نقض كلامه عن البراق بقلم الباحث محمد الحاج سالم بتصرف
قال النجّار في في كتابه" مقالات نقدية في السيرة
النبوية" طبعة Editions
Walidoff
مانصه:
" أمّا عن البراق الذي طار بالنبيّ فقد يذكّرنا بالحصان
المجنّح "بيجاسوس" المشهور في الأساطير اليونانيّة وتغنّى به الشعراء
القدامى، وحسب الأسطورة فقد طار هذا الحصان ناحية المكان الذي يخرج منه البرق
والصاعقة واستعمله "برسيوس" في تنقّلاته، وربّما هناك علاقة إيتمولوجيّة
بين "بيجاسوس" باليونانيّة و"بيهاساس" بالسومريّة والتي من
معانيها الضوء القويّ وتقابلها "براقو" بالأكاديّة فهذا الحصان الذي طار
ناحية البرق اسمه :
بيجاسوس Pegasus (يونانيّة) =
بيهاساس Pihassas (سومريّة) =
براقو Baraku (أكاديّة) =
براق (عربيّة)=البُراق
وليس من المستبعد أنّ كتبة السيرة استعاروا الحصان المجنّح بمعنى
البُراق وأسّسوها كمعجزة للنبيّ خاصّة بعد احتكاكهم بالحضارات الأخرى وتداخل
الثقّافات". انتهى
و يشير الباحث في الهامش إلى استقائه التّخريجات الاشتقاقيّة من
مؤّلف جماعيّ أورد عنوانه دون أيّ إشارة إلى كاتب المادّة المندرج تحتها ما أشار
إليه من تخريج ، بل ودون أن يتفطّن إلى أنّه قاموس.
والكتاب المقصود هو قاموس من تأليف جماعي يضمّ جميع ما يتعلّق
بالحضارات الشرقيّة القديمة التي استخدمت تقنية الكتابة المسماريّة (ما بين
النّهرين، سوريا، الأناضول، إيران، …) وهو محرّر بعدّة لغات أوروبيّة (الألمانيّة،
الفرنسية، الانكليزية) ضمن مجلّدات ومرتّبا حسب التّرتيب الأبجدي للّغة الألمانيّة.
وما أشار إليه الأستاذ النجّار يقع تحت مادّة "i(Piḫaŝŝaŝ(ŝ"
وهي من تحرير أستاذ اللّغات الساميّة بجامعة تلّ أبيب "إيتامار
سينغر" Itamar
Singer.
أمّا الملاحظة الثّانية، فتتعلّق بالشكّ حول علاقة (بيجاسوس)
اليونانيّة و(بيهاساس) السّومريّة التي "تقابلها (براقو) الأكادية".
وهذا الشكّ أورده كاتب المادّة الذي شكّك في وجود علاقة لغويّة
اشتقاقيّة بين تلك الألفاظ. ومن هنا فإنّنا نسأل عن معنى المقابلة بينها إن لم تكن
بهذا المعنى اللّغويّ الاشتقاقيّ، وعن وجه إيراد اللّفظين اليوناني والسّومري وهما
لا يمتّان للّفظ الأكادي بأيّ صلة لفظيّة، إلاّ إذا كان المقصود الإيحاء بوجود صلة
معنويّة أي أنّ لفظ (براقو) الأكادي يشير إلى ما يشير إليه اللّفظان اليوناني
والسّومري أي معنى "الحصان المجنّح" وهو ما حاول أثباته الأستاذ النجّار
بتلك المعادلة الرّياضيّة التي ذكرها.
والحال أنّ لفظ براق لا صلة له بتاتا لفظيّا ومعنويّا باللّفظين
اليوناني والسّومري ولا يعني البتّة "الحصان المجنّح". راجع ما قاله
اللغوي الكبير مرتضى الزّبيدي في تاج العروس من جواهر القاموس، مادّة برق.
أمّا قول الأستاذ النجّار إنّ لفظ (Pegasus) اليوناني هو نفسه لفظ بيهاساس Pihassas السّومريّ، فإنّنا نحيله مرّة أخرى إلى نفس
المصدر الذي اعتمده والذي لا نجد فيه مطلقا ما يدعم القول بوجود ذلك اللّفظ في
اللّغة السّومريّة، وغاية ما نجده هو الإشارة إلى أنّ لفظ Piḫaŝŝaŝ(ŝ)i
ويقرأ بالعربيّة "ﭙيخاشاشي" حسب نظام العلامات المجمع
عليه في قراءة الكتابات المسماريّة، وليس "بيهاساس" Pihassas كما أثبته الأستاذ النجّار، مدّعيا أنّه
سومري، وهو اسم لإله العاصفة والصّواعق عند "اللّوبيّين" (Louvites/Luwians) *
الذين نقل عنهم اليونان أسطورة ظهوره في صورة حصان مجنّح winged horse
ونسبوها إلى إلههم زوس (Zeus).
ومن هنا، فإنّ اللّفظ ينتمي إلى اللّغة اللّوبيّة وهي لغة
هندوربيّة كان يتحدّثها اللّوبيّون الذين استقرّوا في الأناضول (Anatolia) قبل الحثيّين Hittites ولا
علاقة له البتّة بالسّومريّين.
وخلاصة القول هي عدم وجود أيّ إثبات لغويّ لما يفترضه الأستاذ
النجّار من تقابل بين تلك الألفاظ في ظلّ غياب الوسيط الأناضولي ممثّلا بخاصّة في
اللّغة اللّوبيّة، وذلك رغم القبول العامّ بأنّ اللّفظ اليونانيّ يشير إلى إله
العاصفة عند اللّوبيّين.
راجع ما نقله Helmuth Theodor
Bossert
في كتابه
"Die phönikisch-hethitischen Bilinguen
vom Karatepe", Jahrbuch für kleinasiatische Forschung, 2, 1952-1953, p.333.
بل إنّ حضور نقوش يونانيّة وأشوريّة تصوّر الحصان المجنّح غير كافٍ
للقول بأخذ اليونان عن الأشوريّين في غياب أيّ نقش يصوّر ذلك في كامل منطقة
الأناضول
ومن هنا، فلا دليل ثابت على أخذ العرب لفظ "البُرَاق" عن
اليونان أو اللّوبيّين بمعنى "الحصان المجنّح"، ولا دليل أيضا على أخذهم
اللّفظ عن الأكاديّة، إذ لا وجود لتسمية الحصان المجنّح فيها باسم
"بَرَاقُ"، وعلى من يقول بنقل العرب للاسم وللأسطورة عن غيرهم من الشّعوب
إثبات ذلك بالدّليل الملموس لا بمجرّد افتراض غير مؤسّس.
* ملاحظة: "اللّوبيّون هم شعب هندوروبيّ تغلغل خلال الألف
الثالثة ق.م في منطقة آسيا الصّغرى قادما على الأرجح من أوروبا.
وفي منتصف الألف الثاني ق.م أصبحت منطقة اللّوبيّين جزءا من
الإمبراطوريّة الحثيّة. وتعتبر اللّوبيّة من عداد مجموعة اللّغات الحثيّة وتمثّلها
كتابات وجدت في قيليقيا وكبدوقيا وسوريا الشمالية تعرف بالكتابات الحثيّة".
0 تعليقات