آخر الأخبار

"يوسف صديق" وليلة الثورة

 


 

 

 (... صورة نادرة لعدد من أعضاء مجلس قيادة ثورة ٢٣ يوليو ، يغيب عنها ثلاثة أسماء هم " خالد محيي الدين والأخوين صلاح سالم وجمال سالم " ...

 

أما الحضور فثمة وجوه معروفة وأخرى لم تكن كذلك ....

 

******

الأسماء التي يعرفها غالبية الناس ، تبدأ بالرئيس محمد نجيب ، الزعيم الواجهة للثورة ، والرئيس جمال عبد الناصر ، القائد والزعيم الحقيقي للثورة ، وآخرين أمثال : عبد الحكيم عامر وكمال الدين حسين وعبداللطيف البغدادي وزكريا محيي الدين ، وحسن ابراهيم وأحمد شوقي ، وهو لم يكن عضواً بمجلس قيادة الثورة ، غير أنه كان مسئولاً عن تحركات الجيش ليلة الثورة مع زميله أحمد حمروش ، في الإسكندرية ، وكان الاثنين مع يوسف صديق ينتمون لتنظيم الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني المعروفة اختصاراً ب " حدتو " وهي كلمة تضم الحروف الأولى من اسم هذا التنظيم ذو التوجهات الماركسية ....

 

*****

 

فيما يتعلق بزميلهم الثالث "يوسف صديق " أقول :

أن " يوسف صديق " هو فارس الكلمة والموقف ضمن ثوار يوليو ، فضلاً عن أنه رجل القدر الذي بعثه الله في لحظة حاسمة في تاريخ الثورة ، فالرجل كان شاعراً مُبدعاً ويسارياً نبيلاً.....

****

 

فله عدد من القصائد الوطنية الكثيرة ، قام بجمعها شقيق زوجته الشاعر اليساري " محمود توفيق " رحمه الله ...

 

أما عن " يوسف صديق" نفسه فقد انضم الى حركة الضباط الأحرار بقيادة "عبد الناصر" بين عامي ١٩٥٠ و ١٩٥١ ، اذ توجه الى منزله في أكتوبر من عام ٥١ زميله النقيب " وحيد جودة رمضان " وبتكليف من "عبدالناصر" بالإنضمام للحركة ، دون أن يبلغه بالطبع اسم قائد حركة الضباط الأحرار ، ولكن قبل قيام الثورة بعدة أيام زاره ناصر وعبدالحكيم عامر في منزله ليُطلِعاه عَلى اقتراب موعد الثورة ...

 

******

 

وفي يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من يوليو اجتمع في الساعة السادسة ليلة الثورة عدد محدود من الثوار، وهم بعض أعضاء لجنة القيادة ، في منزل "خالد محيي الدين" وبحضور ناصر وعبد الحكيم وزكريا محيي الدين واضع الخطة النهائية للتحرك ، فضلاً عن صاحب البيت خالد محيي الدين ، وكان التوجيه وفق خطة تحرك الثوار هو الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ...

 

غير أن يوسف صديق الضابط في كتيبة المشاة /مدافع الماكينة ، لم يصله الموعد الجديد لبدء التحرك والإستيلاء على مقر رئاسة الأركان والتي كان مُكلفاً بها ، فقد أبلغه رسول القيادة الضابط " زغلول عبدالرحمن " بموعد التحرك السابق المُتفق عليه ، وهو الثانية عشر مساءاً ، أي عند منتصف الليل ....

 

وفي ضوء ذلك تحرك" يوسف صديق " في موعده ، الثانية عشر ، غير أنه اعتلى عربته العسكرية ، وتوجه الى زملائه والجنود بكلمة قصيرة وحاسمة ، أبلغهم فيها :

 

" أنهم مُقدمون عَلى حدث عظيم وخطير في حياة الوطن ، وأن كل من سيُشارك فيه سيناله شرف الشهادة ، أو النجاح وبناء مصر من جديد ، حدث ستفخرون به ، أنتم وأولادكم وأحفادكم ، وأحفاد أحفادكم " !!

 

******

 

وتحركت قواته من معسكر الهاكستيب البعيد نسبياً عن رئاسة الأركان ، والواقع في أطراف ضاحية مصر الجديدة ، والقريب من مدينة العبور الآن ...

******

 

وكانت بعض الأخبار قد تسربت عن تحرك الجيش في تلك الليلة ، فوجد " يوسف صديق" وقواته خلال تحركهم صوب الهدف اللواء " عبد الرحمن مكي " قائد اللواء الذي يعمل به "يوسف صديق" ، فتم إعتقاله ، وبعد دقائق حدث نفس الأمر مع القيادة الثانية في اللواء الأميرالاي " عبدالرؤوف عابدين" فتم اعتقاله أيضاً، وتبين أن القائدين هّرّعّا الى قيادة اللواء لمنع تحرك وحداته ومشاركتها في الثورة !!

 

وكان منظراً مثيراًللغاية ، وبصورة تدل عَلى ذكاء وبطولة " يوسف صديق " حيث إقتاد قائده ومساعده في سيارة جيب تسير خلف سيارته العسكرية التي كانت تقود قواته ، موزعاً نظراته بين توجيه القوات صوب مركز القيادة في كوبري القبة ، ومُتابعاً لقائديه الذين تم اعتقالهما ، مُِكلفا زميله " عبدالمجيد شديد" بحراستهما ، واضعاً إياهما تحت

إشرافه !!

********

 

وبعد قليل من الوقت وصلت قوات "يوسف صديق" الى الموقع المُستهدف ، وهو رئاسة أركان الجيش ، وهو بالمناسبة الموقع الذي تشغله الآن مستشفى القبة العسكري وبالقرب من مسجد الرئيس "عبد الناصر" وضريحه ...

 

وكان "ناصر وعبد الحكيم" يقفون في ذلك الموقع لتوجيه القوات صوب الهدف المُحدد ، أي مبنى قيادة الجيش ...

 

غير أنهما وّجّدا "يوسف صديق" قادماً صوب الهدف ، وكان رأي "ناصر" الإنتظار حتى يكتمل وصول القادة أعضاء رئاسة الأركان الذين توافدوا عَلى مبنى القيادة عَلى عّجلْ لتدارك هذا الموقف الخطير والمُفاجئ وقطع الطريق عَلى هذا التحرك العسكري لعدد من وحدات الجيش في داخل القاهرة وضواحيها !!

 

غير أن "يوسف صديق" ، الذي لم تصله آخر التعديلات التي أعدها مجلس قيادة الثورة في بيت "خالد محيي الدين" ، حّرّكّتهُ الأقدار لسبب انساني بعيد عن كل تصور !!

*******

 

فقد كان الرجل ، مُصاباً بمرض في الرئة وبدأ النزيف ، نزيف الدم ، يّنزف من صدره ، فاتخذ قراره بالتحرك قبل أن تتدهور حالته الصحية !!

*****

 

كان "عبد الناصر" وزميله "عبدالحكيم عامر" يقفان بالقرب من مبنى القيادة ، وتحديداً عند المكان الذي يوجد فيه مسجده الآن ، ونّزّل بعض جنود الكتيبة التي يقودها "يوسف صديق" صوب الرجلين لإعتقالهما ، حيث كانت تعليمات القيادة ، قيادة الثورة ، إعتقال كل من تجده في طريق حركتها ، فما كان من هؤلاء الجنود أن توجهوا الى "ناصر وعامر" لتنفيذ الأمر ، أمر الإعتقال ، وقد تحدث الرئيس "عبدالناصر" في العيد العاشر للثورة في يوليو عام ١٩٦٢ تفصيلاً عن الموقف البطولي لزميله " يوسف صديق " ووقائع إحتجازه هو و" عبدالحكيم عامر" من قٍبل تلك القوات !!

غير أن "يوسف صديق "قد سمع وهو يقود الكتيبة من مركبته ، بما يشبه النقاش عالي الصوت ، وسرعان ما حدد نبرات صوت "عبدالناصر" ، اذ بادر هؤلاء الجنود ، بسؤال "ناصر وعامر" عن كلمة السر حتى يفلتا من الإعتقال ، فقالا لهم ، ان كلمة السر هي " نصر " !!

******

 

في هذه اللحظة وجد

"عبدالناصر" ، أمامه صديقه " يوسف صديق " ليسأله عن سبب تواجده في هذه الساعة ، أي الثانية عشر ليلاً ، وقبل الموعد المُقَرِّر للحركة !!

أبلغه "يوسف صديق" أنه تحرك وفق الميعاد السابق ، وأن النزيف الذي إشتدّ به لم يعد في إمكانه تحمل آلامه ، بالإضافة الى أنه لم تصله التعديلات الجديده عَلى مواعيد التحرك !!

فما كان أن وافقه "جمال عبد الناصر "بعد نقاش سريع وحاسم على قراره ، أي قرار " يوسف صديق " بالتوجه الى الهدف ...

حينها دخلت قوات الثورة بقيادة يوسف صديق ، الى رئاسة أركان الجيش بعد مقاومة سريعة من قوات حرس القيادة ، سقط عَلى اثرها اثنين من جنود الثورة واثنين مثلهما من قوات قيادة الجيش ...

وسرعان ماتم القبض على قادة الجيش برئاسة الفريق "حسين فريد " المجتمعة في الطابق الثاني من المبنى ، خلال اجتماعهم لإجهاض الثورة ، اذ حاول أحد الجنود اعتراض يوسف صديق وقواته من الوصول الى هدفه ، فأطلق الرصاص على قدميه دون أن يقتله ، وبعدها توجه الى غرفة الإجتماع المُغلقة ليقبض عَلى من بداخلها ، فرفضوا الإنصياع الى أوامره ، فبادر الى إطلاق الرصاص عَلى الباب الموصد ، وما ان فُتح ، وجد قادة الجيش المجتمعين برئاسة رئيس الأركان "حسين فريد" يرفعون أيديهم بمناديلهم البيضاء إعلاناً عن استسلامهم جميعاً !!

*********

 

في تلك اللحظات وصل "عبد الناصر وعبدالحكيم " الى رئاسة الأركان ، ووجدوا الفارس النبيل " يوسف صديق " قد نجح في إعتقال كل قيادة الجيش ، جالساً في مكتب رئيس الأركان ، وما ان دخل عليه "عبدالناصر" ، حتى ترك له موقعه ، ليعطي "ناصر " تعليماته بحركة القوات في تلك اللحظة المجيدة في تاريخ الوطن من مقر القيادة ، والتي سرعان ما وصلها قادة الحركة من الضباط الأحرار ، واستدعاء اللواء "محمد نجيب" من بيته بعد نحو ثلاث ساعات من إحكام السيطرة على مفاصل الدولة والجيش ووزارة الداخلية ووزارة المالية والإذاعة والقصور الملكية والطرق الرئيسية المؤدية الى القاهرة ، فضلاً عن تحريك القوات الى الإسكندرية قبل بزوغ فجر يوم الأربعاء الثالث والعشرين من يوليو ، حيث كان الملك "فاروق" مُقيماً في قصر رأس التين ، وغالبية حكومته يمارسون عملهم المُعتاد في فصول الصيف من مقر مجلس الوزراء من قصر " بولكلي " بوسط العاصمة الثانية للبلاد ...

******

 

وتبدأ مرحلة جديدة من حياة مصر والأمة والعالم ...

******

 

وهكذا كان "يوسف صديق" هو منحة الله التي بعثها بمشيئته في تلك اللحظة الحاسمة في تاريخ مصر ...

رحم الله الجميع والمجد والخلود لهم جميعاً ، والمجد والخلود لكل من أحّبّ هذا الوطن وأخلص له العطاء ... )

******

صلاح زكي أحمد

القاهرة :

الساعات الأولى من صباح يوم الأحد الموافق ٣ يناير ٢٠٢١

الإهداء :

الى روح " يوسف صديق " فارس الثورة النبيل في ذكرى ميلاده ، حيث ولد في ٣ يناير ١٩١٠

إرسال تعليق

0 تعليقات