عمر حلمي الغول
كل المحاور والتحالفات العربية
والإسلامية والإقليمية والدولية تخضع لحسابات الربح والخسارة، وتعتمد مبدأ "المصالح
المتبادلة" كأساس لنسج المحاور. غير انها لا تعلن ذلك صراحة، وتقوم بإلباس
غاياتها عناوين وعوامل أخرى لبلوغ اهدافها، فمثلا تستغل بعض الأقطاب المؤثرة في
الساحة العربية أو الإقليمية خلفياتها الدينية والطائفية والإثنية لإستقطاب الدول
والقوى ذات تلك الابعاد لتوسيع دائرة نفوذها، وتستعمل المال والسلاح والمساعدات
المختلفة ضمن إمكانياتها وقدراتها على من يدور في فلكها. كما ان بعض الدول والقوى
تلجأ للدول المركزية في هذا المحور او ذاك بحثا عن الدعم باشكاله المختلفة. مع ان
تلك الدول عادة ما تكون جزءً من محور أوسع واشمل، وتكون تابعة لقطب او تحالف دولي
وفقا لمعادلة المصالح النفعية. بتعبير آخر دوائر المحاور والتحالفات تتوسع
مستوياتها بتوسع الجيوبوليتك، بحيث تتموضع حلقات السلاسل المتباينة بيد عدد محدود
من الأقطاب المركزية المؤثرة في صناعة القرار الأممي.
وتختلف متانة وقوة المحاور بإختلاف القوى المشكلة لها، وكيفية إدارة هذا
القطب أو ذاك علاقاته مع القوى القريبة او المتقربة منه، وتعمل بالتعاون معه وفق
نظرية "المصالح المشتركة"، ورغم ان الدول والقوى المشاركة في المحاور
تعلي شأن الأبعاد الدينية والطائفية والمذهبية، إلآ ان القوى النافذة في هذا
المحور او ذاك عمليا وفي الواقع تلقي هذا العامل جانبا بالمحصلة النهائية، وتعيد
ترتيب الأوراق والعلاقات مع اتباعها وفق مصالحها القومية، بعيدا عن كل الحسابات
الأخرى، التي لا تعدو اكثر من مدخل للإستقطاب والإستحواذ لتوسيع النفوذ القومي على
حساب المشاريع القومية الأخرى.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، لو اخذنا إيران الفارسية نموذجا، سنجد انها
تستخدم الدين والطائفة الشيعية والمذاهب المنبثقة عنها عنوانا او نافذة للتقرب من
هذة القوة او تلك، لكن هاجسها هو المصالح القومية الفارسية الصفوية. والدليل على
ذلك، وهو دليل حي، ما يجري الآن من حرب بين اذربيجان وأرمينيا، نجد ان جمهورية
الملالي منحازة لصالح أرمينيا، مع ان اذربيجان دولة غالبيتها تتبع الطائفة الشيعية.
وهو ما يدلل على ان الحساب الناظم والأساس، هو المصالح القومية. وكذلك الأمر
بالنسبة للإقطاب في الإقليم الشرق اوسطي الكبير.مع ملاحظة إستثنائية في هذا الحقل،
عنوانها تخلف الدول المركزية العربية عن إدراك اهمية البعد القومي بعد رحيل اقطاب
القومية العربية، مع انها شكليا تتحدث عن البعد القومي العربي، بيد انها في
الممارسة العملية بعيدة بعد الأرض عن السماء عن المسألة القومية، لإنها لا تملك
قرارها، وتخضع حساباتها لمشيئة اسيادها، وتعمل وفق حسابات شخوص قياداتها الحاكمة،
ولهذا نجد انها غارقة في متاهة التطبيع والإستسلام امام دولة الإستعمار
الإسرائيلية وعلى حساب المصالح القومية، ومرتكزات السياسة الرسمية العربية المتفق
عليها كمحددات ناظمة لكيفية التعامل مع الأعداء عموما، والعدو الصهيوني خصوصا. حتى
بعض الأقطاب الأكثر جاهزية وقدرة لقيادة الدول والقوى القومية، لم تتمثل دورها
لإسباب عدة، منها الشخصي المتعلق بالقيادة، والذاتي الوطني، والموضوعي المرتبط
بالدول العربية وصراعاتها البينية، والحسابات الدولية الضاغطة عليها.
وإذا توقفنا امام المسألة الفلسطينية وعلاقتها بالمحاور في الوطن والإقليم،
فإن قيادة منظمة التحرير منذ تولت قيادتها فصائل العمل الوطني عام 1969، رفعت
شعارا ناظما لها يرتكز على مبدأ: "عدم التدخل بالشؤون الداخلية العربية"،
والحرص على التعاون مع كل الدول بندية وبما يخدم القضية الفلسطينية والمصالح
القومية في آن، وكذلك الأمر مع دول الإقليم والعالم بتلاوينها وتوجهاتها وقدراتها
المختلفة، وحرصت على مد الجسور مع كل الأقطاب والدول والمنظمات الأممية والقارية
لكسب تاييدهم جميعا لصالح دعم القضية الوطنية، ولبلوغ الأهداف السياسية وعلى رأسها
أزالة الإستعمار الإسرائيلي عن اراضي دولة فلسطين المحتلة في الخامس من حزيران عام
1967، وضمان حق العودة للاجئين على اساس القرار الدولي 194، والمساواة الكاملة
لإبناء الشعب في داخل الداخل.
غير ان بعض الدول العربية النافذة تاريخيا سعت لمصادرة القرار الوطني
المستقل، ولم تميز بين الشراكة والتعاون على اساس قرارات الإجماع العربي، وبين
السطو على القرار الفلسطيني، وإفترض البعض العربي، انه يستطيع من خلال المال
السياسي التأثير على القرار الفلسطيني، وإعتقد البعض الآخر انه من خلال
الجيوبوليتك يستطيع الإمساك بالقرار الوطني، وأخير إعتقد البعض، انه من خلال الركض
في متاهة التطبيع الخياني يستطيع لي ذراع القيادة الفلسطينية، وإخضاعها لمشيئته،
ولمشيئة اسيادة في البيت الأبيض، وبعض آخر، يرى في نفسه وصيا على القرار الفلسطيني.
وجميعهم أخطأوا في حساب العلاقة مع فلسطين والقيادة الفلسطينية، نعم القيادة
والشعب الفلسطيني يعتبرون أن احد اهم روافعهم، هو العمق العربي، وان فلسطين، كانت
ومازالت عنوانا مركزيا للأمن القومي العربي. بتعبير أدق هناك علاقة جدلية عميقة
بين البعدين الوطني والقومي. بيد ان تلك الجدلية لا تعني في ظل ما افرزته إتفاقية
سايكس بيكو الغربية الرأسمالية عام 1916 تسليم الرقبة والقرار الفلسطيني لإي نظام
سياسي عربي مهما كانت طبيعة العلاقات الثنائية المشتركة. وعليه فإن فلسطين فوق
المحاور، ولا تقبل إلا ان تكون في المحور العربي القومي الجامع للكل العربي، ووفق
مرتكزات ومحددات السياسة العربية، التي تؤصل للمشروع القومي العربي، وإعادة
الإعتبار له. وتعميقا للفكرة إذا كان ولا بد لإن تكون فلسطين جزءً من محور ما في
الإقليم، فإنها بالضرورة في المحور العربي اولا وثانيا .. وعاشرا والف، كونها جزءً
لا يتجزأ من الأمة العربية. وتاريخها لا ينفصل عن تاريخ العرب على مدار حقب
التاريخ القديم والوسيط والحديث. وعطفا على ما تقدم، فإن اي موقف فلسطيني ينطلق من
نقطة الإرتكاز الأساسية، اي المصالح الوطنية، التي تصب في الصالح القومي العام.
0 تعليقات