علي الأصولي
لا يجود الزمان كعادته إلا بقلة من النابهين، عكس الكثرة الكاثرة
من المغفلين تارة والغافلين تارة أخرى ، علماء وعوام غير أن التيار الواسع دائما
تجده يرفد من يناغيه حتى لو كان غبيا،
سيف الدين الآمدي المتوفى سنة (631ه) كان مفكرا أشعريا من أنصار
الاستعانة بالفلسفة والمنطق في خدمة الدين والرد على الملاحدة، وهو صاحب التصانيف
الشهيرة في علم الكلام والأصول وكان أستاذا ( لعز بن عبد السلام ) الفقيه الشافعي
المعروف. وقد عانى الامدي معاناة شديدة من الشيوخ التقليديين في زمانه، والسبب أنه
- تفنن في علم النظر والحكمة، والفلسفة وأكثر من ذلك - كما قال المؤرخ الذهبي -
وكان من أذكياء العالم فتواطأ عليه القضاة والفقهاء وجمعوا توقيعات للسلطان بكفره
واستباحة دمه، ولمّا لم تنجح مكيدتهم ، تآمروا عليه في دمشق ، وكان يعمل مديراً
لإحدى المدارس الشهيرة، فعمل القاضي الشافعي الأشعري ( ابن الصلاح ) الذي كان من
أعداء الفلسفة والمنطق ، عمل على عزله من المدرسة وافتخر بذلك قائلا: إنّ أخذ
المدرسة من الآمدي ومنعه من التدريس فيها أحبُّ إلي من تحرير عكا من الفرنجة!!
ومن جملة الاتهامات ما ذكره المؤرخ الذهبي إذ قال: تارك للصلاة،
شاكٌّ في دينه. نفوه من دمشق من أجل اعتقاده!
ولذا أن ابن تيمية يفتخر بانتزاع المدرسة منه فيقول: وقد أمر الشيخ
أبو عمرو ابن الصلاح بانتزاع مدرسة معروفة من أبى الحسن الآمدى، وقال: أخذها منه
أفضل من أخذ عكا من الصليبيين!!
وهذا ابن قيم الجوزية، يصف الآمدي بالثوّر الكبير في قصيدة ألفها
للدفاع عن مذهب السلف، فيقول شاتما الآمدي:
حتى أتى من أرض آمد آخراً
** ثـــورٌ كبير بل حقير الشأن.
وقد استند قصة الاتهام وترك الصلاة باختلاق قصة وان صحة فلا أقل من
تصنيفها على أنه جهل مرير بالفقه، فقد ذكر.
الذهبي عن أحدهم أنه قال : كنا نتردد إلى السيف الآمدي، فشككنا هل
يصلي أم لا؟ فنام ؛ فعلّمْنا على رجله بالحبر، فبقيت العلامة يومين مكانها؛؛
فعلمنا أنه ما توضأ؛ نسأل الله السلامة في الدين!!
وكما ترى أما أنها قصة مختلقة لأنهم خصوم غايتهم الإطاحة به كيفما
كان، أو جهلة بالفقه إذ ربما أن الحبر لم يلتفت اليه الآمدي أصلا أو لعله كان
زواله صعبا فتكون وظيفنه العملية وضوء الجبيرة ونحو ذلك ..
نعم: هذه هي قصة الذكي والنابه إذ قدر له أن يوجد في عصور الغفلة
والمغفلين والمستغفلين، والى الله تصير الأمور ..
0 تعليقات