د. محمد إبراهيم
بسيوني
السياسة هي رعاية
شؤون المجتمع، ضمن خطة مدروسة مسبقة تضع في حسابها احتمالات المتغيرات، وتملك
مرونة التكيف مع المتغيرات المحسوبة وغير المحسوبة، وتوظـّف الممكنات باتجاه تحقيق
التطلعات، مستهدفة تحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح، ودرء أكبر قدر ممكن من المفاسد
للمجتمع، معتمدة الصدق والمبدئية والحكمة والواقعية.
أما الدين فهو منظومة
العقائد والأخلاق والأحكام التي تحدد علاقة الإنسان بالله، وعلاقته على ضوء تلك
العلاقة بأخيه الإنسان فردا ومجتمعا، وعلاقته بالطبيعة والكون، أو هو الرؤية التي
تجيب الإنسان على أسئلته الثلاث الأساسية؛ من أين وجوده، إلى أين مآله، وأين يكون
مساره بين تلك النقطتين، نقطتي المبدأ والمعاد.
الحساسية المفرطة
التي كونها البعض في بلادنا العربية لأي حديث يخلط بين الدين والسياسة ليس إلا
نتيجة لأكاذيب، والذي يريد احتكار الحديث باسم الدين والسياسة، ويؤجج معارك وهمية
بينهما، ويتهم المتدين والسياسي المعارض بالخيانة ويشوه صورتيهما معا. في يوم
تنصيب جو بايدن، زار الرئيس الأميركي الكنيسة، وفي حفل تنصيبه يتحدث قس ويصلي
بالحضور، وفي القسم يحلف الرئيس الأميركي على الإنجيل، وفي خطاباته يتحدث عن القيم
المسيحية، ولا يرى أحدًا في ذلك تدخلا للدين في السياسة. المطلوب ليس نزع الدين من
السياسة، ولكن حسن استخدام الدين في السياسة من خلال التعلم من الدين وقيمه
الإيجابية والبناء عليهما وليس العكس. ولا يكيف الدين بما يناسب السياسة، فتأخذ
منه ما تحتاج وتنزع منه ما يضايقك. والعمل على مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات
تجاه الوطن دون تفرقة لعرق او عقيدة او مذهب، هنا تتطور الدول المدنية. منذ نشأة
الدولة الوطنية في بلادنا، الخطر الأكبر على مدنيتها لا يأتي من الدين ولكن يأتي
من النخب الحاكمة. التوظيف السياسي للإسلام على يد الأنظمة السلطوية أو الحركات
الإسلامية الاخوانية ألحق أضرارا بالغة بالدولة والمجتمع والإسلام معاً، وأنشأ
صراعاً سياسياً واجتماعياً على الدين والشرعية على حساب القيم التي تنظم علاقة
الدولة بالمجتمع. هذا التوظيف يساعد النخب السياسية والدينية في الشرق الأوسط في
الحفاظ على هياكل سلطوية تضمن بقاءها.\
استغلال الدين يمكن
أن يحدث بشكل تحالف بين النخب الحاكمة ورجال الدين. هذه العلاقة يمكن أن تحصل من
خلال إكراه أو استدراج النخب الدينية من قبل الأنظمة أو الحاكم. فالنخب الدينية
تحصل على الحماية والامتيازات، بينما في المقابل يحصل الحاكم على الدعم الديني
والأخلاقي، اللذان من خلالهما يتمكن الحكام من تحصين وترسيخ موقف السلطة، وكسب
المزيد من الشرعية والمصداقية. المطلوب أن يكون الدين الذي أنزله الخالق مهيمنا
على السياسة ومقوما لها.
0 تعليقات