آخر الأخبار

الانتخابات والاستعمار

 


 

عمر حلمي الغول

 

الثورات القومية التحررية ليست نسخ كربونية عن بعضها البعض، فكل ثورة لها سماتها الخاصة إرتباطا بطبيعة الإستعمار الجاثم على أرض وحياة هذا الشعب او ذاك؛ والأهم واقع الشعب وتطوره السياسي والإقتصادي الإجتماعي والثقافي؛ وارتباطا بالشروط الموضوعية المحيطة بتجربة كل ثورة. وبالتالي حركات التحرر وثوراتها تختلف باختلاف البيئات الحاضنة لها، وبشرط واهداف ومشاريع المستعمرين، بتعبير اوضح، هل هدف الإستعمار سياسي إقتصادي، أم إستعمار مغتصب للأرض والتاريخ والهوية؟ هل هو استعمار مؤقت، أم إستعمار عميق وطويل؟ وما هي علاقة الإستعمار بالقوى الدولية المتنفذة عالميا؟ وهل القوة الإستعمارية لها هوية قومية ووطن، أم قوة وظيفية إستعمالية طارئة، زُورت لها هوية مفبركة لحسابات قوى إستعمارية عالمية؟

 

 

من المؤكد ان اشكال الإستعمار ليست واحدة في التاريخ، ومن أعقد أشكال الإستعمار، هو الإستعمار الصهيوني، الذي يدعي "الأحقية" في الأرض الفلسطينية العربية، ويقوم على نفي وجود وهوية الشعب الأصلي، الشعب العربي الفلسطيني، والمدعوم من الغرب الإستعماري. وهذا الإستعمار تم تجميع قواه من اتباع الديانة اليهودية المضللين، الذين ساقهم الغرب الرأسمالي وأداته الحركة الصهيونية للتخلص من المسألة اليهودية في داخل بلدانه، ولإستثمار وتوظيف الصهاينة في مشروع كولونيالي يتجاوز في مهامه إحتلال فلسطين التاريخية، وصولا لتمزيق وتفتيت وحدة شعوب الأمة العربية، وتبديد المشروع القومي العربي النهضوي، وليضرب عصفورين بحجر، اي التخلص من اليهود من مختلف الإثنيات والأعراق ومن العرب وتطورهم على حد سواء، لتحقيق أكثر من هدف سياسي وإقتصادي وثقافي وديني. لا سيما وان الغرب مازال مسكونا بخلفيته الصليبية، وهو ما عبر عنه اكثر من رئيس للولايات المتحدة.

 

 

دون الخوض في التاريخ، فإن الإستعمار الصهيوني الجائم على الأرض الفلسطينية التاريخية منذ 72 عاما، والمدعوم من القوى الرأسمالية العالمية عموما والأميركية خصوصا، تمكن من تكريس وجوده على الأرض الفلسطينية، ويسعي بشكل متدحرج لتعميق وتوسيع عملية التطهير العرقي ضد ابناء الشعب الفلسطيني، وتكريس روايته المفبركة والمزورة على حساب هوية وتاريخ وميراث الشعب الفلسطيني، وساعده في ذلك ضعف وتهالك المنظومة العربية الرسمية والشعبية على حد سواء لإسباب مختلفة ذاتية وموضوعية.

 

وعليه كان على قوى الثورة الفلسطينية إعادة الإعتبار للقضية والهوية الوطنية، وتكريس الكيانية الفلسطينية خطوة خطوة على الأرض، مستفيدة من كل إنجاز مهما كان صغيرا ومحدودا لتأكيد المكانة الفلسطينية في الجيوبوليتك، وفرض الحضور السياسي لإنتزاع الإستقلال الناجز على أي جزء من ارض فلسطين التاريخية، والذي تم عبر إتفاقية أوسلو 1993، رغم كل نواقصها ومثالبها، وأقام سلطته الوطنية عام 1994، ومازال يواصل الكفاح لإقامة دولته الوطنية المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على اساس القرار الدولي 194، والمساواة الكاملة لإبناء الشعب في ال48.

 

ولترسيخ هذة الكيانية، وتطويرها، ولتعميق مصداقيتها وجذورها السياسية والقانونية والاقتصادية والثقافية، تطلب ذلك بناء مؤسسات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية. وهنا كما نلاحظ، فإن العمل وفق معايير الدول، رغم وجود الإستعمار الصهيوني، لا يضير الشعب الفلسطيني، ولا ينتقص من كفاحه التحرري، لا بل هو شكل من اشكال الكفاح الوطني، ويعزز الحضور الفلسطيني العربي مدماكا مدماكا على كافة الصعد والمستويات. ومن يعتقد ان إجراء الإنتخابات البرلمانية تحت سيف وبطش الإستعمار "نقيصة" أو "مأخذا" أو "يخدم الإستعمار الصهيوني" يكون مخطئا، ولا يرى ابعاد العملية الكفاحية، ولا يقرأ جيدا لوحة الصراع والشروط الذاتية والموضوعية المحيطة بالقضية والشعب العربي الفلسطيني.

 

إذا الإنتخابات البرلمانية مصلحة وطنية اولا، وتطويرا للدولة الفلسطينية الموجودة على الأرض، حيث الشعب والأرض والمنظومة السياسية الحاكمة ثانيا، وإنتصارا لقرارات الشرعية الدولية وخيار السلام الممكن والمقبول ثالثا، وردا واضحا وصريحا على المشروع الصهيوني وروايته، وتقزيما لإهدافه الكولونيالية رابعا.

 

كما ان الانتخابات البرلمانية لا تنتقص من دور اي شكل من اشكال الكفاح التحررية، انما هي عملية سياسية متكاملة، كل منها يعمق خيار وهدف الإستقلال السياسي الناجز، رغما عن الإستعمار وأذنابه ومن يقف خلفه.

إرسال تعليق

0 تعليقات