علي الحفناوي
لينان دى بيلفون، مهندس شاب حضر إلى مصر في ديسمبر من عام 1817،
وهو في العشرين من العمر، مع مجموعات المهندسين والعلماء الذين أرسلتهم فرنسا منذ
حملة نابليون لمساعدة محمد على في أعمال تحديث الدولة المصرية...
كان لينان مرغما بالرسم وبدراسة المشروعات المائية والهيدروليكية
بصفة عامة. ومن جهة أخرى كان مؤمنا بأفكار مهندسى "السان سيمونيين"
الذين يدعون إلى التواصل بين الشعوب من خلال الأعمال الإنشائية الكبرى مثل الطرق والكباري
والقنوات.
استطاع لينان الحصول على وظيفة في وزارة الأشغال المصرية، وبدأ
عمله بمجموعة مهام متنوعة للرفع المساحى والجغرافى في أماكن متفرقة من القطر
المصرى. وكانت سيناء وبرزخ السويس من المناطق التي حازت على اهتمام خاص من لينان.
ومن هنا، بدأ في إعادة دراسة مشروع نابليون لشق قناة السويس، والذى تناوله المهندس
"لوبير" من قبل، ولكنه أخطأ في حساب مستوى مياه البحر الأحمر والبحر
المتوسط، مما عاق تنفيذ المشروع.
ظل لينان يمارس دراسة مختلف المشروعات التي كلفه بها محمد على،
وأهمها بناء قناطر محمد على شمال القاهرة (القناطر الخيرية)، رافضا فكرة محمد على
في استخدام أحجار هرم خوفو لبناء هذا السد. وقد استطاع إقناع محمد على باستخدام إنتاج
المحاجر بدلا من أحجار الهرم، بعد تقديم دراسة تثبت اقتصاديات أفضل لهذا الحل..
وقد نال فيما بعد لقب البكوية.
وفى عام 1827، خمس سنوات قبل حضور فرديناند ديليسبس لمصر، كتب
لينان بك رسالة لمحمد على عن فكرة مشروع قناة السويس يقول فيها: "لقد عدت مرة
أخرى إلى البرزخ، والذى كنت قد زرته مرارا من قبل، فهناك كنت قد بدأت دراساتى
الأولية لمشروع إيصال البحرين".
لم يرفض محمد على مشروع قناة السويس كما قيل، إنما اعتبره بعيدا عن
أولوياته، خاصة أن قنصل بريطانيا قد حذره أن حفر هذه القناة سيجعل منها بوسفورا آخر
في مصر بمشاكل مضيق البوسفور.
جاء ديليسبس مصر عام 1832 وغادرها عام 1837 دون أن يتعرض لمشروع
قناة السويس، ولم يعد لمصر إلا عام 1853 عندما تولى محمد سعيد حكم البلاد. أما
لينان بك، فقد ظل يدرس إلى جانب عمله في وزارة الأشغال، مشروع إنشاء القناة. وكان
هناك العديد من مهندسى السان سيمونيين، مثل "تالابو"
و"موجيل"، وغيرهم مثل المهندس النمساوى "نيجرللى"، ممن يدرسون
ويقدمون الحلول لمشروع القناة.
ومن المستندات التي وجدت بأرشيف الحكومة الفرنسية، هذه الخريطة
الواضحة لأحد مشروعات قناة السويس مؤرخا عام 1844، بتوقيع "لينان دى
بيلفون"، مدير عام الطرق والكبارى.
وبعد ذلك، نجد بعض المصريين يدافعون عن ديليسبس باعتباره صاحب فكرة
ومهندس مشروع قناة السويس، والذى لم يدرس الهندسة في حياته. في حين أن لينان بك،
والذى نال الباشوية عام 1873، كان قد أصبح مصريا، فقد عاش ومات ودفن في مصر، وله
أهم باع في دراسة المشروع، لا يقل عن دور المهندس نيجرللى الذى وضع التصميمات
التنفيذية الأخيرة التي تم اتباعها في حفر القناة.
0 تعليقات