بقلم / سجاد الحسيني
من بين الأمور التي حدثت
ما بعد الاحتلال عام ٢٠٠٣ والتحول الكبير الذي شهده البلد والانتقال من
الدكتاتورية المقيتة الى الديمقراطية الواسعة بروز مايعرف ب"مجالس
المحافظات" والذي نص عليها دستور العراق عام ٢٠٠٥ في الـبـاب الثالث والباب
الخامس سلطات الأقاليم ونص في المادة (116) "يتكون النظام الاتحادي في
جمهورية العراق من عاصمة واقاليم ومحافظات لا مركزية وإدارات محلية" وجاء في
الفصل الثاني منة (المحافظات التي لم تنتظم في إقليم) ونص في المادة (122 اختصاصات
هذه الأقاليم) كما شرع مجلس النواب العراقي قانون ينظم آليات عمل المحافظات وحدد
اختصاصها في قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم 21 لسنة 2008 اذ تنص
المادة الثانية _ خامسا :
"تمارس الحكومات
المحلية الصلاحيات المقررة لها في الدستور والقوانين الاتحادية في الشؤون المحلية
عدا الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحاديه المنصوص عليها في الماده (110) من
الدستور وبدل ان تكون مجالس المحافظات جهة تشريعية ورقابية، تراقب عمل السلطة
التنفيذية (المحافظين ورؤساء الوحدات المحلية) داخل المحافظة، وتكون حائل دون
انتشار الفساد ومحاسبة الفاسدين والمقصرين واقالتهم، باتت هي الأخرى عبئ ثقيل على
كاهل المواطن ولم تكن بمعزل عن سخط الناس وانتقادهم اللاذع لمؤسسات الدولة بشكل
عام اذ كان لتلك المجالس حصة كبيرة من منظومة الفساد المالي والإداري والصراعات
السياسية فضلا عن المجاملات و المحسوبية والابتزاز وغيرها مما جعلها في دائرة
الاستهداف من قبل المواطن وعدّها حلقة زائدة تعرقل عمل السلطة التنفيذية، حتى تكرر
مشهد التظاهرات أمام مباني مجالس المحافظات عدة مرات مطالبين بالإصلاح وإلغاء
المجالس حتى وصلت الاحتجاجات والضغط الشعبي إلى ذروته واتخذت عدة قرارات لتهدئة
الشارع الملتهب..
ومن بين القرارات التي اتخذتها السلطات العراقية لاحتواء حركة
الاحتجاجات الشعبية التي بدأت في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 2019، قرارات مجلس
النواب في جلسة 8 أكتوبر من نفس العام والذي نص على :
إنهاء عمل مجالس المحافظات
غير المنتظمة بإقليم ومجالس الأقضية والنواحي التابعة لها - ويقوم أعضاء مجلس
النواب وكلاً قدر تعلق الأمر بالمحافظة التي يمثلها بممارسة الإشراف والرقابة على
أعمال المحافظ ونائبيه في كل محافظة.
إلا أن أعضاء تلك المجالس رفضوا القرار بحجة عدم دستوريته
و"تشتيت الجهود الخدمية" وبعد هذه الإرهاصات احتفل بعض البسطاء بالقرار
ظناً منهم انه إلغاء نهائي للمجالس وعبروا عن تايديهم لهذا القرار ، مع المسألة
واضحة من حيث القانون ، مجالس المحافظات وجدت وفق الدستور ولاتلغى الا بتعديل
الدستور وقرار البرلمان كان مبنياً على مرتكزين:
الأول هو المطالبات
الشعبية المستمرة بالغاءها لعدم جدوى هذه المجالس وعدم تقديمها أي شيء يذكر في
أداءها الإنجازي، الثاني: إنها تجاوزت السقف الدستوري في ولايتها المحددة بأربع
سنوات تقويمية وفقا للقوانين التي أشرنا اليها بينما تجاوز عمر هذه المجالس 7
سنوات!!
وذلك لعدم إجراء
الانتخابات في موعدها المقرر بحجة أوضاع البلد الأمنية وإحداث داعش الا ان الدافع
الحقيقي هو الصراعات السياسية بين الكتل والأحزاب والخلاف على قانون الانتخابات
والذي يرغب كل حزب ان يكون هو المسيطر على الاكثرية داخل المجلس ووصل الصراع الى
حد العبثية والتطفل وشاهدنا الفوضى في اكثر من محافظة تارة المجلس يقيل المحافظ
وتارة المحافظ يرفع دعوى على رئيس المجلس وعدد من الاعضاء وتارة يكون المحافظ
ورئيس المجلس من نفس الكتلة فيكون الطرفان في مأمن ويجر هذا الصراع الى حتى يشمل
"محاصصة" مدراء الدوائر داخل المحافظة بل وحتى الى مدراء الأقسام والشعب
داخل الدوائر مما يخلق نوع من عدم الاستقرار والفوضى وبالتالي ينعكس ويؤثر سلبا
على المواطن والموظف معا!!
سببت قضية مجالس المحافظات حرج لكل سلطات الدولة وخصوصاً السلطة
القضائية والتشريعية فهي من ناحية قانونية وجودها صحيح ودستوري ومن ناحية أخرى
الشعب رافض لوجودها جملة وتفصيلا وبقيت القضية طي الكتمان والتاجيل على أمل هدوء
الشارع والوضع بشكل عام، والآن مع قرب موعد الانتخابات المبكرة المزمع إقامتها في
منتصف ٢٠٢١ خرجت دعوات ومقترحات من هنا وهناك لدمج انتخابات مجالس المحافظات مع
الانتخابات النيابية مع فرض اجرائها في موعدها المقرر وهذا امر مستبعد في ظل
المعطيات الحالية،، مما جعل اشكالية المحافظات تعود إلى الواجهة مجددا وسرعان
ماشكلت رأي عام شعبي رافضا لها.. ورغم سلامة التكييف القانوني لمجالس المحافظات
الا أنه توجد حلول قانونية سليمة لمن "يبحث عنها" لحل اشكالية مجالس
المحافظات والتي هي بين كماشتين "الدستور والإرادة الشعبية".
وبما ان الشعب مصدر السلطات وإرادته هي الارادة الأسمى فيمكن ان
يعبر عن إرادته بإلغاء او تعديل او إضافة فقرة في الدستور وبما ان الطريق القانوني
لإلغاء مجالس المحافظات بشكل نهائي يحتاج إلى تعديل الدستور وإلغاء المادة الخاصة
بها وبما ان دستور العراق 2005 يعد من الدساتير الجامدة التي يصعب تعديلها (
والمذكورة في المادة 126 من الدستور ) لذا ينبغي ان نبحث عن طرق أكثر سهولة
ولاتستغرق وقت طويل، ومن بين الحلول السريعة : تعديل قانون "المحافظات
21" ومما يثير الاستغراب والشك في انٍ واحد تغافل البرلمان عن ما نصت عليه
الأحكام الختامية في المادة (٤٦ ثالثا) التي تضمنت : في حال تأجيل الانتخابات
تستمر مجالس المحافظات والأقضية والنواحي بممارسة عملها لحين انتخاب مجالس جديدة.
وهنا نص القانون الذي يعد نافذا واضح ورغم مرور أربع تعديلات طالته الا انها لم
تمس جوهر هذه المادة!! من السهل جدا لمن يبحث عن الصلاح تعديل المادة واضافة فقرة
( تأجيل إجراء انتخابات مجالس المحافظات لفترة زمنية محددة ) والدليل القانوني لهذا
المقترح هو سابقة "مجلس الإتحاد" كما هو معروف ان النظام البرلماني
يشترط وجود مجلسين الاول مجلس النواب والاخر مجلس الإتحاد وهذا مانص عليه دستور
2005 الا أنه مجلس الإتحاد لم يرى النور ولم يشكل لحد الآن!! والسؤال هو ما الذي
تأثر عدم تشكيل مجلس الإتحاد؟
الجواب ببساطة لاشيء!
وكذلك الحال في مجلس المحافظة مضى قرابة عام على انهاء عمله والى
الآن لم يحدث شيء فما الداعي لاعادته رغم رفض الشارع له !؟ ومن خلال فترة التأجيل
تكسب الدولة وقت جيد اذا توفرت لديها النوايا الصادقة بإجراء إصلاحات مستقبلا من
خلال تعديل بعض فقرات الدستور،، والأفضل باعتقادي ان يتشكل "المجلس" من
قبل "مدراء الدوائر" في كل محافظة وينتخب محافظ من قبل الشعب مباشرة
وهذا الإجراء فيه عدة فوائد اولا_ انهم لايكلفون الدولة اموال لانهم مدراء عامون
ولديهم مخصصات ورواتب جيدة وثانيا_ انهم وبحكم خبرتهم وعملهم في مفاصل دوائرهم
وخدمتهم الطويلة فيها تجعلهم اكثر من غيرهم خبرة بما تحتاجه المحافظة من مشاريع
وخدمات وحتى تشريعات،، وبما ان القانون يطبق ويحتج به فقط عندما تقتضي مصلحة
الاحزاب والكتل المتنفذة والشواهد كثيرة اوضحها محافظة كركوك التي لم تجري
انتخابات مجالس المحافظة منذ الإنتخابات الاولى حتى انهائها في 2109، بدوافع
سياسية عرابها "مسعود البرزاني" الذي كان ولايزال مستحوذ على مفاصل
المحافظة ومواردها الطبيعية ومنشآتها!! لست داعيا لخرق القوانين ولكن خرق الدستور
الذي يمثل خرق لسيادة الشعب باعتباره المعبر عن ارادته وكذلك خرق القوانين لايمثل
شيء لدى الدولة بل يعد امر طبيعي درجت على فعله، لماذا لاتخرق القوانين عندما
يتحقق بهذا الخرق مصلحة للشعب خصوصا اذا كان هذا الخرق مطلب شعبي والشعب هو المصدر
الأساسي لكل السلطات؟؟!
والله المستعان.
سجاد الحسيني 2020/12/31
0 تعليقات