د. محمد إبراهيم
بسيوني
طفرات SARS-CoV-2 الجديدة التي ظهرت في انجلترا وأوروبا هي E484K, N501Y
وK417N.
وسأحاول ان اشرح في
هذه المقالة هذه الطفرات الجديدة.
يوجد في قلب كل فيروس
كورونا تركيبه الجيني الوراثي الخاص، وهو ببساطة خيط ملتوي مما يقرب من 30000
"حرف" من آر أن أي RNA (مادة وراثية). حيث تجبر هذه التعليمات
الجينية الوراثية الخلايا البشرية المصابة على تجميع ما يصل إلى 29 نوعًا من
البروتينات التي تساعد الفيروس التاجي على التكاثر والأنتشار.
وبينما تتكاثر
الفيروسات، تظهر أخطاء نسخ صغيرة تُعرف بالطفرات variants
بشكل طبيعي في جينوماتها او تركيباتها الوراثية. وعادةً ما تتكون سلالة من فيروسات
كورونا من خلال طفرة أو طفرتين عشوائيتين كل شهر.
ولكن بعض هذه الطفرات
ليس لها تأثير على بروتينات الفيروس التاجي أو الكورونا التي تصنعها الخلية
المصابة. ولكن الطفرات الأخرى قد تغير شكل البروتين عن طريق تغيير أو حذف أحد
أحماضه الأمينية، وهي اللبنات الأساسية التي ترتبط ببعضها البعض لتكوين البروتين.
ومن خلال عملية
الأنتقاء الطبيعي، فقد تنتقل الطفرات المحايدة أو المفيدة قليلاً من جيل إلى جيل،
في حين أن الطفرات الضارة تكون أكثر عرضة للموت.
يحتوي أحد أنواع فيروس كورونا التي تم
الإبلاغ عنها مؤخرا لأول مرة في بريطانيا على 17 طفرة حديثة، تغيّر أو تحذف
الأحماض الأمينية في البروتينات الفيروسية.
ويشعر الباحثون اليوم بقلق بالغ حيال الطفرات
الثمانية من النوع B117
والتي تغير شكل نتوءات أو أشواك الفيروس التاجي Spike
(السبايك)، والتي يستخدمها الفيروس للتعلق بالخلايا والأنزلاق إلى الداخل.
فكل شوكة عبارة
عن مجموعة من ثلاثة بروتينات متشابكة، حيث يحتاج بناء أحد هذه البروتينات الشوكية
عادةً إلى 1,273 من الأحماض الأمينية.
وتغيّر هذه الطفرات شكل بروتين الشوكة أو
النتوء (السبايك) عن طريق تغيير كيفية تماسك الأحماض الأمينية معًا في شكل معقد.
يعتقد العلماء أن
طفرة واحدة، تسمى N501Y، مهمة جدًا في جعل فيروسات كورونا أكثر عدوى.
ويشير أسم الطفرة هذا
إلى طبيعة تغييرها: تحول الحمض الأميني 501 في بروتين سبايك من Asparagine (الأسباراجين) إلى Tyrosine (التيروزين).
ويتسبب التغير أو الطفرة في الحامض الأميني
بالقرب من أعلى كل بروتين سبايك، بجعله يتصل بمستقبل خاص على الخلايا البشرية. ونظرًا
لأن البروتينات الشوكية تشكل مجموعات من ثلاثة، فأن الطفرة تظهر في ثلاثة أماكن
على طرف النتوء أو الشوكة الفايروسية.
وفي فيروس كورونا النموذجي، يشبه طرف بروتين
النتوء أو الشوكة كأنه جزء من لغز غير مناسب، يمكن له أن يلتصق بالخلايا البشرية،
ولكنه فضفاض لدرجة أن الفيروس غالبًا ما يسقط بعيدًا ويفشل في إصابة الخلية.
ويبدو أن طفرة ن
تعمل على تحسين شكل قطعة اللغز هذه، مما يسمح بتناسب أكثر إحكامًا ويزيد من فرصة
الإصابة الفايروسية للخلية البشرية بنجاح.
ويعتقد الباحثون أن طفرة N
هذه قد تطورت بشكل مستقل في العديد من سلالات فيروس كورونا المختلفة. بالإضافة إلى
النسب، فقد تم تحديده في متغيرات من أستراليا والبرازيل والدنمارك واليابان
وهولندا وجنوب إفريقيا وويلز وإلينوي ولويزيانا وأوهايو وتكساس الأميركية.
ومن الممكن أيضًا أن
تكون هناك طفرات محايدة، ليس لها تأثير بطريقة أو بأخرى. فقد تنتقل هذه الطفرات
ببساطة من جيل إلى جيل مثل الأمتعة القديمة، حيث يجري العلماء تجارب لأكتشاف حالة
كل طفرة وراثية في فايروس الكورونا أو الكوفيد-19.
فقد أظهرت التجارب أن الطفرات الوراثية تمكّن
الفيروس التاجي (الكورونا) من إصابة الخلايا بنجاح أكبر. فمن الممكن أن يتغير شكل
بروتين الشوكة (سبايك) بطريقة تجعل من الصعب على الأجسام المضادة أن تلتصق
بالفايروس للقضاء عليه.
وقد ظهر الفايروس بطفرته الوراثية B117
لأول مرة في المملكة المتحدة في أواخر شهر نوفمبر 2020. ولكن الباحثين نظروا إلى
عينات سابقة فوجدوا أن الدليل الأول على ظهوره بين المصابين أنما يعود إلى 20
سبتمبر 2020، وذلك في عينة مأخوذة من مريض بالقرب من لندن.
أما اليوم فأن
هذا الفايروس بطفرته المعروفه B117
أنما يتواجد في أكثر من 50 دولة حول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة. وقد
أستجابت بريطانيا مثلا للزيادة الحاصلة في عدد الأصابات بالسلالة الجديدة لفايروس
الكورونا من خلال إغلاق صارم للمدن وتحديد لحركة الناس. وقد حاولت دول أخرى منع
أنتشاره من خلال قيود السفر على المواطنين. ورغم أن هذه السلالة الجديدة من
الكورونا هي ليست أكثر فتكًا من الأشكال الأخرى لفيروس كورونا، ولكن نظرًا لأنها
يمكن أن تسبب الكثير من الإصابات، فقد يؤدي ذلك إلى المزيد من الوفيات.
ولا يُتوقع أن
يساعد أي من هذه المتغيرات أو الطفرات الوراثية فيروس كورونا في التهرب من العديد
من اللقاحات المضادة في التجارب السريرية حول العالم، فقد تمكنت الأجسام المضادة
والتي تم تكوينها بواسطة اللقاح المضاد من الألتصاق بطفرات الفيروس التاجي، مما
يمنع الفيروس من إصابة الخلايا في المختبر.
ويؤكد الخبراء أن اللقاح قد يتأثر بالطفرات
الجديدة وقد تؤدي إلى تباين في الفعالية، هذا لا يعني انها ستكون مقاومة للقاح
لدرجة فشله.
مهما كانت الطفرات فهي لن تؤدي لفشل اللقاح. الأمر
قد يستغرق سنوات عديدة، والعديد من الطفرات، حتى يتطور الفيروس بما يكفي لتجنب
اللقاحات الحالية، ويبقى العلماء على أهبة الأستعداد.
0 تعليقات