آخر الأخبار

أسئلة البيرق الخطيرة

 


 

 

عمر حلمي الغول

 

تداولت وسائل التواصل الاجتماعي مقالا لرئيس تحرير صحيفة تشرين السورية بعنوان "من نحن بعد هزيمة الإرهاب" قبل أسبوع بالتمام من الآن، أي يوم الخميس الماضي الموافق 21/1/2021، والمنقول عن صفحة الدكتورة عبير سلمان، مستشارة وزير الإعلام السوري، وحمل الكثير من الأسئلة المشبوهة والرخيصة والتفاهة، التي لا تمت لسوريا الأرض والشعب والتاريخ بصلة.

 

ورغم نفي مصدر رسمي سوري لموقع "الحوار نيوز" في ذات اليوم المذكور أعلاه عن نشر المقال في جريدة "تشرين"، وتأكيده أن الصحفي محمد البيرق غادر موقعه قبل ثلاثة أشهر، وبالتالي المقال لا يعبر عن الموقف الرسمي السوري، ولا يمثل النظام وخلفياته الفكرية والسياسية. إلآ ان النفي لا يسقط حقيقة، ان البيرق كان رئيسا لتحرير الصحيفة الدمشقية الحكومية، وان كان الموقف الأخير يعبر عن رأي ووجهة نظر احد أعمدة الإعلام الرسمي السوري، والذي لم يأت من فراغ، أو لمجرد اجتهاد شخصي حسبما أعتقد. لأنه لا يجوز إنكار حقيقة مكانته الإعلامية الهامة، وكونه لا يستطيع الجلوس والتربع على رأس منبر إعلامي مركزي، إلآ إن كان معبرا عن صوت وصدى مواقف تيار في النظام السياسي. وإبعاده أو ابتعاده عن رئاسة التحرير مؤخرا حسب المصدر الرسمي لا يسقط هذه الحقيقة.

 

وبالعودة لجادة أسئلة البيرق اللامنطقية، وغير المشروعة من حيث المبدأ، والتي تعكس إفلاسا وعقما سياسيا وفكريا وتاريخيا وثقافيا وهوايتيا، ونبدأ بسؤال عنوان المقال "من نحن بعد هزيمة الإرهاب"، الذي يفتتحه بعد المقدمة باستنتاج أرعن مفاده " ضرورة الخروج بتعريف جديد للنفس بعد انقضاء المرحلة السابقة، التي حفلت باختلاط المعاني وسقوط بعضها"؟ وهو ما يعكس فاتحة الرسائل المشبوهة، التي شاء البيرق إرسالها للأشقاء في سوريا والوطن العربي وإسرائيل والعالم، الذي استوقفني، كما أستوقف كل من قرأ المقال، وللرد عليه بصيغة السؤال: هل هزيمة الإرهاب تغير من طبيعة وهوية شعب البلاد الأصلانية؟ وهل المعارك، التي تخوضها الشعوب والأنظمة السياسية دفاعا عن ذاتها لها أثمان تصل حد التنكر للذات والهوية القومية والتاريخ؟ أليست المعارك ضد الإرهاب وكل الأعداء، وبغض النظر عن خلفياتهم وهوياتهم إن كانوا عربا من الداخل السوري أو المحيط العربي أو صهاينة أو أتراكا أو من اي ملة كانت لتكريس الهوية والتاريخ والحقائق والموروث الحضاري للشعب السوري العربي؟

 

ثم يطرح سؤاله الأكثر بؤسا وتهافتا ولعنة، فيقول "هل نحن عرب؟" ويرد على ذاته "نعم ولا. نعم لأننا نتكلم العربية، ويجمعنا التاريخ بالعرب، وطوال عقود ظلت دمشق قلب العروبة النابض."

 

 وكأن الهوية العربية تبخرت الآن وبعد هزيمة الإرهاب، أو كأن الهوية العربية مرهونة بمرحلة تاريخية محددة، أو نظام سياسي ما، وتناسى هذا الصحفي الأمي، أن الأنظمة والمستعمرين يأتون ويذهبون وتبقى هوية الشعب والأمة راسخة رسوخ الجبال.

 

 ويضيف البيرق "ولا: لإن كثيرين من العرب تأمروا علينا. بينما الحليف الإيراني، الذي وقف معنا بصلابة لا يستهويه هذا الكلام عن العرب والعروبة. كما أن الأصدقاء الروس يشاركون الأصدقاء الإيرانيين استياءهم من هذا القاموس." وهل تآمر بعض الأنظمة العربية على بعضها البعض جديدا؟ وهل هذا يلغي هوية سوريا العربية إحدى اهم قلاع العروبة تاريخيا؟ ومن ينفي الهوية عن سوريا سقوط بعض العرب في متاهة المشروع الإستعماري الصهيو اميركي، أم ان ذلك يعزز عروبتها، لإن هدفهم جميعا العرب الصهاينة والإيرانيين، الذين تتغزل بهم وغيرهم الوصول لهدف شطب الهوية العربية، وفصل سوريا عن محيطها وهويتها العربية، وتحويلها إلى مستعمرة جديدة لهم، ولخدمة مشروعهم الكولونيالي بثوب جديد.

 

 وهل الإيرانيون الفرس دافعوا عن سوريا كرم أخلاق منهم، ومحبة في سوريا، أم لحسابات قومية استعمارية؟ وهل تغير هويتك وقوميتك لأن الإيرانيين أو الروس لا يريدون ذلك، أو مستاؤون من هذا القاموس؟ أي فهم؟ وأية ثقافة فاسدة وفاسقة هذه؟ وأي امتهان للتاريخ الذي تتحدث عنه؟

 

ويعود رئيس تحرير "تشرين" السابق لطرح سؤال جديد:

 

 "وهل نحن مسلمون؟ نعم ولا." ولا أريد استكمال كامل الاقتباس، لأنه ينم عن جهل ماحق. وإذا كنت تقر أن أكثرية الشعب العربي السوري مسلما، ولصيق الصلة بالحضارة العربية الإسلامية، فماذا تغير؟ هل التعامل والمثقافة مع الهويات الحضارية العالمية تغير من دين الناس؟ ولماذا تزج بالدين في هذا الموضوع؟ وهل تستطيع ان تلغي دين اي إنسان سوري بقرار؟ واليست إيران الملالي، التي تدعي أنها دولة مسلمة، والتي تفاخر بصداقتها تعتبر وجودها في سوريا وجودا إستعماريا شئت أم أبيت، وبغض النظر عن العباءة التي تتجلبب بها؟ وهل تخلت روسيا أو إيران أو أي دولة عن أديان شعوبها بقرار؟ واليس إعتناق اي إنسان لدين ما من الأديان السماوية أو المعتقدات الوضعية هو حق فردي كفلته حقوق الإنسان، والقناعة الشخصية؟

 

ثم يطرح سؤالا خطيرا وهداما للكينونة السورية العربية، جاء فيه: " هل نحن أعداء إسرائيل؟" ثم يجيب بذات الصيغة العبثية والفاقدة الأهلية الفكرية والسياسية "نعم ولا: لإننا قضينا سنوات مديدة ونحن نقول إننا أعداء." هل لهذا السبب تعتبر إسرائيل عدوا للعرب عموما وسوريا وفلسطين خصوصا؟ فقط لأننا نقول أن إسرائيل عدوتنا، صارت عدوة، أم لإنها مشروع كولونيالي خطير يستهدف كل شعوب الأمة العربية، وليس فلسطين ولا سوريا ولا لبنان ولا الأردن ولا مصر ولا المغرب وتونس والجزائر ولا الخليج العربي؟

 

ويضيف محمد البيرق بإنكار صفة العداوة مع إسرائيل بالقول " لإن أمورا كثيرة تجمعنا بهذه الدولة الجارة.

 

أهمها مكافحة الإرهاب"؟ عن أية جارة تتحدث؟ هل هي جارة طبيعية؟ وهل تريد هذه الدولة الكولونيالية السلام والتعايش؟ يا الله كم هذا الرجل مارقا وفاجرا ومنقلبا على كل التاريخ الحضاري والقومي للشعب العربي السوري، الذي تناسى الشهداء والجرحى والدمار والخراب والحروب والإعتداءات المتواصلة منذ وجدت إسرائيل على ارض فلسطين التاريخية وحتى اللحظة التي أكتب فيها، وإلى ما شاء الله. ومن يصنع وينتج الإرهاب في سوريا وفلسطين والمنطقة والعالم كله؟ أليست إسرائيل يا بيرق الشؤوم والنذالة؟ ويتابع بخفة وفقدان إتزان كامل فيقول " وهي قد تتطوع لتحسين علاقاتنا مع الولايات المتحدة، التي لا تزال تقيم في بلدنا.

 

 وعلينا ان نتعامل معها بما أمكن من إيجابية وتفهم. ومن يدري فإسرائيل قد تنسحب ذات يوم من الجولان وتعيده لنا." يا سلام. على اساس ستعيد الجولان لك، كرم اخلاق أم مقابل ثمن الإستسلام والتبعية؟ ثم عن اية علاقات تتحدث؟ ومن يعيد لك العلاقات مع اي قطب دولي في العالم إسرائيل أم قوتك وقدرتك في الدفاع عن ذاتك وهويتك ووفق المنطق السياسي بما في ذلك الكفاحي والديبلوماسي؟ وهل يجب ان يبيع الإنسان او النظام السياسي نفسه بابخس الأثمان لإعدائه حتى يقيم علاقات معهم؟

 

ولا يكتفي باسئلته السابقة التافهة، فيطرح سؤالا أخطر من التخلي عن العروبة ومصادقة العدو الإسرائيلي، جاء فيه "هل نحن سوريون؟ نعم ولا. نعم لإننا نحمل إسم هذا البلد، الذي ينطبع على جوازات سفرنا، كما انه الإسم الذي تستخدمه الدول والمنظمات الدولية والإقليمية في وصفنا." هل لهذة الأسباب أمست وبقيت سوريا تسمى سوريا أم لتاريخها العريق، ولإنها منذ وجدت وهي تسمى سوريا، وصقلها موروث الشعب العربي السوري الحضاري والثقافي والتاريخي؟ ويتابع الإجابة باستخفاف ممجوج ورخيص فيقول " ولا: لإننا ينبغي أن لا نتمسك كثيرا بهذة الصفة، إذ أن الدول التي نتعامل معها، والتي قاتلت إلى جانبنا، لا تحب مبالغتنا في الإعتزاز بالوطنية أو التركيز على الهوية السورية."؟ هل لان الفرس لا يريدون التمسك بالهوية الوطنية، على الشعب العربي السوري ان يبيع نفسه للهوية الإيرانية أو لغيرها من القوى الإستعمارية؟ وماذا يريد المستعمرون الجدد تسمية سوريا؟ وألست أنت وأمثالك وكل من يقف خلفك كائنا من كان أخطر من الدواعش والنصرة وإسرائيل وأميركا وإيران على سوريا العربية؟

 

ما طرحه محمد البيرق خطير جدا، ويهدد مستقبل العروبة في سوريا، ويعكس تيارا إنقلابيا على تاريخ الشعب والأمة العربية، ويعرض سوريا البطلة في سوق النخاسة لبيعها بابخس الأثمان لإي عدو قادم. لكن هذا التيار لن يكون له مكانا في سوريا العربية، وسيهزم كما هزمت كل التيارات الإنفصالية والتخريبية والطائفية والمأجورة.

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات