكيف يمكن تقييم القوة السياسية؟

 

هل بالأسلحة والأساطيل وممارسة أبشع أشكال الاستعمار لشعب آخر، أم بالاعتماد على قوى الغرب الرأسمالية عموما وأميركا خصوصا؟ وهل بالديماغوجيا والثرثرات اللامسؤولة يصنع التاريخ؟ وهل إستسلام دول عربية أمام سطوة وجبروت الغرب الأميركي يندرج كمعيار للقوة؟ ومن قال ان الشعب الفلسطيني سيقبل يوما نفي روايته لصالح روايتك المزورة والمرفوضة من التاريخ والجغرافيا والقانون والمنطق؟

 

وقبل ان أرد، سأقتبس ما قاله العميد درور شالوم يوم الجمعة الموافق 9/10/2020 الماضي عندما كان يتحدث في تقريره المرفوع للحكومة عن الأخطار، التي تهدد وجود دولة إسرائيل، فقال "هناك خطرين مركزيين على إسرائيل: التهديد الإيراني (ولي رأي فيه. عمر) وخطر انهيار السلطة." وهو يقصد خطر المسألة الفلسطينية، خطر الوجود الفلسطيني، وليس انهيار السلطة فقط، وهو ما عاد وعبر عنه في تقريره، الذي ترجمه الأسير ناصر ناصر (سجن ريمون)، عندما أكد، انه يخالف نتنياهو بإدعائه "ان القضية الفلسطينية أصبحت شيئا من الماضي،" لأنها من وجهة نظر شالوم ب"مثابة القنبلة الموقوتة" ان لم يتم منح الشعب الفلسطيني حقوقه السياسية الممكنة والمقبولة. ويبدو ان سنوات وقوف زعيم الليكود على رأس الإئتلاف الحاكم زمنا اطول من رئيس الوزراء الأول للدولة الصهيونية، ديفيد بن غوريون لم يعلمه شيئا، وبقي مسكونا بهواجسه الخاصة وبنهب الدولة الصهيونية مع زوجته وابنائه.

 

مع ذلك أود ان اذكر الفاسد نتنياهو، ان ما يزيد على قرن من الزمان والصراع محتدم لإقصاء ونفي الشعب العربي الفلسطيني وروايته، لكنه بقي صامدا، ولم تفت في عضده، بقي راسخا متجذرا في ارض الأباء والأجداد، رغم النكبة، ورغم النكسة، ورغم الحروب والويلات وجرائم الحرب والمجازر الوحشية، ليس هذا فحسب، بل إمتشق معول الكفاح المسلح والشعبي والسياسي والديبلوماسي للدفاع عن حقه في الحياة، ولم يستسلم للحظة عن حقوقه وروايته التاريخية، نعم قدم تنازلات كبيرة جدا لصالح بلوغ السلام الممكن والمقبول، لكنه لم يرفع الراية، ولن يستسلم حتى لو رفع كل اهل النظام العربي الرايات البيضاء، ولو فاز ترامب بولاية ثانية، واستخدم ابشع اشكال الضغط والبطش، ولو استخدمت العائلات ال13 اليهودية الصهيونية من روتشليد إلى روكفلر إلى آخر مسمياتها كل اموالها وإختراعاتها لن يتخلى الفلسطينيون عن روايتهم التاريخية. هنا القوة، وهنا مربط فرس التاريخ، وهنا عظمة الشعوب والأمم الأصيلة، اما الجماعات الطارئة، والوظيفية المأجورة كالحركة الصهيونية، فلن يكون لها تاريخ، حتى لو إختطفت منه (التاريخ) عقود من الزمن قليلة.

 

القوة أيها النرجسي الصهيوني ليست بعدد القوات ولا الأساطيل، ولا بعدد المجازر والحروب، ولا باستسلام من ليس له شأن بالأرض والتاريخ، القوة بإمتلاك ناصية التاريخ والحق والعدالة، والعمل على بناء ركائز السلام الحقيقي، بالتالي من يقرر هم الفلسطينيون في المنطقة كلها، وليس على مسار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لإن قضيتهم أم القضايا العربية، وهي عنوان اساسي للمشروع القومي العربي النهضوي، ومن لا يعرف ذلك يكون جاهلا.

إرسال تعليق

0 تعليقات