أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
أستاذ الدراسات الإيرانية
أصدرت الخارجية الإيرانية بيانا جاء فيه: اليوم يوم مهم جدا
للمجتمع العالمي الذي صان القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي وبرنامج العمل
المشترك الشامل (الاتفاق النووي) خلافا لمحاولات نظام الولايات المتحدة.
بدءا من اليوم تنتهي بصورة آلية جميع قيود نقل السلع التسليحية من
وإلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وكذلك الإجراءات والخدمات المالية ذات الصلة
بها، وكذلك حظر الدخول أو العبور من أراضي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والذي
كان قد فرض من قبل على بعض المواطنين والمسؤولين العسكريين الإيرانيين. بناء على
أحد إبداعات الاتفاق النووي، فإن الانتهاء القطعي ومن دون قيد أو شرط للقيود
التسليحية وحظر السفر على بعض الأفراد ليس بحاجة الى المصادقة على أي قرار جديد،
وليس هنالك حاجة لإصدار أي بيان او اتخاذ أية خطوة أخرى من جانب مجلس الأمن الدولي.
إن إلغاء القيود التسليحية وحظر السفر قد صمم بحيث يكون آليا، وليس
بحاجة إلى أي إجراء آخر. هذا الأمر تحقق بعد مفاوضات مضنية، ومع تكهن دقيق إزاء
إمكانية نكث العهد من جانب طرف أو عدة أطراف في الاتفاق النووي. هذا الأسلوب تم
التكهن به أيضا لإنهاء القيود الصاروخية في عام 2023 وكذلك الإغلاق التام للملف
النووي في مجلس الأمن الدولي عام 2025 .
إنه بناء على ذلك فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية يمكنها بدءا
من اليوم توفير أي سلاح ومعدات لازمة من أي مصدر كان، ومن دون أية قيود قانونية،
وبناء على حاجاتها الدفاعية فقط ويمكنها كذلك بناء على سياساتها تصدير أسلحتها
الدفاعية. لابد من التأكيد هنا على هذه النقطة وهي أن اللبنة الأساس لسياسة إيران
الخارجية هي رفض الهيمنة والضغوط مهما كان شكلها، لذا فإن أية قيود في أي مجال
كان، سواء المالية أو الاقتصادية أو الطاقة أو التسليحية، لن يتم الاعتراف بها
رسميا من جانب إيران أبدا.
في الوقت ذاته فإن عقيدة إيران الدفاعية مبنية على الصمود العظيم
للشعب والقدرات الذاتية، منذ فترة الدفاع المقدس والحرب المفروضة على مدى 8 أعوام
من قبل نظام صدام ضد ايران والتي ذهب فيها الشعب الإيراني الباسل ضحية الأسلحة
المتطورة ونيران الغرب، ولغاية الآن قامت الجمهورية الإسلامية الإيرانية اعتمادا
على قدراتها وطاقاتها الوطنية بتوفير حاجاتها الدفاعية. هذه العقيدة كانت وستظل
المحور الرئيس والأساس لجميع إجراءات الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الحفاظ على
قدراتها الدفاعية. الأسلحة غير التقليدية وأسلحة الدمار الشامل والواردات غير
المدروسة للأسلحة التقليدية لا مكان لها في العقيدة الدفاعية للجمهورية الإسلامية
الإيرانية. قدرات البلاد الرادعة مبنية على المعرفة والقدرات الوطنية، ونابعة من
قدرات ومقاومة الشعب الإيراني. إن إيران في التاريخ المعاصر ورغم الفارق والتفوق
في القدرات لم تكن البادئة بأي حرب أبدا.
ولكن للأسف فإن المعاملات التسليحية المربحة المبرمة غالبا بين
الدول الغربية وبعض دول المنطقة قد ساعدت وأججت بصورة ملحوظة على ارتكاب جرائم
الحرب في المنطقة كالعدوان على الشعب اليمني الاعزل.
رغم محاولات الولايات المتحدة الفاشلة لمنع وتقويض مصالح إيران في
القرار 2231 فإنه على الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة مواءمة قوانينها
وقرارتها وفقا لهذا القرار الذي يدعو الدول الأعضاء لبذل الاهتمام اللازم إزاء هذه
التغييرات". والجمهورية الإسلامية الإيرانية تلفت انتباه جميع الدول الأعضاء
للنص الصريح للقرار 2231 والجدول الزمني المتعلق به.
ان الولايات المتحدة التي تم رفض أحابيلها اللاقانونية والعدائية
في مسعاها للمزيد من خرق قرار مجلس الأمن، خلال الأشهر الثلاثة الماضية، من قبل مجلس
الأمن بحزم عدة مرات، يجب عليها أن تغير نهجها الهدام تجاه القرار 2231، وتعود إلى
الالتزام الكامل بتعهداتها على أساس ميثاق الأمم المتحدة، وتكف عن إجراءاتها
المناقضة للقوانين الدولية وتجاهل النظام الدولي، وأن تتخلى عن تأجيج زعزعة
الاستقرار في منطقة غرب آسيا. من البديهي أن أي إجراء يتعارض مع نص القرار 2231
خاصة البند 1 منه وفي الإطار الزمني الوارد فيه، يعد في سياق الخرق الجوهري للقرار
وأهداف الاتفاق النووي وإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحتفظ لنفسها بالمقابل
بحق اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان مصالحها الوطنية.(وكالة أنباء فارس
في١٨/١٠/٢٠٢٠م).
تعتبر الحكومة الإيرانية ورئيسها حسن روحاني أن هذا الأمر ناتج
جهود الحكومة، ويعتبر من أهم إنجازاتها، وهو إنجاز ولاشك، إلا أن تداعياتها أخطر
مما يمكن أن يتصوره البعض، لأنها تداعيات معقدة تكتنف ساحات عدة في داخل إيران
ومنطقة الشرق الأوسط والعالم.
أول هذه التداعيات هو فتح شهية جيش حراس الثورة الإسلامية نحو سوق
السلاح، سواء بالبيع أو الشراء، وهو أمر يتفرع منه خطران، خطر داخلي، لأن الإقبال
على شراء السلاح، مع استغلال الأموال المجمدة لدى بعض الدول لهذا الغرض، سوف يضغط
على مستوى معيشة الفرد في إيران، والتي بلغت حدا لا يحتمل، فإذا زاد كان سببا في
غليان شعبي يهدد النظام، وربما يفضي إلى حرب أهلية، أو ثورة شعبية. أما الخطر
الخارجي فيتعلق بتصدير السلاح إلى الدول الصديقة لإيران في المنطقة العربية ومنطقة
الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، وهو ما يشعل حربا جديدة في سوق
تجارة السلاح من ناحية، وما يهدد بحدوث توترات أو صدامات في مناطق المشترين للسلاح
الإيراني. وهو إن كان يسبب اتخاذ إجراءات من بعض الدول ضد إيران، إلا أنه يحل
مشاكل اقتصادية لإيران، تستطيع من خلال ذلك أن تجعل العقوبات الدولية على إيران
بلا تأثير حقيقي.
ثاني هذه التداعيات هو اختلاف شكل الفسيفساء على خريطة العمل
السياسي الإيراني، مع حدوث تغييرات في القيادات والمناصب يتبلور أقصاها في
انتخابات رئاسة الجمهورية بعد بضعة أشهر، وهي المدة الكافية لحركة جيش حراس الثورة
الإسلامية في سوق السلاح. بل إن هذا التداعي ظهر جزء مباشر منه في نفس الوقت،
يتعلق بمطالبة التيار الأصولي بخلع الرئيس حسن روحاني وإدانته، وربما إعدامه، وهو
ما سنفرد له دراسة مستقلة إن شاء الله.
ثالث التداعيات يتعلق بأن يفتح هذا الأمر مجالا لبروز التيار
الإصلاحي بشكل شعبي، يتم من خلاله المطالبة بإعادة النظر في وقف التفاوض مع
الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبار ضعف موقفها إزاء هذا القرار، واستعدادها
للتفاوض مع إيران، خاصة إذا حدث سقوط الرئيس ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية.
رابع هذه التداعيات أن تقوى شوكة التيار الإصلاحي شعبيا، وهو ما
يمكنه من دخول منافسة قوية مع التيار الأصولي على السيطرة على السلطة التنفيذية
واقتناص منصب رئيس الجمهورية في الانتخابات القادمة، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى
توترات داخلية في إيران، تشبه حربا سياسية شعبية، قد تنتهي بتغيير شكل النظام أو
على الأقل سياسة الدولة.
خامس هذه التداعيات أن تؤدي تجارة السلاح إلى نفوذ أكبر لجيش حراس
الثورة على الدولة، وتوجيهه لسياستها وحركتها الداخلية والخارجية، وتولي قياداته
مناصب رئيسية في الدولة.
لاشك أن إسقاط عقوبة مع بيع وشراء السلاح عن إيران يمثل سلاحا ذا
حدين أحدهما في يد إيران والآخر على رقبة النظام الإيراني، إلا أن إيران قد حققت
ثلاثة مكاسب، المكسب المعنوي لإيران واضح تماما، باعتبار نجاحها في تخطي المعارضة
الأمريكية لحدوث هذا الأمر، وهزيمتها في عدم القدرة على مد أمد العقوبة، بسبب
خروجها المتعجل من الاتفاق النووي دون دعم دولي أو حتى من الأعضاء المشاركين في
الاتفاق. المكسب الثاني هو أن عملية إلغاء عقوبة منع إيران من بيع وشراء الأسلحة
قد أدت إلى ميزة أخرى سياسية لإيران، حيث تم رفع العقوبة عن ٢٣ شخصية إيرانية،
وحصولها على حرية السفر والتنقل خارج إيران، المكسب الثالث مادي لأن الأموال
المجمدة التي كانت محولة باسم هؤلاء الأشخاص في بنوك عالمية وتبلغ حوالي أربعين
مليار دولار، سوف يفرج عنها لصالح إيران.
ينبغي أن نضع في الاعتبار تداعيات أخرى سوف تكشف عنها التحولات
القادمة، على الساحة الداخلية الإيرانية والساحة الإقليمية والساحة الدولية، وإن
غدا لناظره قريب.
0 تعليقات