محمود جابر
الناصرية ربط المفكك ( من الشابندر إلى سامى البدرى)
فى العاميين الماضيين زاد إقبال البعثات الكشفية الآثارية فى
العراق، وكانت وجهة هذه البعثات الأجنبية عامة والأمريكية خاصة هى جنوب العراق،
وخاصة محافظة ذى قار والمناطق المطلة على نهر دجلة فى مدينة أور، وتضم ذى قار
مواقع أثرية تعود إلى (5000) سنة مضت، وتوجد فيها مدينة أور القديمة، وهي الأرض
التي كانت يسكنها السومريون والأكديون وغيرهم التي ولد فيها إبراهيم الخليل.
وحديثا تعتبر مدينة الناصرية أهم مدن الثقافة العراقية فقد خرج
منها أشهر رجال الدين و الأدباء والفنانين والشعراء ورجال السياسة .
وفى محالة لربط ما لا تراه العين، وتحديدا فى سبتمبر/ أيلول من
العام 2019 فقد نشرت الـ (CNN) خبرا عن إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخراً عن خطط
لبناء صرح يجمع بين الديانات السماوية الرئيسية الثلاثة:
أي المسيحية، واليهودية، والإسلامية،
وهو يُدعى بيت العائلة الإبراهيمية.
ومن المقرر تشييده في جزيرة السعديات بالعاصمة الإماراتية أبوظبي.
وعقدت اللجنة العليا للأخوة الإنسانية اجتماعها العالمي الثاني في
مدينة نيويورك الأمريكية في 20 سبتمبر/أيلول من عام 2019، وفقاً لما نقلته وكالة
الأنباء الإماراتية "وام".
وخلال الاجتماع، كشفت اللجنة الستار عن مشروع بيت العائلة
الإبراهيمية، والذي سيضم كنيسة، ومسجد، وكنيس تحت سقف صرح واحد، وذلك "ليشكل
للمرة الأولى مجتمعاً مشتركاً تتعزز فيه ممارسات تبادل الحوار والأفكار بين أتباع
الديانات"، بحسب ما ذكرته الوكالة.
وصُمم المشروع، من قبل المهندس المعماري الشهير عالمياً، ومؤسس
ورئيس شركة "أجايي وشركاه"، ديفيد أجايي أوبي، ومن المقرر تشييده في
جزيرة السعديات بالعاصمة الإماراتية أبوظبي.
كل هذا كان فى شهر سبتمبر من العام قبل الماضى ....
والى هنا لم ينتهى الخبر حيث فقد وصل فى النصف الثاني من نوفمبر / تشرين الثانى
2019 السياسي العراقى عزت الشابندر، فى وقت كانت العراق مشتعلة بالمظاهرات، ولكن
فجأة انشغلت مواقع التواصل الاجتماعي بالشابندر، الذى غرد من دبى يقول " أن
الوطن أهم من الدماء" ورغم أن عزت لا يحتل منصبا سياسيا، إلا أن الاهتمام به
– رغم انه علمانى – كان متزايد من رجل الدين قيس الخزعلى الأمين العام لحركة عصائب
أهل الحق، والذي اتهم الإمارات باختطاف الشابندر، وفى هذه الأثناء كان الدم ينزف
فى أور أو الناصرة
التى تمثل حزء مهم من ارض مشروع الإمارات التطبيع الثقافى بيت
العائلة الابراهيمى
خاصة وان (أور) يراد لها أو الإقليم الشمال أن يمحى منه اى تاريخ سوى تاريخ بيت
العائلة الذى سيكون حجر الأساس فى تطبيع اسرائيلى عربى يبدأ من مدينة إبراهيم التى
يراد بها أن تتحول إلى رأس الزاوية فى المشروع
الغريب أن مباحثات الشابندر بشأن المدينة قد لقيت ترحيب ممن اتهموا الإمارات
بالاختطاف وتم استقباله لاستكمال المباحثات التى ضمت كلا من : أبو مهدى المهندس - الشابندر-
قيس الخزعلى ...
ولكن بعد استشهاد ابو مهدى، وظن البعض ان آتون الناس المشتعل فى
الناصرية هدئ، مع قرب زيارة بابا الفاتيكان إلى العراق فى مارس/ آذار المقبل وإقامة
قداس في بغداد فضلاً عن زيارة إقليم كردستان العراق. وتوقيع وثيقة سلام (!!) على
غرار وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعت في أبو ظبي مع إمام الأزهر الشريف
"تسمح بترسيخ علاقات الثقة المتبادلة بين جميع المكونات وتفسح المجال أمام
المساجد والكنائس كي تتعاون وتدعو إلى التمسك بقيم السلام وإعلاء قيم التعارف
المتبادل والأخوة الإنسانية والعيش المشترك وتكريس الحكمة والعدل والإحسان.
كل هذا الكلام الانشائى أو المشروع الغامض يجرى مع انهار الدماء فى
الناصرية التى ستكون مقرا للمشروع الذى يمهد له العديد فى بغداد بالتعاون مع جهات
خارجية وقد اطلع بهذا التمهيد احد الشخصيات العلمائية وهو سامى البدرى الذى يمهد
للمشروع بنفس الادعاءات البابوية دون ان يقف احد ويسأل نفسه ما علاقة النصارية
واور وزيارة البابا وثيقة السلام وكل هذه المفردات ...
الحاصل نحن هنا نناقش مشروع اور وان العراق لم تكن يوم سوى ممر
عبور لإبراهيم من بلاد (حور) إلى بلاد(كنعان/ فلسطين).. وليس كما يدعى بعض
المخططين او من يدور فى فلكهم .. وهو الأمر الذى يمهد لوضع مدينة الناصرية أو ذى
قار تحت وصاية أممية باعتبارها مدينة السلام العالمية والإخوة الابراهيمية...
إبراهيم الحورى :
والحيثيون شعب قديم عاش في أواسط بلاد الترك القديمة، وقد تمكن من
إقامة دولة كبيرة شمالي بلاد الشام، بعد أن تمكَّن من القضاء على دولة كانت قائمة
في المنطقة كانت تُعرف باسم دولة «الحوريين» وحمل شعبها اسم الشعب الحوري، أما
الأرض نفسها التي قامت فيها الدولة الحيثية الطالعة، فكانت تعرف باسم بلاد الحور
ومن هنا يكمن الحل ....
فإذا كانت الدويلات الآرامية قد تناثرت بطول الحزام الشمالي الذي
عُرف ببلاد الحور، فإن ذلك يفسِّر لنا إصرار التوراة على القول بالأصل الحوري
والآرامي معًا للقبيلة الإبراهيمية، وعليه لا أعتقد أني أجافي الصواب إذا افترضت
أن حاران التوراتية، لم يقصد بها مدينة محددة بعينها (تلك التي تقع شمالي بلاد
الشام داخل الحدود الأرمينية، التركية القديمة).
قدر ما قُصِد بها في التوراة منطقة واسعة شاسعة، تضم مجموعة
الدويلات الآرامية (أرام صوبة، آرام النهرين، أرام معكة، فدان آرام، آرام بيت رحوب
… إلخ). تلك الدويلات التي ضمتها بلاد الحور، أو الحوريون.
وإن هذا الفرضَ يفسِّر لنا بوضوحٍ كاشفٍ ومضيء قول التوراة: إن
يعقوب خرج يقصد «فدان آرام» ليأتي لنفسه بزوجة، فذهب إلى «حاران»، ولا يبقى هناك
تضارب، فقد ذهب يعقوب إلى مدينة «فدان آرام» الواقعة في بلاد «حاران» أو بلاد
«الحور».
ومن المعلوم تاريخيا ان دولة الكلدان لم تقم او تؤسس إلا بعد أن
انقضى زمان النبي إبراهيم عليه السلام، بحوالي ألف عام أو يزيد!!
ومن المعلوم للباحثين أن اللفظة «أور » تدل على معنى المدينة بوجه
عام، فإضافة إلى «أور» الرافدية التي نسبتها التوراة للكلدانيين، واكتشف تاريخها
العريق حديثًا، في أطلال مغير قرب مَصبِّ الفرات في الخليج العربي، هناك «أور»
أخرى متعددة، فلدينا «أورشليم» أو مدينة السلام، المدينة المقدَّسة عاصمة دولة
يهوذا،
و«أوركومينوس» باليونان، و«أوروك» بالعراق أيضًا، و«أور-آرتو» على
جبال أرمينيا قرب بحيرة «فان» والمعروفة باسم «أرارات» وغيرها كثير.
والتوراة تقول: إن كارثة الطوفان قد أدَّت إلى انتقال قوم من موضع
الكارثة بسفينة كبيرة، إلى جبال «آرارات» حيث ألقَت السفينة مراسيَها، ومما يؤكد
أن «آرارات» المذكورة في التوراة تقع في أرمينيا، ما ذكره المؤرخ «هروشيوش» أو
«أورسيوس» المولود حوالي ٣٧٥م، وسجل فيه ذكريات الأمم الخوالي، وأكد أن السفينة
النوحية قد ألقت مراسيها على «الجبل الذي بأرمانية».
وفي الوقت ذاته تؤكد التوراة: أن إبراهيم من نسل «أرفكشد بن سام
ابن نوح»، مما أثار لدينا التساؤل:
هل قصدت التوراة ﺑ «أور» مدينةً أُخرى تحمل ذات الاسم، ربما كانت
تقع في منطقة الدويلات الآرامية «بلاد الحور»، قرب «أور» التي ألقت السفينة
النوحية مراسيها قربَها، أو هي «أور-آرتو» ذاتها؟
وبالبحث سوف نتأكد أنه ليس في الأصل العبري أية «أور كلدانيين»،
إنما كانت هناك «أور كسديم».
وهي ما لا يمكن ترجمتها بحال إلى «أور الكلدانيين»، ويجب أن تظل
كما هي «أوركسديم» ونبحث عن معناها الصادق، وهو ما يلتقي تمامًا مع فرضِنا الذي
ذهبنا إليه، وإلى قارئي عناصر هذا اللقاء الحميم، وربما المذهل!
لنقِفْ قليلًا مع الاسم «أرفكشد بن سام بن نوح» جد النبي إبراهيم،
الذي وضع بين يديَّ وصلات الأمر المبعثر، فإذا كانت الفاء تختلط بالباء، وتتبادل
معها في اللسان القديم «وحتى اليوم»، وإذا كان حرف «ش» يتبادل مع حرف «س» في
اللغات السامية وكثير من اللغات الأخرى، فإن الاسم «أرفكشد» ينطق أيضًا — نطقًا
صحيحًا تمامًا — «أربكسد».
والمنطقة الواقعة جغرافيًّا بين جبال أرارات الأرمينية، وبين بلاد
الحور كانت تعرف باسم «آرابخيتيس»، وتعرف حاليًّا باسم «البك»، وبعلمنا أن لسان
هذه المنطقة هندوأوروبي، فإنه بحذف التصريف الاسمي «الياء والسين الأخيرة» في كلمة
«آرابخيتيس» تصبح «أرابخسد»، وبتبادل حرف «ك» مع حرف «خ» في اللسانين السامي
والهندوأوروبي، فإنه يسوغ لنا القول دون تردُّدٍ: إن «أرابخسد» هي ذات التسمية
«أربكسد» وعينها.
من خواص التوراة تسمية البلدان بأسماء الأبطال، فإن اسم المنطقة
«أربكسد» يلتقي تمامًا مع بطل من أبطال التوراة، هو «أربكسد» أو «أرفخشد» بن سام
بن نوح، جد النبي إبراهيم،
ولا نعتقد أننا مخطئون إن احتسبنا منطقة «ربكسد» هي المعنية في
التوراة ﺑ «أور الكلدانيين»، التي هي في الأصل العبري «أوركسديم»، و«كسديم» جمع
عبري للمفرد «كسد»، فهي «أوركسد» أو «أوربكسد» أو «أربكسد».
إن أهم ما يؤيد هذا الحفر اللغوي، هو التسمية التي أطلقَها أهل
الرافدين القديم على سكان تلك المناطق الشمالية، وكانوا يشكِّلون خطرًا داهمًا على
البلاد، وقد غزوا بلاد الرافدين فعلًا، ودمروا بابل واحتلوها زمنًا، وأسَّسوا ما
يعرف باسم دولة بابل الثالثة.
هؤلاء هم من تشير إليهم النصوص الرافدية القديمة باسم «الكاسيين»
أو اﻟ «كاسي» ولو جمعنا المفرد «كاسي» باللسان العبري، فإنه يصبح «كسديم»! فهل
ترانا قد عثرنا على دليل مبين؟
إن في التوراة ذاتها ما يؤكد مذهبَنا في موطنِ النبيِّ إبراهيم
الأصلي، فالنبي إبراهيم كما هو معلوم يعود بأُرومته إلى جدِّه البعيد «سام بن نوح»
وكان لسام أخوان هما «حام» و«يافث».
وتحكي التوراة — كما أسلفنا — أن نوح لعن النسل الكنعاني من أبناء
حام، وبارك سام ونسله بالقول: «مبارك الرب إله سام، ليفتح الله ليافث، فيسكن في
مساكن سام، وليكن كنعان عبدًا لهم» (تكوين ٩: ١٨–٢٧).
وحسب التقسيم التوراتي للأجناس (التكوين ١٠)
فإن سام هو أبو كلِّ بني عابر وبني آرام وبني أرفكشاد.
والعجيب أن كاتب هذا الجزء من التوراة، كانت لديه معلومة تقول: إن
يافث ونسله كانوا يساكنون سام ونسله «ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام»،
وحسب التقسيم التوراتي للأجناس، فإن يافث هو أبو الترك والصَّقالبة
القُدماء، وهم ليسوا شيئًا آخر سوى سكان بلاد الحور الأرمينية وما جاورها، أفلا
يعني ذلك أن مساكن سام التي سكنها يافث، كانت في المنطقة التي حددناها وعيناها
كموطنٍ أول للعشيرة الإبراهيمية؟!
وتأسيسًا على كل ما أوردناه، وإعمالًا لمجموعة القرائن التي
توصَّلنا إليها، فإنه لم يعد هناك أيُّ مبررٍ للبحث عن حاران تجاور أور الكلدانيين
أو أور العراقية.
ولا يعد مرور النبي إبراهيم عليه السلام بمنطقة حاران في أقصى
الشمال داخل الحدود التركية الحالية مثيرًا للتساؤل أو الاستغراب؛ لأنه في هذه
الحال لم ينطلق من «أور الكلدانيين» في الجنوب، متَّجهًا إلى «حاران» في أقصى
الشمال، ليعود مرة أخرى جنوبًا نحو كنعان، إنما ستتسق الأمور — وَفق طرحِنا —
وتنضبط،
فيغادر النبي منطقة «أربكسد» المعروفة حاليًّا باسم «إلبك» جنوب
غربي أرمينيا،
ويتَّجه إلى بلاد الحور أو «حاران»، وتصبح حاران بذلك محطةَ
ترانزيت منطقية تمامًا في الطريق إلى كنعان،
كما يصبح مفهومًا إشارة التوراة المترجمة لكافة اللغات، ومنها
العربية «عن الأصل العبري» أنه خرج منها، دون سبب واحد تبرر به ذلك، ورغم إشاراتها
المتعددة والمتكررة التي تؤكد آرامية النبي إبراهيم.
وهكذا يتضح أن العشيرة الإبراهيمية وافدة على المنطقة من جنوب
أرمينيا،
وقد وصفت التوراة إبراهيم عليه السلام بأنه رجل آرامي، وأقرَّ
التراثُ الإسلامي أنَّه ليس من أبناء الجنس العربي،
وأن لسانه لم يكن عربيًّا،
وقال ابن هشام في السيرة: إن لسانه كان سريانيًّا (لسان شمالي بلاد
الشام)، ولكنه عندما عبر نهر الأردن إلى كنعان حوَّل الله لسانه إلى اللغة
العبرانية.
وربما يكون تفسير هذه الهجرة في حديث المسعودي عن حدثان الطبيعة،
وقوله: «ولما قُبض ساروغ قامَ من بعده ناحور بن ساروغ، مقتديًا بمن سلف من آبائه
«وحدَث رجفٌ وزلازل» لم تعهد فيما سلَف الأيام قبله، وكانت في أيامه حروب وتحزيبُ
أحزاب»،
و«ساروغ» هو «سروج» في التوراة، أبو ناحور، جد إبراهيم النبي.
المعنى هنا أن ثمة ضغطًا قد حدث دفع شعوب هذه المنطقة الحورية
للخروج في مَوجات متتابعة من الهجرات، وربما تمثل هذا الضغط في كارثة طبيعية أو
مجموعة كوارث متتابعة تفسر الهجرات المتتابعة التي هبطت على المنطقة، منهم النبي
إبراهيم أو قبيلته، الكاسيين، الهكسوس … إلخ.
و طبقًا لنظرية جديدة توصَّل إليها العالم البريطاني الدكتور مايكل
بايلي، فإنه من المُرجَّح أن تكونَ عدة حضارات في أنحاء العالم قد تعرَّضتْ للدمار
بسبب الثورات البركانية التي دمرت — فيما دمرت — جزيرة ثيرا في بحر إيجا (لاحظ هنا
أنه قد حدثَتْ أيضًا هجرات كاسحة من بحر إيجة لسواحل البحر المتوسط الشرقية قرب
نفس الزمان.)،
وطبقًا لما تقوله النظرية الجديدة؛ فإن السلالة الحاكمة الصينية في
ذلك الوقت كانت من بين ضحايا هذه الثورات البركانية، وقد أسس الدكتور بايلي نظريته
على نتائج دراسة لعيناتٍ من خشب البلوط القديمة يرجعُ عهدها إلى وقت الثورة
البركانية التي دمرت جزيرة ثيرا «في القرن السابع عشر قبل الميلاد» (لاحظ أنه
الوقت الذي ظهرت فيه القبيلة الإبراهيمية ١٧٠٠ق.م)
حيث لاحظ الدكتور بايلي أن معدل نمو أشجار البلوط في ذلك الوقت كان
بطيئًا بسببِ ضعف ضوء الشمس، والبرودة الزائدة التي نتجت عن تصاعد كميات كبيرة من
الغبار إلى الغلاف الجوي بعد الانفجار البركاني.
وفي معهد التكنولوجيا في باسادينا بولاية كاليفورنيا الأمريكية
توصَّلَ عالم من أصل صيني، ويُدعى «كيفين بانج» إلى نتائج تدعم نظرية بايلي، فقد
أجرى بانج أبحاثه مستخدمًا الكمبيوتر.
وتوصل إلى أن النشاط البركاني كان سببًا في إنهاء السلالة الحاكمة
«شانج» أثناء العصر البرونزي، وحدث خسوف للشمس وفيضانات وأوبئة …» ونعود الآن
لصُلب موضوعنا.
إذا كانت التوراة قد وصفت النبي إبراهيم عليه السلام بأنه رجل
آرامي، فقد انتهينا إلى أنه رجل «حوري» أيضًا،
ولم يزل اللسان الشامي يحتفظ إلى الآن بهذا المعنى، فرجل الدين أو
الكاهن هو «الخوري»،
والخاء تختلط بالحاء دون ضير، مما يشير إلى أن الاشتغال بأمور
الدين كان يغلب على أهله العنصر الحوري، أو الخورى.
لذلك كان جليًّا في التوراة أبوة إبراهيم عليه السلام للأنبياء،
ولا يغيب عن الخاطر أنه في المنطقة الحدودية بين المنطقة الكاسية الهندوأوروبية
والمنطقة العراقية والكنعانية وهي سامية، كان سهلًا أن يتبادل حرف «ح» مع حرف «أ»
أو مع الهمزة، ومن هنا كان ممكنًا أيضًا أن تُنطق حور الواقعة في المنطقة الكاسية
أو «حور الكاسيين» بالنطق «أور-كاسيين»، والتي يجب نطقها عبريًّا «أور-كسديم»!
قد تبدو هذه النتائج غريبة
وخاصة أن كثيرًا من البحوث قد أثبتتْ تطابق ميثولوجيا التوراة مع
ما كشف عنه من تراث رافدي، مما يشير إلى أن أصل العبريين يعود فعلًا إلى العراق،
بل إن هذا التطابق في المأثور كان من أهم أسباب تأكيد «أور»
العراقية كموطن أول للعشيرة الإبراهيمية.
وفُسر التطابق بين المأثورين بأن العبريين قد أخذوا معهم التراث
الرافدي ليسجل بعد ذلك كعقائد في التوراة،
وهذا التطابق أبدا لا يعني بالضرورة أن أهل التوراة كانوا من أهل
العراق،
إنما نجد للأمر أسبابًا أخرى لعلَّ أهمها أن أهلَ الرافدين من
بابليين وآشوريين عندما حطموا المملكتين العبرانيتين: يهوذا والسامرة، بعد عصر
إبراهيم عليه السلام بأكثر من ألف عام، واستاقوا اليهودَ أسرى ليعيشوا على ضفاف
دجلة والفرات في عبق التاريخ العريق، تعرف العبريون الأسرى هناك على المأثور
الرافدي وتمثلوه بعد طول مقام، هو ذات الأثر الذي تركه التراث المصري والكنعاني في
التوراة،
واصطنع العبريون لأنفسهم تراثًا تمَّ استخلاصه من تراث المنطقة
التي كانت تموج بظواهر التحضُّر وما يلزم عنه ويفرزه.
ولعل أهم دعم لهذا الرأي هو إجماع الباحثين في التوراة — تقريبًا —
على أن الأسفار الخمسة الأولى الكتاب المقدس (وهي التي يطلق عليها تحديدًا اسم
التوراة، وهي الأسفار التي أُجريتْ عليها دراسات ومقارنات شتى مع المأثور الرافدي،
والتي حوَتْ معظم ما يتصل بالتراث العراقي) لم تُكتَبْ قبل عام ٤٠٠ق.م، هذا ونعلم
أن: الأسر الآشوري لليهود قد بدأ عام ٧٢٢ق.م، أي إنَّ الأسفار التوراتية التي
تطابق المأثور العراقي قد كتبت بأثر لا جدالَ فيه لهذا المأثور فهل لم يزل ثمة
نقاش؟
ولا تفوتنا الإشارة إلى أمرٍ بالغ الأهمية لأمرنا هنا، وكثيرًا ما
أثار عجبَ الباحثين ودهشتهم، وهو أن طوائفَ تعيش اليوم في جنوب روسيا تتكلم اللغة
الآرامية القديمة المحسوبة من اللغات السامية، ومع بحثنا يزول هذا العجب؛ لأنَّ
مِن هذه المنطقة قدم أصحاب اللسان الآرامي في القديم، ويحمل اسمها «أرمينيا» معنى
الآرامية.
يتبع
0 تعليقات