سامح جميل
فى مثل هذا اليوم 3 اكتوبر 2009م وفاه الملكة فاطمة السنوسي، زوجة
ملك ليبيا الأسبق إدريس السنوسي.
الملكة فاطمة "فاطمة الشريف" أو "فاطمة
السنوسي" (1911 - 3 أكتوبر 2009)، ملكة ليبيا السابقة باعتبارها أرملة الملك
محمد إدريس السنوسي آخر ملوك ليبيا قبل انقلاب سبتمبر 1969. وهي ابنة المناضل
الليبي أحمد الشريف السنوسي.
ولدت في منطقة التاج بواحة الكفرة، ليبيا العام 1911، وأقامت بها
حتى بلغت السابعة عشر من العمر. كانت خطوبتها العام 1933 من ابن عمها محمد إدريس
السنوسي الذي كان وقتها أمير برقة، وتزوجا في مصر عام 1934، لتصبح زوجته الأولى.
أقاما في حمام مريوط الواقعة غرب الإسكندرية بمصر، ثم انتقلا لاحقاً إلى القاهرة
قبل تأسيس جيش التحرير السنوسي حتى عادا إلى برقة بعد انتهاء الحرب العالمية
الثانية. وبعد استقلال ليبيا عام 1951 وتتويج إدريس السنوسي ملكا على البلاد صارت
طبقا للدستور الليبي تحمل لقب "الملكة فاطمة".
لم تنجب الملكة وزوجها، إلا أنها قامت بتبني ابن شقيقها
"عمر" والطفلة "سليمة" التي فقدت أهلها أثناء الحرب الجزائرية
الفرنسية.
بعد الإطاحة بالحكم الملكي في ليبيا في 1 سبتمبر 1969 أقامت في
العاصمة المصرية القاهرة حتى وفاتها في 3 أكتوبر 2009.
انت مصادر دخلها تعود إلى ما خصصه لها الرئيس عبدالناصر وجزء من
ريع أوقاف الزاوية السنوسية بمكة والمدينة والذى يوزع على مئات من العائلة
السنوسية.
في الأول من سبتمبر 1969م كانت الملكة فاطمة خارج البلاد برفقة
زوجها الملك إدريس في رحلته العلاجية إلى اليونان و تركيا ويذكر مصطفي بن حليم في
كتابه (صفحات مطوية من تاريخ ليبيا السياسي) انه بعد أن علم بخبر الانقلاب وهو في
زيورخ حاول الاتصال بالملك ولم يتمكن من محادثته (واقتصر الاتصال على حديث سريع
بين زوجتي والملكة فاطمة حيث استطاعت زوجتي أن تنقل إليها رجائي للملك بأن يستقل
أول طائرة ويعود إلى طبرق لأن مستقبل الوطن يستدعي منه هذه التضحية فقد كنت موقناً
أن عودة الملك سوف تؤدي إلى فشل الانقلاب و لكن كان رد الملكة فاطمة أن الملك
مرتاح و أن الأمور على ما يرام …الخ).
لم يأخذ الملك بهذا الرأي بل اختار الرحيل ومعه زوجته الملكة إلى
مصر مهاجرين مرة أخرى وكما هاجرا إليها فى المرة الأولى قبل أكثر من أربعين سنة
كذلك فى هذه المرة لم يكن معهما أي مبلغ من المال فخصصت لهما حكومة الرئيس المصري
عبد الناصر قصراً بمنطقة الدقي بالقاهرة وكذلك مصيفاً بالإسكندرية كما خُصص لهما
مرتباً سنوياً قدره(عشرة ألاف جنيه مصري ) وبرغم هذا الهدوء الذي قابل به الملك
إدريس و الملكة فاطمة زمرة الانقلاب وعدم إبداء أي نوع من المقاومة لهم رغم
مشروعيتها فإن أولئك المجرمون الأوغاد قد أساءوا إليهما بكل ما يستطيعون فمنذ الأيام
الأولى للانقلاب قاموا باحتجاز الفتاة سُليمة التي سبق الحديث عنها وقد كانت
الملكة فاطمة تحبها كثيرا وتتعلق بها مما جعلها تمر في تلك المدة التي أعقبت ذلك
الانقلاب الأسود بفترة عصيبة وتوتر شديد بسب فراق سُليمة والخوف عليها كما قاموا
كذلك باحتجاز السكرتيرة الفلسطينية إلى أن تدخل الرئيس المصري عبد الناصر وتم
إطلاق سراحهما والسماح لهما بمغادرة طرابلس إلى القاهرة بعد شهرين تقريباً، كما
استخدم أولئك الانقلابيون البغاة فى إسأتهم إلى الملك والملكة كل الوسائل المادية
والمعنوية ولم يراعوا فيهما إلاً ولا ذمة فقد منعوا عنهما أي مرتبات أو مصاريف
وصادروا أملاكهما الخاصة (التي كانا قد اشترياها من مالهما الخاص) ونهبوا
مقتنياتهم وأغراضهم الشخصية فسرقوا الثمين منها وتركوا للرعاع والغوغاء نهب وإتلاف
الباقي بل إن الأمر وصل بهم أنهم أرسلوا للملكة فاطمة ملابسها الخاصة بعد تشويهها
بالمقص (ويقال إن احد أعضاء مجلس قيادة الانقلاب قد اشرف بنفسه على تشويه الملابس
قطعة قطعة) ولعل من أكبر المهازل التي اقترفها أولئك المجرمون هو إجراءهم محاكمة
صورية للمسؤولين في العهد الملكي وعلى رأسهم الملك فيما عرف زوراً بمحكمة الشعب
والتي كان يترأسها المدعو بشير هوادي وقد حكمت تلك المهزلة غيابياً على الملك
بالإعدام رمياً بالرصاص وعلى الملكة بالسجن وقد ورد فى أخر سطور كتابهم التافه
المسمى حقيقة إدريس (وكانت المحكمة عادلة ورحيمة…رجل واحد صدر ضده حكم بالموت هو
إدريس المهدي السنوسي وذلك لأنه أجرم فى حق أمة كاملة جرماً لايمكن أن يجد القضاة
له من مبرر أو أعذار) وبرغم ذلك كله فان هذه الملكة الصالحة كما هو حال زوجها
الملك الصالح قد قابلا ذلك الظلم والعدوان والجحود والنكران بالصبر وقوة الإيمان
والامتثال لقضاء الله وقدره ولم يردّا عليه إطلاقا حتى بمجرد تصريح.
عاشت الملكة فاطمة مع زوجها الملك إدريس في القصر الذي خصصته لهما
الحكومة المصرية والمرتب السنوي الذي ذكرناه مع ما أصبحا يتحصلان عليه فيما بعد من
حصتهما في ريع أوقاف الزوايا السنوسية في مكة المكرمة والمدينة المنورة (وهو مبلغ
يوزع على جميع أفراد العائلة السنوسية)وكانت حياتهما كما كانت دائماً هادئة بسيطة
بعيدة عن الترف والأضواء.
فى 25مايو 1983م توفي زوجها الملك الصالح السيد إدريس السنوسي رحمه
الله بعد عِشرة عمرٍ معها دامت لأكثر من نصف قرن وقد رافقت جثمانه الطاهر الذي نقل
بطائرة خاصة من القاهرة ليدفن بالمدينة المنورة بمقبرة البقيع إلى جوار جده رسول
الله صلى الله عليه وسلم بالقرب من قبر ابن عمه والد الملكة السيد أحمد الشريف
رحمه الله.
بعد وفاة الملك تركت الملكة القصر الذي كانت تقيم فيه واشترت من
مالها الخاص شقة صغيرة بحي الدقي بالقاهرة انتقلت إليها و شقة أخرى مقابلة لها
أقام بها ابن شقيقها السيد نافع العربي السنوسي وزوجته وكان السيد نافع قبل ذلك
بسنوات قد تفرغ لخدمتهما (الملك والملكة ) والإقامة معهما ثم انتقلوا بعد عدة
سنوات إلى مقر سكن جديد بمدينة الشيخ زايد في منطقة السادس من أكتوبر بالقاهرة.
في النصف الثاني من التسعينيات طلبت المدعوة صفية زوجة القذافي من
السيدة الملكة السماح لها بزيارتها بطريقة لم تكن مهذبة فقد أرسلت بعض حراسها
ودخلوا العمارة بطريقة فجة ووصلوا إلي الشقة و ابلغوا الملكة بأن صفية تريد
زيارتها وتعرض عليها تقديم المساعدة التي تطلبها لكن الملكة رفضت ذلك ولم تعطها
إذنا بزيارتها.
رغم تقدم الملكة في السن إلا أنها كانت تحرص سنوياً على أداء
العمرة والبقاء لفترة بالأراضي المقدسة كما كانت تواظب على قضاء أسبوعين في كل سنه
بمنطقة الحمّام بالصحراء الغربية لمصر في بيتها القديم الذي كانت تقيم فيه مع
الأمير إدريس ( آنذاك)بعد زواجهما عام 1930م وقد كانت تحرص على ترميمه والمحافظة
عليه على حالته وكانت كلما حضرت إليه تستقبل اهالى المنطقة وتتفقد أحوالهم مما
جعلهم يتطلعون إلى تلك الزيارة السنوية المباركة ويبتهجون بها. وقد عـُرف عن
الملكة برغم بساطة عيشها أنها تمتاز باللياقة والذوق الرفيع وكانت منظمةً فى
حياتها تقضى أغلب وقتها في قراءة القرآن الكريم وتحافظ على أورادها وواجباتها
الدينية اليومية كما كان ضمن برنامجها الدائم المشي لمدة ساعة كل يوم.
3 أكتوبر2009م وبعد صراع مع المرض دام ثلاثة أسابيع توفيت الملكة
فاطمة بمستشفى الصفا بحي المهندسين بالقاهرة عن عمر يناهز 99 عاماً وحُمل جثمانها
إلى تلك البقاع الطاهرة التي سبقها إليها زوجها الملك الصالح السيد إدريس المهدي
السنوسي وقبله والدها المجاهد البطل السيد أحمد الشريف السنوسي وقد كان من المنتظر
أن تدفن إلى جوارهم بالبقيع إلا أن تأخر بعض الإجراءات أدى لدفنها مع ( شهداء احد
) وكأن القدر أراد لهذه الملكة الطاهرة المظلومة الصابرة المحتسبة أن تستريح إلى
جوار أولئك الشهداء الأبرار وعلى رأسهم سيد الشهداء حمزة عم الرسول الأعظم صلى
الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم جميعاً وأرضاهم .وهكذا توقفت دقات ذلك القلب
الذي كان ينبض دائماً بحب الخير لكن قلوب محبي الخير ستظل دائماً تنبض بمحبتها إلى
أن تتوقف دقاتها. وغادرت هذه الدنيا الفانية تلك الإنسانة العظيمة والملكة الصالحة
التقية النقية سليلة الصالحين فرع الدوحة النبوية الشريفة وقد عاشت حياتها – التي
قضت أغلب سنواتها غريبةً عن بلادها – تواجه مصائب الدنيا وامتحاناتها القاسية
بالإيمان والصبر والاحتساب وتركت الدنيا قبل أن تتركها ففي رسالة بعثت بها إلى (دى
كاندول) وزوجته*** بتاريخ 13 سبتمبر
رفضت السلطات السعودية أن يتم الصلاة عليها في حرم المسجد النبوي
الشريف بسبب موقفها السياسي العام وحيث أن الدولة قد احتوتها لكن لم ترد ضجة
اعلامية ولم تسمح بدفنها في مقبرة البقيع بجوار زوجها الملك محمد إدريس السنوسي
حيث دفنت في 7 أكتوبر 2009 في مقبرة جديدة قرب المدينة المنورة دون السماح بحضور
ذويها.
تم نشر نعي مقتضب في وسائل الاعلام الليبية الرسمية آنذاك، وذكر
خبر وفاتها على كونها "ابنة المجاهد أحمد الشريف السنوسي". كما قام
التلفزيون الليبي ببث خبر الوفاة على شريط الأخبار أسفل قنواته.!!
0 تعليقات