أحمد برهام
التأثيرات الثقافيه للترييف (2)
ظاهرة السرسجه !!
عندما انتشر سوء الخلق بين طلبة المدارس وساد الشغب فى الفصول بين
المراهقين، لم نفكر فى الانفجارالسكانى كسبب بديهى ، و تكدس الفصول كنتيجة طبيعيه
لهذا الانفجار ، وما يصحبها من انفلات اخلاقى، إضافة لمجانية التعليم واستحالة فصل
طالب بشكل نهائى عادة مهما فعل ، لكننا فضلنا ان نترك كل هذا ، ونتهم شيئا اسهل
............
لقد اتهمنا مسرحية مدرسة المشاغبين !!
هذه الهوايه ( اللى هى البعد عن التفسير العلمى واللجوء للتفسير
المريح) هو جزء لا يتجزأ من الشخصية المصريه حاليا والتى أصيبت بترييف مزمن أصابها
بالسطحية فى التفكير ( تذكر إننا تحدثنا عن أن الثقافة الريفية لا تميل للعمق ولا
تحتاج هذا العمق لعدم وجود صراع حقيقى بسبب القوالب المتكررة والأنماط المتماثلة
فى الريف ، وكلما انتشر الترييف الثقافي انتشرت السطحية والاستسهال) ، وتلك السطحية
هى التى لا تعتبر ان علوم مثل الاجتماع وعلم النفس ، علوم حقيقية ، هى مجرد علوم
يمكن الاستعاضة عنها بالفهلوة وهى متوفرة بكثرة والحمدلله !!
ظاهرة السرسجيه هى باختصار مقصود بيها ( انتشار شكل معين من العيال
الصيع واكبت انتشار ثقافة خاصة بهم أصبحت تجتذب المزيد من الشباب " حتى
الشباب غير الصايع من الأساس" وللتدليل على التمرد والاختلاف والتميز فأصبحت
تجتذب شبابا وشابات من مختلف الطبقات .........
نحب كثيرا ان نلقى بعبء هذه الظاهرة على اقرب مكب نفايات تراه أعيننا
، و كان حامل لواءها هذه المرة محمد رمضان !!!!
نفس التفسير السهل ، المريح !!
الظاهرة نفسها يوجد لها نظائر تاريخيه فى دول كثيرة عبر العالم ، الأفلام
الأمريكية مليئة بهؤلاء ((السرسجيه)) منذ عقود ، منتشرين فى الحوارى والأزقة
بالمدن الكبرى ، يحملون الأسلحة البيضاء والنارية أحيانا بمختلف أنواعها ، يمارسون
أنشطه إجرامية متفاوتة الخطورة ، اقلها المخدرات ، والنسبة الغالبة منهم من أقليات
عرقيه أخرى اشتهرت بالسكن فى المناطق الفقيرة والعشوائيات الأمريكية ، خصوصا ذوى الأصول
الإفريقية و اللاتينية ، ولهم ثقافة انتشرت هناك ، كموسيقى الراب مثلا ، وقبلها
كانت موسيقى الروك فى مرحله سابقه ( الستينات و السبعينات و عصر التمرد الشبابى
والحريات المطلقة وحركات الاعتراض على الحرب وغيره ...الخ).
كلها كانت ثقافات تمرد شبابى على الأوضاع السائدة ، خصوصا الفقر
والتمييز والظلم الاجتماعي من وجهة نظرهم طبعا ............
شىء مشابه بدأ يظهر فى السينما المصرية فى التسعينات (انتبه لهذا
التوقيت حيث بلغت عملية الهجرة من الريف ذروتها سواء فى المدى او التأثير وتجاوزت
كل قدرات المدينة على الاستيعاب) ، خصوصا على يد أفلام زى كابوريا ( اللى بعتبره أيقونه
للسرسجه فى العصر ده) أو فيلم ( مستر كاراتيه ) اللى كان برضه عملية تقنين
سينمائيه تقليديه للترييف المزمن وساعد الفيلم على انتشار هذه الرياضة فى مصر فى
تلك الفترة ، وكان لبس الكاراتيه الأبيض شديد الشيوع بين الأطفال والمراهقين ، لقد
كان الفيلمان رصدا لثقافة جديدة تتكون ، وساعدا دون قصد فى انتشارها ، وأصبحت (
حلقة كابوريا التى ظهر بها البطل هدهد فى الفيلم) و اغانى احمد زكى ((الهابطة آنذاك))
، على لسان الجميع !!
ساعد هذا ملامحه السمراء واللهجة الشعبية السوقيه التى كان يصر على
التحدث بها ببراعة فى هذه الأفلام ، وهو نفس المحتوى الذى يقدمه محمد رمضان بنفس التوليفة
دون اى تغيير ، سوى المزيد من التحفظ فى مسائل الجنس ( على عكس كل ما يردده الناس
) مع تعويض هذا بمزيد من العنف، وتستطيع باى مقارنه بسيطة ان تفهم هذا الفارق الذى
زرعه مفهوم السينما النظيفة الحديث نسبيا والذى ظهر تاليا لعصر تسعينات احمد زكى
حيث لم تكن هذه المحاذير والمفاهيم منتشرة وقتها !
ونستطيع ان نقول بصراحة ان
مفهوم السينما النظيفة الحالية هى نتاج عملية ترييف الفن السينمائى بامتياز !!
شيل اى محتوى يمكن وصفه بأنه ( علاقه بين الجنسين) وعوض عنه بالعنف
+ تليميحات قذرة تشمل فتيات ليل أو حتى شواذ = فيلم ناجح تجاريا واسمه سينما نظيفة
؟!!
هذه التوليفة بنت عصرها ، اى عصر الثقافة الريفية ، التى لا ترى
بأسا فى العنف باعتباره دليلا على القوه و معانى الذكورة ، بينما التابو الأعظم
لها هو ( الحب و العلاقات بين الجنسين ايا تكن درجتها ) ، فهذه مرفوضة بشكل قطعى
ونهائى فى ثقافة الريف وهو أمر نراه جميعا بشكل دورى فى الصحف و صفحات الحوادث !!
لاحظ ان هناك تعاطفا عاما مع المرأة القاتلة ، فقط إذا لم يقترن
هذا القتل بعلاقة جنسية ، عندها سينقلب التعاطف الى هجوم وشيطنه كاملين !!!
لاحظ التعاطف مع الأب الذى يقتل ابنته (( لشكه فى سلوكها )) وهى جريمة
متكررة فى صفحة الحوادث، ولن تجد تعاطفا يذكر من قطيع المتابعين مع " القتيلة
نفسها " أو ضد جريمة القتل بالشك ؟!!
إنها ثقافة العنف وكراهة اى صورة ماديه للمشاعر !! ثقافة ريفيه
بدائيه بسيطة لا تدرك مفهوم القانون الحديث ولا تعرف إلا قانون العادات والتقاليد المتمسحة
بالدين زورا !!
طبعا أنت شاهدت أفلام احمد زكى التى ذكرناها وغيرها مرات عديدة ،
لكن لم يخطر على بالك ان تتهمها بأنها نشرت السرسجه وثقافتها ، رغم انك الآن اذا
استرجعتها جيدا فى ذاكرتك ستفهم انها كانت النسخة البكر لأفلام محمد رمضان ، لكن
نظرا لان بطلها هو احمد زكى شخصيا ، والذى قدم قبلها الكثير من الأفلام الأرقى ، فأنت
ستبتلع له هذا الفيلم أو ذاك الدور ، أو تلك الأغنية، فقط لانه احمد زكى ، ومش
اسمه محمد رمضان !!
العشوائيات كانت البيئة البكر إذن لهذه الثقافة، والعشوائيات كانت الابنة
الشرعية لعملية ترييف المدينة ، حيث لم تستطع الدولة مواكبة هذه الهجرة الجماعية المكثفة
السريعة ، ولم ترغب فى مقاومتها بشكل صارم لأسباب سياسيه و أمنيه واقتصاديه ،
فتكون عقد عرفى بين الطرفين ، ان تترك الدولة لهم أحياءهم يتصرفوا فيها كما يشاؤني
مقابل الا يطالبونها بخدمات تذكر ، وهو أمر لاقى هوى لدى الطرفين ، فمن جهة هو
صادف ما وقر فى نفس الريفى المهاجر من ان الدولة ليست فى صفه ، والبلد مش بتاعته
كما يقول ، وانما بلد البهوات والافنديه بتوع المدينة ، ومن جهة أخرى أراح الدولة
من عبء هؤلاء !!
النتيجة كانت استفحال العشوائية فى كل شىء ، انتشار سرطان الجماعات
الإرهابية بكافة درجاتها فى هذه الأوساط ، والتى قدمت نفسها بديلا للدولة ، تقدم
له الخدمات ، تقدم له البديل ، تقدم له الغطاء الدينى لكل موبقاته ، تقدم له صكوك
الغفران التى تجب الفجوات بين الدين الحقيقى و التدين السطحى الزائف ، مقابل الدعم
السياسى والمادى ، الدعم بالأفراد والعتاد ، وأصبحت لدينا دولتان كما رأينا جميعا
، وأصبح لدينا شعبان متباينان كما نرى كل يوم !! وكدنا ندخل حربا أهليه فى 2013
لولا ستر الله !!
السرسجه إذن هى ابنه غير شرعيه للترييف ، لا يعترف بها ولا يقبلها
، لكنها حتمية للاتفاق العرفى الذى تم مع الدولة من جهة ، و حتمية بسبب الظروف الاقتصادية
والانفجار السكانى من جهة أخرى ، وكما حدثت فى دول أخرى لأسباب متنوعة ، وجدت
طريقها الى مصر لأسباب أخرى ، وتطورت ولم تعد قاصرة على طبقة اقتصاديه بعينها ، بل
امتدت لكل طبقات المجتمع التى اجتاحتها عملية الترييف ، والتى وصلت للطبقات العليا
عبر عقود طويلة ، حيث وجدت هذه الطبقات نظيرا مشابها فى الثقافة الغربية التى تميل
لتقليدها الآن و نظيرا مشابها لأصولها البسيطة التى منعتها من الاندماج الكامل مع
طبقتها الحالية ، فاندفعت لاحتضانها وصبغتها بصبغات أخرى لتليق بها أكثر من البداية
الشعبية البسيطة !
ومن العجائب انك ستجد لنفس حلفاء ثقافة (السرسجه) ذوقا ريفيا زاعقا
فى كل شىء ، حتى انك ستجد نفس الإطار الدينى ، لكن بوازع مختلف !!!
فكلاهما مثلا يحتقر المرأة ، لكن بأسلوب متفاوت ، وكلاهم يهاجمها
بعنف وقمع، ولهذا ظهر مؤخرا تحالف غير معلن بينهما نظرا لتقارب الأهداف رغم تباعد الأساليب
، و ترى دعما مباشر او غير مباشر بين شيوخ الترييف ، وبين السرسجيه المتحرشين
(((التحرش من سمات السرسجه الأصلية لانها تعبير عن التمرد وهو ليس حكرا على الذكور
بل يمتد لبعض الإناث من نفس المنطلق، وللإحساس بالقوة و تحقيق الذات خصوصا عند
رؤيته الحرج على وجه الضحية )))، فالأول (اى شيوخ الترييف) يوفر الدعم الاخلاقى ( أو
اللا اخلاقى ) والدينى كما نرى كل يوم فى اراء شاذه لا تبنى على الدين بقدر ما
تبنى على اراء الشخص نفسه و عقليته ذات الثقافة الريفية التى ترى اى اختلاف كمصدر خطورة
، والثاني اى السرسجى يمثل ( الردع ) ، الذى يسميه الأول ( نهيا عن المنكر ) بحيث
يخضع الهدف (المرأة) لسيطرته ، ولعله يبرر لنفسه هذا ، بان الله قد ينصر الدين
(بالرجل الفاجر) !!
ولا حل مع هؤلاء النساء والفتيات (( المنحلات فى رأيه) سوى إرهابهن
و إجبارهن على (الطريق الذى يراه وحيدا لا بديل له كأى ريفى الثقافة غير قابل
للتنوع والاختلاف) !! بل انك ستجد تشابها فى المظهر أحيانا بين النماذج المتطرفة
هنا وهناك !! أنت أمام ريفى الثقافه متسرسج المظهر بلا شك مهما حاول ان ينفى هذا
الا ان اى مقارنه (واعية) ستفضح التشابه من النظرة الأولى !!
إذن كان انتقال الريفى للمدينة أمرا طبيعيا و مفهوما ومتقبلا ،
ومصدرا لا يفنى من المواهب الضرورية للنمو الحضارى والتنوع ، طالما ترك ثقافة القرية
فى القرية ، و تبنى ثقافة المدينة فى المدينة ، ولم تظهر المشكلة الا عندما قرر ان
يصطحب معه الريف بكل ما فيه الى المدينه ويفرضها كثقافة غير مناسبة للمكان والزمان
!!
يتبع ...........
0 تعليقات