عمر حلمي الغول
لم يكن مفاجئا حدوث الافتراق
بين قوى القائمة المشتركة مساء الأربعاء الماضي الموافق 27 يناير 2021، حيث صادقت
اللجنة ذات الصلة في الكنيست بالقوائم على فك الشراكة داخل المشتركة، وتمخض عن ذلك
نشوء 3 قوائم: الأولى الجبهة والتجمع، والثانية الحركة العربية للتغيير، والثالثة
الحركة الإسلامية الجنوبية. وتوضيح إبراهيم حجازي، رئيس المكتب السياسي للحركة
الإسلامية، بأن مجلس الشورى أبقى الباب مفتوحا لمدة 48 ساعة، وحسب بيانه "لعل
الشركاء في المشتركة، يعودون إلى رشدهم، ويقبلون بالمطالب، التي قدمتها الحركة
الإسلامية." هو شكل من إشكال ذر الرماد في العيون، وتضليل للذات وللشارع
والرأي العام الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، وهروب كامل من
تحمل المسؤولية تجاه مصالح أبناء الشعب، والافتراض بأن مطالب حركته صحيحة، وما على
الآخرين سوى الرضوخ والإذعان لإرادة ومشيئة عباس ومجموعته .
وتأكيدا على عدم
صدقية مهلة ال48 ساعة، ووفق مصادر عليمة، أصدر مجلس الشورى تعميما لقيادات وكوادر
الحركة الإسلامية خلال الإجتماع الطارىء، الذي عقده ليلة الثلاثاء الموافق 26
يناير الحالي، دعاهم فيه إلى الإستعداد لما بعد القائمة المشتركة، ومباشرة العمل،
ولهذا توجهت القائمة الموحدة (الحركة الإسلامية الجنوبية) ليلة الأربعاء الى لجنة
الكنيست، وطلبت الإنفصال عن المشتركة بذريعة الخلافات المفتعلة، والتي لا تمت
للواقع بصلة.
مع ان إجتماع الأحد
الموافق 24 يناير الحالي في بيت محمد بركة، رئيس لجنة المتابعة العليا، الذي ضم
مكونات القائمة المشتركة حقق تقدما ملموسا بنسبة 90% حسب مصادر من داخل الإجتماع. لكن
النوايا المبيتة للنائب منصور عباس وحركته، وخيار تصعيد وتضخيم التناقضات إكتسى
ثوب الإنفصال والإنشقاق عن القائمة. وهو ما عكسه بيان الجنوبية بعد إجتماع
شفاعمرو، والذي أكد على "الخروج نهائيا من دوائر الوصاية سواء من اليسار أو
اليمين." واضاف مرسخا النهج الإنقسامي بالقول" وانها (الجنوبية) قوة
مستقلة تدخل الكنيست بهدف خدمة ابناء مجتمعنا بشكل فعلي بعيدا عن الشعارات
والشعبوية." وهل كان الأخرون لا يخدمون مصالح الجماهير، وتوقفت خدمتهم على
الحركة الاسلامية؟؟! كيف وعلى اي اساس ستقوم الحركة الجنوبية خدمة المجتمع
الفلسطيني في ال48، هل بالإنقسام؟ وهل بالركض في متاهة نتنياهو ومن لف لفه، أم برص
الصفوف، وتعزيز الوحدة على ارضية البرنامج السياسي والمطلبي المشترك؟ ومن هو
الفريق المنتج والمعمم للخطاب الشعبوي الجنوبية أم الجبهة والتجمع؟ غريب امر القوى
الإسلامية المنبثقة من رحم جماعة الإخوان المسلمين، وقدرتها غير المسبوقة على قلب
الحقائق، والإدعاء بما لا تحمله خلفياتها وتوجهاتها على الأرض.
وحتى يكون الحكم
موضوعي ومسؤول، وبعيد جدا عن اية إسقاطات شخصية او عقائدية او فكرية او سياسية،
فإن الحركة الإسلامية الجنوبية بزعامة منصور عباس لعبت دور حامل معول الهدم، وحفر
قبر المشتركة لعدة اسابمنها: اولا الإصرار
على التفرد بدعم نتنياهو؛ ثانيا عدم التراجع عن التصويت لصالح القانون الفرنسي
لحماية رئيس الوزراء الفاسد؛ ثالثا رفض العمل على ارضية البرنامج المشترك؛ رابعا
تضخيم النواقص والخلافات بين اطراف المشتركة؛ خامسا تغليب المطلبي على السياسي،
ورفض الجمع والتوازن بين البعدين في الكفاح لحماية الحقوق السياسي والقانوني
والإجتماعية والإقتصادية والثقافية .. إلخ
إنشقاق الحركة
الإسلامية عن المشتركة، والذي تلازم بانشقاق حركة التغيير، التي على ما اعتقد، لم
تكن بعيدة عن مواقف الحركة الجنوبية، لا بل أفترض التكامل بينهما، مع ان زعيم
التغيير حاول ان يبقى بعيدا عن حرب التحريض شكليا وعلنيا، غير ان المتتبع لطبيعة
ولسياق العلاقات بين الحركتين، يعلم انهما في الجوهر لعبا دورين متكاملين في ما
آلت غليه الأمور، وصبا في خندق واحد.
وبعيدا عن قضايا
التغيير، فإن الجنوبية الإسلامية تتجه لإقامة تحالف سياسي جديد مع قوى جديدة بهدف
توسيع الهوة داخل الشارع الفلسطيني العربي في داخل الداخل. لكن اعتقد ان الحركة
بزعامة النائب منصور، هي الخاسرة لإكثر من اعتبار: اولا لإنها قد لا تتجاوز نسبة
الحسم، وإن تجاوزت النسبة لعامل موضوعي ما، كأن يأتيها الدعم من بعض رؤساء
البلديات المتناقضين مع الجبهة والتجمع، فلن يخدمها مستقبلا، لإنه عامل آني ومؤقت؛
ثانيا رهانها على وعود نتنياهو ستمنى بالفشل، وعلى حساب وجثة الاسلامية الجنوبية،
وعباس خصوصا؛ ثالثا تركت ندوبا قاسية على وحدة الموقف الفلسطيني العربي في ال48،
وعلى الكل الفلسطيني الوطني، ولم تخدم إدعاءاتها بالدفاع عن مصالح ومطالب
الجماهير، بل العكس صحيح. مازال هناك وقت لتراجع الجنوبية مواقفها، لتعود لجادة
الشراكة والمشتركة.
0 تعليقات