آخر الأخبار

الديانات الرعوية

 




د.أحمد دبيان

———

 

 

تبقى الحقيقة الراسخة بأن الديانات الإبراهيمية كلها ( اليهودية والمسيحية والإسلام ) ديانات دخيلة على مصر والوادى .

 

فمصر الفرعونية بثالوثها المقدس

 

كان لها ثالوثان

 

ثالوث منف بعناصره الثلاث متمثلا فى:

 

الأب : اوزوريس

 

والأم : إيزيس

 

والأبن : حورس

 

وهم يمثلون الثلاثي المخدوع الذي حاربه سيت اله الشر والذى يمثل الشيطان أو القوى الظلامية فى مثنوية مبكرة .

 

آمن المصريون بالثالوث المقدس على أنهم من النترو ( النيثر )أو الكائنات الآلهية أو كما نطلق عليه اليوم الملائكة و لكنهم آمنوا أنهم لا يمثلون الرب الإله الخالق .. آمون .. الإله الخفي في عقيدة المصريين و لم يعتقد المصريون أن الثالوث المقدس شيئا واحدا أبدا فلكل وظيفه و مهمة و لا يتحدون في واحد.

 

وقد كان للإله الواحد رع (75 أقنوماً)، إذ وجدت تسابيحه الخمس والسبعون على حوائط المقابر الملكية للأسرتين 19،20 في طيبة.

 

أما ثالوث طيبة فيتمثل فى المعبود آمون رع سيد طيبة جالسا على كرسى العرش ومن خلفه زوجه المعبودة موت برأس لبؤة وكذلك المعبود خونسو إله القمر .

 

الديانة المصرية القديمة لا تتشابه بحال مع الديانات التوحيدية أو الإبراهيمية ، فلا علاقة لها حتى مع أقصى درجات تطرفها التأويلي على يد اخناتون ، بالديانة اليهودية أو المسيحية أو الإسلام .

 

دخلت اليهودية إلى مصر فى عصر البطالمة فقد كانت الإسكندرية مقرا لعدد ضخم من يهود الشتات حيث استقر عدد كبير منهم في مصر منذ أيام ارميا النبي، و ربما من أيام غزو "شيشنق" لفلسطين في القرن العاشر قبل الميلاد. وعندما أسس الإسكندر الأكبر مدينة الإسكندرية التي سميت باسمه، في 331 ق. م. تجمعت غالبية هذا الشتات في المدينة الجديدة واحتلوا كل الجزء الشرقي من الميناء الكبير، ونمت قوتهم بنمو المدينة التي أصبحت من أعظم المراكز الحضارية والمواني البحرية في حوض البحر المتوسط.

 

وأصبحت الإسكندرية مركزا خصبا لامتزاج الثقافات التي ، ففي ذلك العالم امتزج الشرق بالغرب ووضعت أسس الحضارة الحديثة.

 

في هذا الجو الذي امتزجت فيه الثقافات الدينية والفكرية، أصبح اليهود الهيليبيون ظاهرة حضارية، ففي الإسكندرية وجد يهود الشتات مع زهوهم بميراثهم العبري، وإحساسهم بدورهم في الحضارة، وقد تجردوا من قيود القومية الضيقة والانعزالية، وجدوا أنفسهم أمام تحد كبير من آداب اليونان وفلسفتها. وكان يهود الإسكندرية يتحدثون باليونانية فقد كان هذا شرطا للمواطنة، وكانت معرفة اليونانية مطلبا أساسيا للتجارة والأعمال والحياة الاجتماعية.

 

كان يهود الإسكندرية، كما كان يهود طرسوس، يتنازعهم عالمان مختلفان من الثقافة، ومن هنا نبتت الحاجة الماسة إلى ترجمة الأسفار العبرية إلى لغتهم الثانية. وسميت هذه الترجمة بالسبعينية بناء على التقليد المتواتر بأنه قد قام بها سبعون ( أو بالحري اثنان وسبعون) شيخا يهوديا في مدينة الإسكندرية في أيام الملك بطليموس الثاني فيلادلفوس (285 247 ق.م.).

 

ثم دخلت المسيحية مصر على يد القديس مرقص ، والذى بشَّر بالمسيحية فيها ، خلال فترة حكم الحاكم الروماني "نيرون" في القرن الأول، بعد حوالي عشرين عاماً من صعود السيد المسيح. ومارمرقس هو أحد الإنجيليين وكتب أول إنجيل.

 

وانتشرت المسيحية في كل أنحاء مصر خلال نصف قرن من وصول مار مرقس إلى الإسكندرية (كما هو واضح من نصوص العهد الجديد التي إكتُشِفَت في البهنسا، بمصر الوسطى، وتؤرَّخ بحوالي 200 م.، وجزء بسيط من إنجيل القديس يوحنا، مكتوب باللغة القبطية؛ الذي وُجِدَ في صعيد مصر ويُؤرَخ في النصف الأول من القرن الثاني).

 

ظهر تأويل أريوس فى مصر فى الاسكندرية ، وكان لها كبدعة تأويلية فى نظر العقيدة الرسمية ، اتباع كثيرون امتدوا الى جزيرة العرب وشمال إفريقيا وكان صراعاً بين أتباع أريوس وأتباع البابا ألكسندر وكان فيها اثناسيوس المدافع عن العقيدة .

 

ثم دخل الإسلام الى مصر مع دخول العرب ، ولم ينتشر فيها إلا كما يرصد المؤرخون فى العهد الفاطمي .

 

 

فى كل الأحوال كانت الديانات الإبراهيمية ديانات رعوية ، ولم تكن أبداً ديانات حضارة نهر ، حتى مع احتكاكها بالنهر بالتمازج والمصاهرة فكان الأب البطريرك الكبير من العراق هو وزوجته الأولى وكانت زوجته الثانية من مصر .

 

رغم ان الديانات الإبراهيمية بسمتها الرعوى ، جاءت الى الوادي المثقل بثالوثه المقدس ، وأقانيمه إلا أن الصيغة الإيمانية المصرية ألقت بظلالها على الديانات الثلاث ،

 

فكان تبنى عقيدة الطبيعة الواحدة من طبيعتين مقابل ملكانية المذهب الرومانى الغاصب المحتل ، وكان تبنى الإسلام بصيغته الصوفية وميراثها المصرى القديم فكان ذى النُّون المصرى وتشرب صوفية المعابد للممارسة الدينية المصرية المحمدية .

 

كانت مصر الفرعونية بميراثها ، الأجدر لاحتضان الديانات الثلاث مع تفهم ان اليهودية لم تكن أبداً ديانة تبشيرية فظلت فى جيتو فكرى عقائدي لا يسمح بالانتشار ، وكان احتضان السيد المسيح وأمه صبيا فى مأوى ذى قرار ومعين ، وكان الدم الفرعوني لهاجر يضخ فى دماء محمد ، واتباعه ، فجاءت الصيغة الإيمانية تعاطٍ متقبلٍ للآخر ، متعايشاً مع سمات مسرى النهر واعتداله .

 

مصر استوعبت الرسالات وأضفت عليها من قوتها واعتدالها وتسامحها ، فكان الأغلب تعاطٍ متوازنٍ للدين والشعائر لا يتطرف الا فى فترات وهنها وريبتها التى دوما ما تأتى مع حكام لا يستطيعون فهم نسيج جغرافيتها الذى يغزل تاريخها .

 

إرسال تعليق

0 تعليقات