آخر الأخبار

وزير يعبد الأصنام!! (5)

 






إيمان إمبابى

 

 

وزير قطاع الأعمال العام.. المسئول – اسميا – عن شركات القطاع العام الصناعية والإنتاجية.. و"الموجه" – فعليا – لتصفيتها أو بيعها أو خصخصتها.. سم عملية محوها من الوجود كما يحلو لك..

 

"هشام توفيق".. الذى يقول شقيقه أنهم ينحدرون من نسل خديوى الاحتلال والتبعية للمستعمر "توفيق ابن إسماعيل".. هو نفسه قال فى 5 سبتمبر 2013 بوضوح: "أنا هشام توفيق أعلن على الملأ استقرار مذهبى الاقتصادى على مدى الـ ٣٠ سنة الماضية على الاقتصاد الحر.. ولا أتصور عودة البلاد الى التخطيط المركزى"..

 

 

 ويضيف: "أرفض القطاع العام بكل أشكاله.. أؤمن بأن خلاص البلاد لن يكون إلا من خلال التنمية البشرية بصفة عامة و إحياء التعليم الحرفى بصفة خاصة.. لا أؤمن إلا بالقطاع الأهلى, الخاص".. ويؤكد: "أرجو من الله أن يثبتنى على مبادئى و ألا يجعلنى من المتحولين أبدا"!!..

 


 

ونحن أيضا ندعو لك الثبات على موقفك كيفما شئت.. لكن بعيدا عن أصول ملك الشعب والوطن.. إكره القطاع العام كيفما يحلو لك.. وحب أيام الملكية البائسة وافخر بنسلهم كما تريد.. لكن إياك - ومن ورائك - والتعامل مع أصول الوطن باعتبارها إرث جدك "ولى النعم"!!

 

"ولى النعم" الذى "صمت" على سلسلة طويلة من التدخلات الأجنبية فى شئون البلاد.. التى غلفت دوما بإطار من الإهانة المتعمدة.. ليس لشخصه فقط بل لمصر والمصريين.. حتى وجد نفسه فى مواجهة الشعب ممثلا فى "الجمعية الوطنية".. ومن صفوفها بزغ نجم "محمد شريف باشا".. كما أشرنا سالفا..وعلت المطالب بتكليفه بتشكيل وزارة وطنية مهمتها إنقاذ البلاد من التدخل الأجنبى والحكم الاستبدادى.. كان الرجل وزيرا للحقانية والخارجية.. إستقال رافضا المثول أمام لجنة التحقيق.. عرف بكراهيته الشديدة للتدخل الأجنبى فى شئون البلاد.. قدم وفد من "الجمعية الوطنية" اللائحة إلى "ولى النعم" فقبلها.. واستجاب لما فيها.. معتقدا أن هذا هو ملاذه الأخير للبقاء على عرش البلاد.. أمر بترجمتها للفرنسية لترسل النسخ إلى قناصل الدول.. ممهورة بتوقيع أعضاء "للجمعية الوطنية" ممثلين لكل الفئات والطوائف وممثل عن الجيش المصرى.. وفى 7 ابريل إستدعى "الخديوى" وكلاء الدول, وممثلين عن "الجمعية الوطنية".. وأبلغهم بقبوله اللائحة الوطنية وتكليفه "محمد شريف باشا" بتشكيل حكومة وطنية.. بعد أن استقال الأمير "محمد توفيق باشا".. إحتج الوزيران الأوروبيان على قبوله للائحة الوطنية لمخالفتها ما وعد به.. وأرسلا له احتجاج رسمى فى نفس اليوم – 7 ابريل – والمدقق فى رد "الخديوى" على اللائحة التى قبلها.. يرى أنه لم يخالف تعهداته.. وهذا نشرته "الوقائع المصرية" فى عددها الصادر يوم 13 ابريل.. فقد حرص فى ختام رده على جملة "إنشاء مصلحة تفتيش الإيراد والمنصرف أو الرقابة الثنائية.. والتى أقرها بنفسه فى مرسوم عام 1876".. وهو ما يعنى أن ما تعهد به سابقا للحفاظ على حقوق الدائنين مازال مؤكدا عليه فى اللائحة الجديدة!

 



ألف "محمد شريف باشا" الوزارة.. وصدر بها مرسوم "أفندينا".. إبتهج الشعب وعمت الأفراح.. وكان أول قرار للوزارة الجديدة استمرار انعقاد مجلس شورى النواب.. كسرا لقرار الحكومة السابقة تنفيذا لأمر الأوروبيين والذى أقره "مولاهم ولى النعم" بانتهاء عمل مجلس شورى النواب.. تسارعت الأحداث.. فاستقال أعضاء لجنة التحقيق الأوروبية يوم 10 ابريل احتجاجا على تشكيل حكومة وطنية وعزل الوزيرين الأوروبيين.. وتمسكوا بأن الإصلاحات المالية المرجوة لا يمكن تنفيذها إلا بوجود العنصر الأوروبى فى تلك الوزارة.. ثم أعقب ذلك استقالة كبار الموظفين الأوروبيين الذين كانوا موزعين على وظائف قيادية مهمة..

 

وفى 22 ابريل أصدر "الخديوى" مرسوما بتسوية الديون الخارجية وفقا لما ورد باللائحة الوطنية.. فقد كفلت اللائحة حقوق الدائنين وأقرت بالتعهدات المالية التى ارتبطت بها مصر.. وفى رسالة وزير خارجية فرنسا مسيو "وادنجتون" للقنصل" الفرنسى العام فى مصر قال: "النقاط الخاصة بالدين فى تلك اللائحة لا تختلف فى النقاط الجوهرية عما جاء فى مشروع ريفرس ولسون"!! ومع ذلك احتج أعضاء صندوق الدين.. وسارعوا بمقاضاة الحكومة المصرية أمام المحاكم المختلطة.. بذل "شريف باشا" جهدا لطمأنة الدائنين على أموالهم.. فالرجل كان عاقلا.. لم يهدف أبدا لإثارة أزمات لا هدف من ورائها.. فيما يمكن معالجته بهدوء وبحكمة.. إلا أنه لم يجد آذانا صاغية.. وأصرت انجلترا وفرنسا على مطلبهما من "الخديوى" , بعودة الوزيرين الممثلين لهما.. رفض "شريف باشا" بإصرار, مهددا بالاستقالة إذا قبل "الخديوى".. اللافت أن الإصرار على عودة الوزيرين كان له هدفين: أحدهما معلن, وهو الحرص على سداد الديون.. وإذا قيل أن المرسوم الخديوى الأخير واللائحة الوطنية تكفلان ذلك إضافة لتعهدات "شريف باشا".. وبالتالى ليس هناك مبرر لكل هذا القلق.. نجد أن المدقق فى هذه الديون وفداحة فوائدها الربوية.. وما التهمه الماليون والمرابون من قيمتها مسبقا وقبل أن تدخل الخزينة المصرية, وبعد أن دخلتها.. يدرك جيدا ببطلان الجانب الأكبر منها.. ولو أن عددا من المخلصين فى الحكومة الجديدة قرروا بعد حين التدقيق فى الأمر دون وجود الوزيرين الأجنبيين لانتهى أمر أغلب تلك الديون.. وهذا هو مبعث القلق للدولتين – انجلترا وفرنسا – بقناصلهما بوزرائهما بموظفيهما.. أما الجانب الآخر, وهو غير معلن.. فهو النفوذ الهائل الذى حصلت عليه الدولتين – انجلترا وفرنسا – فى عهد "أفندينا".. فى الوزارة والمناصب النافذة فى الحكومة وفى قناة السويس.. هذا النفوذ الذى صبرت فيه الدولتان لما يقرب من 15 عاما.. وعملتا على مهل وبتؤدة طوال مدة حكم "الخديوى" حتى قاربت الثمرة المنتظرة – مصر – على السقوط كاملة فى إيديهما.. وكان قرار حكومة "نوبار باشا" الأوروبية إعلان الإفلاس.. بمثابة ساعة الصفر للمستعمر للانتقال إلى مرحلة أخرى من التواجد على الأرض والنفوذ المستشرى.. فجأة يظهر "شريف باشا" و"الجمعية الوطنية" فى هذا التوقيت.. فتتبعثر كل أوراق اللعب التى حرصتا على "تستيفها" طوال 15 عاما سابقة..وإذا أخذنا فى الاعتبار أن خلف تنفيذيى الدولتين, نفوذ هائل وطاغ للمرابين.. ندرك حجم وقوة العجلة التى دارت.. ولم يعد فى الإمكان إيقافها.. لم يعد الأمر خاص بوجود وزراء داخل الحكومة.. فقد ضغط هؤلاء على دولهم للإسراع فى الخلاص من "ولى النعم"!!

 



وكانت تلك مجرد خطوة أولى لاحتواء التيار الوطنى الجامح البادى فى الصعود.. أما أحد أبرز أصححاب هذه الرؤية والجهد المبذول خلفها.. فكان "آل روتشيلد" بكل نفوذهم وإمكاناتهم.. وللحقيقة لا نستطيع أن نغفل عاملا مهما وحاسما لم تفوته عيون الدولتين الراصدة.. إنفضاض الشعب ومن خلفه ضباط الجيش المصرى من حول "الخديوى".. فإلى جانب الحياة البائسة التى عاشوها.. غارقين فى مستنقع الجباية والضراب المبالغ فيها.. والإهانات المتكررة التى عانى منها عموم الناس.. فقد حملوه مسئولية سياسة فتحت الباب على مصراعيه أمام التدخل الأجنبى.. لم يعد "مولانا" مؤيدا من عموم الشعب وجيشه كما كان من قبل.. وهى فرصة لأى مستعمر لا يمكن تفويتها!

 

غلب التوتر الأجواء فى العلاقات بين مصر وانجلترا وفرنسا.. وظل الحال هكذا ما يقرب من شهرين.. حتى لاح فى الأفق متغير دفعهما للتحرك بسرعة وجرأة ووقاحة.. "بسمارك" الذى خرج بألمانيا منتصرة فى الحرب السبعينية.. أراد للإمبراطورية الألمانية الجديدة مكانا لها على الخريطة الدولية.. فى تلك اللحظة لم يكن أهم ولا أقرب من المسألة المصرية.. فطالبت المانيا الدول بالتدخل وإجبار "أفندينا" على الخضوع لمطالبها لأنه لا يملك حق إصدار قوانين مالية تمس حقوق الدائنين الأجانب دون موافقتهم طبقا للائحة المحاكم المختلطة.. لاقت الدعوة قبولا لدى انجلترا وفرنسا وايطاليا وروسيا.. وفى 18 مايو قدم القنصل الألمانى احتجاج حكومته وحذت باقى الدول الأوربية حذوه.. وكانوا على التوالى: النمسا, المجر, انجلترا, فرنسا, روسيا, وايطاليا.. ثم تزيدت انجلترا وفرنسا, فقررتا خلعه من العرش.. أمره قناصل الدول الأوروبية بالتنازل عن العرش لابنه الأمير "محمد توفيق باشا".. مع وعد بالحفاظ على مخصصات سنوية لائقة.. فطلب العودة إلى الآستانة.. ولم يكن موفقا فى ذلك الوقت.. ومع السلطان "عبد الحميد".. لم تفلح حيلة الرشى والأموال والهدايا التى أرسلها هذه المرة مع أحد رجال حاشيته "طلعت باشا".. وفى 26 يونيو 1879.. أرسل السلطان العثمانى لقصر عابدين برقية بعزل "إسماعيل" وتنصيب ابنه "توفيق" خديويا – حاكما – لمصر.. إستهل نص البرقية بجملة "إلى سمو إسماعيل باشا خديوى مصر السابق".. قضى "إسماعيل" ثلاثة أيام يجمع ما يستطيع من أموال ومجوهرات وتحف ثمينة من القصور الخديوية.. نقلها إلى يخت "المحروسة".. وغادر عليه مصر يوم 30 يونيو للمرة الأخيرة.. والمفارقة إنه فى نفس اليوم بعد 134 عاما سقطت جماعة إرهابية عن حكم مصر.. كان الرجل حزينا على الرحيل النهائى عن الأرض التى كانت مسرحا لمجده وبذخه طوال 17 عاما.. غربت الشمس من الإسكندرية ويخت "المحروسة" يغادر, معلنة غروب شمس "إسماعيل".. متجها إلى "نابولى" ومعه زوجاته وأبنائه وحاشيته.. تنقل بين العواصم الأوروبية.. ساعيا إلى العودة مرة أخرى لمصر.. ولما أخفقت مساعيه.. إنتقل إلى "اسطنبول" عام 1888.. وأقام بقصره هناك على البوسفور.. حتى رحل عن العالم فى 1895.. وعمره لم يتجاوز 65 عاما.. كتب له أن تكون رحلته الأخيرة بلا حياة.. حيث دفن بمسجد "الرفاعى" بالقاهرة.

 

الفارق يبدو جليا بين موقفه وموقف "محمد على باشا".. فمؤامرة الدول الأجنبية مع الباب العالى والتى انتهت بفرمان السلطان العثمانى عام 1840, بعزله لم يفت فى عضده.. بقى ثابتا على العرش.. مطمئنا للقوة الحربية للبلاد بجيش قوى يخشاه الباب العالى.. وسند شعبى جارف.. أما "إسماعيل" فقد كانت البرقية المختصرة المرسلة من السلطان العثمانى بخلعه.. كافية لسقوط عرشه.. فقد أهان مع حكومة "نوبار" الجيش.. ودهست عجلات الضرائب والجباية والإهانات المتكررة ظهير شعبى كان يوما ما حام له.. وما بين 1840 و1879.. 39 عاما حدث فيها الكثير, تغير شكل مصر.. تراجعت قوتها الحربية.. وتصدع بناء الاستقلال المالى والسياسى.. وعبثت الأصابع الأوروبية فى الداخل كما شاءت.. حتى سقطت بعد سنوات قليلة تحت الاحتلال!!

 

وزير يعبد الأصنام!! (4)



التالية.. قوة مصر الصلبة..

 

 

إرسال تعليق

0 تعليقات