إيمان إمبابى
"اعتقد أن هناك تقصير شديد فى الترويج للبرادعى.. هذا الرجل
لابد أن يتواصل مع الشعب فى كل كفور مصر أين فريق العمل الخاص به؟ أريد
المشاركة"..
تلك عبارة وردت على صفحة الوزير هشام توفيق وزير قطاع الأعمال فى 9
مايو 2011.. فهذا النموذج محبب جدا إليه ومن يشبهه.. قد يرى البعض أنه غير بوصلته
بعدها.. لكن ما صرح به بعد عامين.. ونقله موقع حزب "الحرية والعدالة"..
حزب "الإخوان" يقول أنه لم يبارح الخط الذى وضع نفسه – أو تم وضعه –
عليه.. ففى يوم 26 يونيو 2012 أورد الموقع: "مجلس إدارة البورصة : ظهور الرئيس
علي مكتبه بمقر الرئاسة زاد من هيبة الدولة وثقة المستثمرين.. أكد هشام توفيق عضو
مجلس إدارة البورصة المصرية والخبير المالى أنه يتوقع صعود البورصة المصرية إلي
أكثر من 30% وهذه ستكون أعلي نقطة منذ الارتفاع الذي حدث بعد الانتخابات
البرلمانية السابقة وأضاف توفيق فى إتصال هاتفى ببرنامج صباحك يامصرعلى فضائية
دريم أن اكثر المستثمرين الرابحين من الارتفاع الحادث هم المستثمرين المصرين ثم
الاجانب والعرب, واشار توفيق أن ظهور الرئيس محمد مرسى على مكتبه فى مقر رئاسة
الجمهورية زاد من هيبة الدولة المصرية وزاد من ثقة المستثمرين والمضاربين فى
البورصة وننتظر ارتفاعات صاروخيا لتعويض الخسائر الماضية"!!!
يتهلل ويبشر ويبنى نتائج سريعة على مقدمات غير منطقية.. إذا ماكان
الأمر يتعلق بما هو "مدنى" كما يحب أن يصنف.. ولا يعبر أبدا فرصة تلوح
له للنيل والتهجم والإسقاط على المؤسسة العسكرية المصرية.. مصنع الرجال.. وبحديثنا
بالأمس عن ثورة ضباط الجيش المصرى عام 1879.. ندرك أن خط إنتاج كراهية الجيش هذا
قد بدأ مبكرا.. بلغ مبلغا ملفتا مع الزعيم "أحمد عرابى" عام 1881.. ثم
وصل ذروته مع ثورة 23 يوليو 1952.. ولم تخفت جذوته أبدا منذ ذلك الحين.. نعود مرة
أخرى لتبعات ثورة ضباط الجيش فى 1879.. والتى ألقت بظلالها على الوضع العام فى
مصر.. ولم تنته بتصاعد الأحداث السريع.. ومخطىء من يظن أنها كانت إنتفاضة غضب
لتأخر الرواتب فقط.. كانت ترجمة حقيقية لما رأوه من مظالم وانتهاك للكرامة عم
البلاد.. كما كان تأثير ثورتهم على فئات الشعب المختلفة واضحا جليا فى تحركها فيما
بعد!
أستقالت حكومة "نوبار باشا".. واعتقد الخديوى
"إسماعيل" أن فرصته قد لاحت فطلب من ممثلى الدول الأوروبية أن يتولى
بنفسه رئاسة الحكومة الجديدة.. قوبل طلبه بالرفض.. فعرض إسنادها لابنه الأمير
"محمد توفيق باشا".. نعم.. هو نفسه الذى قال عنه شقيق الوزير "جدو
توفيق".. وافق "وكلاء أوروبا".. طلب أن يحضر جلسات الوزارة.. قوبل
طلبه بالرفض مرة أخرى.. صمت "ولى النعم" كعادته مع أولئك الوكلاء.. وصمت
أيضا عندما طوروا وجودهم المسيطر على مفاصل الحكومة بموظفيها.. وانتقلوا لمرحلة
أخرى.. هى أول الخطوات التى أفضت فيما بعد للاحتلال البريطانى.. قرر الوكلاء أن
يكون للوزيرين الأوروبيين حق "الفيتو" على أى قرار للحكومة إذا لم
يتوافق مع مصالح دولهما.. ولأن المداولات مع "مولاهم" لم تكن سرية.. ولا
كان هدفها حفظ ماء وجهه أمام الشعب أو حفظ ماء وجه الوطن.. فقد طلبوا منه ونفذ..
وخرج يوم 9 مارس 1879.. بإعلان قبوله مطالب الأوروبيين فيما سمى إتفاق البنود
الستة:
أولا: يجدد الخديوى عزمه على اتباع قرارات الحكومتين الانجليزية
والفرنسية والعمل بمرسوم اغسطس 1878.. الذى يحدد اختصاصاته.. إضافة إلى حق
"الفيتو" المستجد للوزيرين الأوروبيين.
ثانيا: لا يحضر الخديوى نهائيا جلسات مجلس النظار – الوزراء –
يكتفى فقط بحقه فى استدعائهم فرادى أو مجتمعين ليطلعهم على رأيه فيما يطلب منه
إقراره.
ثالثا: تسند رئاسة مجلس النظار – الوزراء – إلى الأمير "محمد
توفيق باشا" ابنه,
رابعا: للوزيرين الأوروبيين الحق فى وقف كل – وأى – عمل لا يوافقان
عليه.
خامسا: يشكر الخديوى على إحلالهما ملاحظاته محل الاعتبار!!
سادسا: يؤكد الخديوى لحكومتى انجلترا وفرنسا أنه سيبذل كل جهوده
لتنفيذ هذا الإعلان!!
وفى 22 مارس.. إنتهى "محمد توفيق باشا".. أو قل الوزيرين
الانجليزى السير "ريفرس ولسون" والفرنسى المسيو "دى بلينير"
من تشكيل الوزارة.. وأعلنت أسماء أعضائها وكان بينهم "رياض باشا" وزيرا
للداخلية والحقانية.. وهو لا يقل فى انحيازه للأوروبيين ونفوره من المصريين عن
"نوبار باشا".. ثم يأتى من يجرؤ على القول "اللهم هب مصر إسماعيل
آخر"!!.. وحتى لا نتهم بأننا نحكم على تلك الفترة بمعايير الآن – وهو لا يحدث
– فما سنورده يرد على ذلك بوضوح.. كرامة الشعوب وإحساسها بالإهانة.. ليس وليد
الأيام التى نحياها.. فهو موجود فى ضميرها منذ فجر التاريخ.
هذا الإعلان بتفاصيله.. وما سبقه من آداء وتعنت الحكومة.. وتدخل
الاوروبيين.. وما لحقه من إعلان تشكيل الحكومة الجديدة.. وأسماء وزرائها وتوجه
معظمهم الأوروبى.. ثم حق "الفيتو" وتوابعه.. كل هذا كانت تنشره الصحف
وقتها.. ويتداوله المواطنين فى كل مكان.. لذا صار الاستياء العام الذى اعترى المواطنين
فى ربوع مصر.. واضح لا تخطئه عين.. ومبنى على وعى وفهم عميق.. فى تلك الأثناء كان
مجلس شورى النواب يعقد جلساته.. طوال التداعيات السالفة.. أرسل المجلس طلبا موقعا
من 49 نائب لوزارة المالية للرد على مقترحات سابقة كان قد طلبها بتخفيض الضرائب
والإتاوات الفادحة التى ضج منه المواطنين.. وأن المجلس أرسل فى طلب ناظر – وزير –
المالية, فلم يحضر.. ثم أرسل طلباته تلك لوزير الداخلية.. فلم يصل منه رد.. وأبدى
المجلس إصراره على تلك المطالب.. كان الوزيران الأوروبيان يرقبان فى صمت تحرك
المجلس.. وتطور آدائه.. واستشعرا الخطر من وجود مجلس بهكذا آداء.. بات يبدو
للناظرين أنه قد يقف موقف المعارضة من الحكومة.. أو المراقب عليها.. ويخلق العقبات
فى الطريق المرسوم لها.. وهو أمر لم يكن مطلوبا فى تلك اللحظة.. وانعقد عزمهما على
ضرورة الخلاص من هذا المجلس.. اصطف معهما "رياض باشا" بميوله الاستبدادية..
وكان القرار فض مجلس شورى النواب بحجة انقضاء مدته – 3 سنوات – واستصدرت الوزارة
مرسوما من الخديوى "الصامت" بانتهاء مدة المجلس ومن ثم انفضاضه, كلف
"رياض باشا" بالذهاب للمجلس وإبلاغ الأعضاء.. الذين كانوا قد تسرب إليهم
ما حدث.. فعقدوا النية على عدم الإذعان للوزارة.. ووقفوا تجاهها موقفا مشرفا كما
سطر المؤرخون.. المؤرخ المهم "عبد الرحمن الرافعى" أفرد للجلسة التى
عقدها النواب فى كتابه "عصر إسماعيل".. فقد إعتمد النواب
"تكتيكا" جديدا وقتها.. بتجاهل البيان الذى ألقاه "رياض باشا"
بشأن انقضاء مدة المجلس.. وشكرهم على آدائهم فى دورته تلك.. وبدأوا فى تلاوة
المطالب التى أرسلوها سابقا لوزارة المالية والداخلية التى يمثلها "رياض
باشا".. بِشأن الضرائب والإتاوات.. وزادوا وأفاضوا فى الشرح وطرح العديد من
المشكلات التى يعانى منها الأهالى.. ثم انتقلوا لما يشبه "التأنيب" للوزير..
لطلبه من الصحافة ألا تنشر أخبار المجلس.. متهما عموم المصريين بأنهم شعب من الهمج
لا يفهمون!!.. إنتهت الجلسة.. ثم استتبعها النواب يوم 29 مارس بعريضة قدموها
للخديوى.. معترضين فيها على مسلك الوزارة وامتهانها حقوق المجلس, محتجين على
المشروع المالى الذى أعدته الحكومة وكانت بصدد إصداره معلنة فيه الإفلاس.. وأنها
غير قادرة على آداء واجبها المالى.. أعلنوا رفضهم للمشروع وطالبوا "ولى
النعم" بالتدخل!
صمت "أفندينا" كعادته.. ساء الأمر بصدور اللائحة التى
وضعها السير "ريفرس ولسون".. وتضمنت تسوية مالية جعلت مصر فى حالة عجز
تام عن سداد ديونها.. وبالتالى حكم عليها أن تظل على الدوام تحت الرقابة الأجنبية,
وبقاء تلك الوزارة الأوروبية إلى الأبد.. ظل الغليان يعتمل فى الصدور.. وغلبت فكرة
الكرامة على ما عداها فى النفوس.. ونما شعور جارف بضرورة التخلص من التدخل الأجنبى
وإسقاط وزراته.. ترجمت تلك الأفكار سريعا إلى إجتماعات متتالية ومستمرة عقدها
النواب والعلماء والتجار والصناع لمحاولة إنقاذ البلاد.. فى منزل نقيب الأشراف
"محمد البكرى" تارة.. وفى منزل وزير المالية ورئيس مجلس شورى النواب
الاسبق "إسماعيل باشا راغب" تارة أخرى.. حتى كان إعلان "الجمعية
الوطنية" من داره فى 2 إبريل.. نشرت الصحف وقتها تفاصيل ذلك.. وبعض الصحف
أسمتهم "الحزب الوطنى.. واتفقوا على وضع "اللائحة الوطنية" بما
اتفق عليه.. تضمنت مشروعا للتسوية المالية للبلاد يجابه مشروع "ريفرس ولسون"..
يجعل البلاد قادرة على الوفاء بديونها.. والمطالبة بوزارة وطنية مستقلة.. وإقصاء
الوزيرين الأوروبيين.. مع وضع نظام دستورى للبلاد يقوم على مسئولية الوزارة أمام
مجلس النواب.. هذا المشروع وضعته لجنة مؤلفة من 7 بالاشتراك مع "إسماعيل باشا
راغب".
كان الشعب بنوابه وتجاره وصناعه وفلاحيه يقف على أطراف أصابعه..
وهو يتابع ما تنشره الصحف عما يحدث فى لقاءات "الجمعية الوطنية".. توسم
فيهم طريقا للخلاص.. وشحذ طاقته وراءهم.. مهيئا نفسه لصعوبات قادمة فى حال لم
يستجب "ولى النعم" أو تآمر "رياض باشا" ووزرائه الأوروبيين!
التالية.. وزارة "شريف باشا".. وخلع الخديوى ونهايته
0 تعليقات