النصارى المذكورون في القرٱن
سمي نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام بالمسيح لأنَّهُ كان لا
يمسح ذا عاهة إلاّ برئ من مرضه. وقيل معناه الممسوح بزيت البركة.
وقيل أيضا أنه سمي كذلك لكثرة سياحته.
وأما بالعبرية فاسمه المشيح משיח
من الجذر משח
أي مشح.
ولد المسيح ابن مريم في بيت لحم على أصح الأقوال. و أصحابه هم
الحواريون و من ٱمن به في زمانه يسمون "المسيحيين" وهم المسلمون من
أتباعه الذين صدقوا به كنبي مبلغ عن الله وٱمنوا بالإسلام كدين لهم.
أما النصارى فهم الذين حرفوا شريعة عيسى عليه السلام من بعده
وأسموه كذبا يسوع وقالوا عنه أنه ابن الله، و أطلقوا على تلك الشريعة المحرفة
الديانة المسيحيّة. و الصحيح انه لا دين سماوي إلا الإسلام وهو دين جميع الأنبياء.
قال تعالى: "وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ
ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا
مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ" - التوبة-
ويعتبر بولس هو المؤسّس الحقيقيّ للديانة المسيحيّة المزعومة.
قال Geza
Vermes
وهو من كبار المختصّين العالميّين في مخطوطات البحر الميّت في كتاب
Enquête sur L’identité de Jésus,
Nouvelles interprétation, Bayard, Paris, 2003, p63
: " يرى عديد الأكاديميّين من مرجعيّات مختلفة أنّه [أي بولس]
هو الذي أنشأ المسيحيّة وجميع مؤسّساتها.
وجاء في قاموس
ذكر ان بولس هو منشئ كلّ النظام العقائدي والكنسي في رسائله"
. انتهى
وقد زعم الباحث محمد النجار ان القرآن قام بتخريج لغويّ لكلمة
النصارى وجعل للفظة أصلا عربيّا ومن ثمة ربط بين لفظة "نصارى"
و"أنصار" والمفرد هو "نصير" وجمع القلّة "أنصار"
والكثرة "نصارى".
و احتج بقول الله تعالى: "يا أيّها الذين آمنوا كونوا أنصار
الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريّون نحن
أنصار الله "-الصفّ، 14-
من دون أن يكمل بقية الٱية وهو قوله تعالى:" آمنا بالله
واشهدْ بأنا مسلمون" .
وهذا من جملة تخبطه في ما يتعلق بالسيرة وتاريخ الأنبياء، لأن
النصارى كفرقة ظهرت بعد تحريف شريعة عيسى عليه السلام، و اما أتباع عيسى فهم
الحواريون المسلمون فلا علاقة بين كلمة أنصار و نصراني، و القرٱن صريح في هذه
المسألة حيث بين أن النصارى هم القائلون بان المسيح هو ابن الله وهؤلاء كفار بنص
القرٱن، كما ذكر أيضا أتباع عيسى وأثبت أنهم مسلمون، فلا مناسبة بين اللفظين.
ويذكر بعض الباحثين ان أتباع "يسوع" تكنوا بالنصارى
نسبةً للناصرة وهذا ادعاء غير صحيح لأن مدينة الناصرة زمن المسيح بن مريم لم تكن
موجودة، ولم تذكر في أيّ نصّ يهوديّ أو في أي نصّ يونانيّ أو لاتينيّ ولا غيرهما،
فلا نجد لها ذكرا إلاّ في الأناجيل، غير أنّ وصف هذه المدينة في الأناجيل لا ينطبق
عليها، فبحسب الإنجيل لوقا" جاء قولهم :
وجاء [يسوع] إلى الناصرة حيث كان قد تربّى. ودخل المجمع حسب عادته
يوم السبت وقام ليقرأ (…) فامتلأ غضبا جميع الذين في المجمع حين سمعوا هذا. فقاموا
وأخرجوه خارج المدينة وجاؤوا به إلى حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنيّة عليه
حتّى يطرحوه إلى أسفل".
فإنجيل لوقا يشير إلى أنّ مدينة الناصرة مبنيّة فوق جبل، لكنّ
مدينة الناصرة التي يزورها النصارى اليوم ليست مبنيّة فوق جبل.
فالراجح أنّ كتبة الأناجيل هم الذين قاموا بصناعة اسم مدينة
الناصرة على صفة نبيهم المصطنع يسوع.
ولعل أول ذكر لمدينة الناصرة ظهر بداية من القرن الثاني الميلادي،
لتوافق الأناجيل.
راجع ما قاله
Gérard Mordillat et Jérome Prieur
في الكتاب المسمى
Jesus contre Jesus, éd.Seuil,
و هذا ما أكده أيضا الكثير من الباحثين، مثل
Pierre Desjardins
في كتابه
Jesus, Nouvelle Enquête, Dorval
Editions,
حيث اعتبر أنّ هذه التسمية في الأناجيل لا تعود على مدينة الناصرة
بل مشتقّة من اللفظة العبريّة: נ זיר
أي "نزير" وهي كلمة بلا معنى في العربية ولا يمكن
اعتبارها بمعنى"نذير" أو "ناذر" بالعربيّة و إلا صار هذا
تلاعبا بالألفاظ و الحروف.
فهذه اللفظة بالعبريّة مكتوبة بحرف (ז) لذلك يرى أصحاب هذا الرأي أنّ
الكلمة تترجم إلى اليونانيّة (Naziraios)
وهذا الاسم كان يطلق على الطّائفة الغنوصية المندائيّة كما في
النصوص المكتوبة باللهجة الآرامية الشرقية ، Mandayya أو nasôrayya
؛
وهذا ما ذكره بلين القديم Pline L’Ancien
- من القرن الأوّل الميلادي- في كتابه التاريخ الطبيعي باللاتينيّة
Histoire Naturelle
Livre 5, ch. 19
حيث تكلم عن منطقة سمّاها "منطقة النصرينيّين" Nazerinorum
التي كانت موجودة حوالي سنة عشرين قبل الميلاد في سوريا غرب نهر
العاصي مقابل منطقة أفاميا -قرب قلعة المضيق- التابعة لمنطقة حماة، وهو نقل هذه
المعلومة عن الجنرال
Marcus Vipsanius Agrippa
الذي توفّي سنة اثنتي عشرة قبل الميلاد.
وهذه الصفة "النصراني" نجدها تُطلق على بولس -اليهوديُّ
الديانةِ، الفريسيُّ المذهبِ- كما في "أعمال الرسل" بوصفه ينتمي إلى
شيعة "النصرانيّين" إذ جاء في (24،5) على لسان اليهود المتحدّثين عن
بولس : "قائد شيعة النصرانيّين" والكلمة المستعملة في الإنجيل
باللاتينيّة هي:
Sectae Nazarenorum
أي "مذهب النصارى".
وبالتالي فليس من المستبعد ان يكون اسم النصارى قد اقتبس من اسم
الطائفة الناصورائية المندائية ثم أخذ بولس بعض التعاليم اليهودية منهم باعتبار ان
المندائيين الصابئة كان منهم بعض اليهود.
قال "أبيفانوس" Epiphanius : "وجد قبل المسيح مذهب يسمّى "مذهب النصارى" ولم
يعرف أتباعه المسيح" . انتهى
كما في كتاب Epiphane, Panarion, 29,6
و يرى الباحث خزعل الماجدي أن الناصورائيين هو الاسم الأول الأقدم
للمندائيين كما في كتابه "أصول الناصورائية المندائية في آريدو وسومر" .
ويعتقد الماجدي أن احتكاك المندائيين باليهود قد حصل على أرض وادي
الرافدين اول مرة.
وهذه الطائفة اليهودية المندائية تعتبر من الطوائف المهرطقة لدى
اليهود فإنّ ما يسمى بالصلاة اليهوديّة "التفيله" والتي تُردّد ثلاث
مرّات يوميّا في الكنيس تذكر النصارى وتلعنهم حيث قالوا فيها :" ليكنْ كلّ
الكافرين بلا أمل، ولتجتثّهم مملكة التغطرس من جذورهم في أيّامنا، وليندثر
النصارى= (נוצרים=نوصريم) والهراطقة في غمضة عين، وليمحَوا من كتاب الحياة ولا تكتب
أسماؤهم مع الأتقياء، بورك يهوه قاهر الجبابرة" . انتهى
راجع ما نقله Gallez
في كتابه المسمى
Le messie et son prophète, op.cit, p286
وتجدر الإشارة إلى أنّ بعض النسخ القديمة من هذه الصلاة لا تذكر
اسم النوصريم وتكتفي فقط بكلمة الهراطقة، انظر المصدر السابق صحيفة 287
فالصحيح عندنا أن بولس و أتباعه كانوا من اليهود الناصورائين، و هم
الذين اخترعوا شخصية يسوع الناصري لتعويض عيسى ابن مريم عليه السلام وجعلوا من
يسوع ملكا على اليهود، إذ جاء في إنجيل يوحنّا (19،19) المحرف قولهم: "يسوع
"النصوراي" Ναζωραῖος
ملك اليهود.
0 تعليقات